شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م18:55 بتوقيت القدس

غزة.. قناديل حارقة في موج "آب"

13 اعسطس 2020 - 12:03

شبكة نوى، فلسطينيات: بينما كانت الأمواج تداعب وجهيهما عندما قررا العبور مترًا زيادة بعيدًا عن الشاطئ، شعَرَ يوسف بشيء ما ارتطم بساقه، نظرَ مليًا فإذا به قنديلٌ حي، رفع ذلك الكائن الرخوي بسرعة قبل أن يهرب، وقذف به باتجاه شقيقه الأصغر، فما كان من الأخير إلا أن ردّه إليه فتحول إلى كرةٍ تقاذفها الاثنان عدة دقائق حتى بدآ يصرخان.

دخل الاثنان في نوبة حكاكِ شديدة، دفعت بوالدتهما إلى فرك مكان اللسعة برمل البحر كما نصحتها والدتها، ثم عادت تغسل المناطق المصابة بمياه الشرب لعل الألم يخف.

لوحةٌ مؤلمةٌ من اللون الأحمر رسمتها لسعات القنديل على جسدي الطفلين، فيما كان يشبه حرقًا من الدرجة الأولى، ما استدعى أخيرًا زيارة المستشفى التي وصفت لكليهما مراهم معينة، وأخبرت والدتهما بأخطاءٍ جمة وقعت فيها خلال الإسعاف الأولي للسعات القنديل.

تقول الأم وتُدعى هداية محمد: "قصدنا البحر –متنفس أهالي القطاع الوحيد- لأننا لا نستطيع استئجار شاليه خاص ببركة سباحة، فالظروف الاقتصادية لا تخفى على أحد، قررنا أن نسعد أنفسنا بأقل القليل، لكن القناديل التي تنتشر على الشاطئ حرمتنا من إكمال رحلتنا بالشكل المطلوب".

تؤكد هداية، أن أسبوعًا كاملًا استغرقته لسعة القنديل حتى خفّ ألمها، وهذا بعد استخدام مراهم طبية للحروق، وتقول: "للأسف لا توجد أي لافتات تحذر المصطافين من الأماكن التي ينتشر فيها قنديل البحر، كما أنني لم يصدف وقرأت أي تحذيرات حول هذا الموضوع أبدًا، وهذا ما جعلني أتعامل مع اللسعات بالوصفات المتعارف عليها محليًا".

هذا أيضًا ما فعلته إيمان عبد الغفور، التي –وبرغم شدة الحرارة- لم تعد تتجرأ على زيارة البحر للسباحة، بعد أن عانت لأسبوعين كاملين من آثار لسعة قنديل البحر، دون أن تعرف كيف حدث ذلك ومتى؟!

كل ما شعرَت به إيمان وكأن نارًا هبت في جسدها –على حد وصفها- لتبدأ بشكل هستيري بحك مكان اللسعة، بعد أن تحوّل لون قدمها تدريجيًا إلى الأحمر الداكن "وكأن حرقًا أصابها".

تقول: "غسلت قدمي بالماء البارد، لتخفيف الألم، لكن بلا جدوى، قررتُ التوجه إلى المستشفى، فتعاملوا مع اللسعة كحرق من الدرجة الأولى".

ويعلق د.عبد الفتاح عبد ربه، أستاذ العلوم البيئية المشارك في الجامعة الإسلامية، حول موضوع انتشار قناديل البحر على شاطئ غزة في أكثر أشهر الصيف حرًا بالقول: "القناديل البحرية تنتشر في فصل الصيف، كون تكاثرها يبدأ في الأشهر التي تسبق الصيف مباشرة، فتكون الأجواء الحارة ملائمة للتكاثر، وهو ما يفسر وجودها بكثرة على شواطئ القطاع".

ومن الأنواع الأكثر انتشارًا على شواطئ غزة، القنديل الأبيض(الرحال) الذي تشكل لسعاته خطورة شديدة، الذي قدِمَ من المحيط الهندي والبحر الأحمر عبر قناة السويس واستوطن شواطئنا، وهو من أخطر أنواع القناديل في البحر المتوسط، كونه أصبح الأكثر انتشارًا فيها.

ولا يرى عبد ربه أن تواجد القناديل البحرية بكثرة على شواطئ غزة، يُشكل خطورةً على الحياة البحرية، باعتباره جزءًا من التنوع البحري الطبيعي، لكن الإشكالية حسب عبد ربه في تكاثره خلال شهري يوليو وأغسطس، ما يعيق صيد الأسماك بسبب كثرته.

ومن ناحية أخرى، لفت د.عبد ربه، إلى وجود كائنات بحرية تتغذى على القناديل مثل سمكة "المولا مولا"، والسلاحف البحرية، التي أضحت مهددة بالخطر بسبب سلوكيات المواطنين السلبية من إلقاء الأكياس البلاستيكية في البحر، وهو ما تتناوله تلك الكائنات على أنها قناديل، مما يشكل خطورة على حياتها، ويهدد تواجد هذه الأنواع المهددة أصلًا بالانقراض.

ووفقًا لعبد ربه، تقوم بعض الدول بمواجهة خطر القناديل على الشاطئ، بصنع مناطق محمية بكاسر الأمواج  لتصبح الشواطئ آمنة ونظيفة.

يضيف: "لكن نظراً لظروف قطاع غزة الاستثنائية بسبب الاحتلال الذي يسيطر على البحر من جهة، وضعف الإمكانيات بسبب الحصار من جهة أخرى، هناك عوائق كثيرة تمنع اللجوء إلى مثل هذه الحلول".

يعتقد عبد ربه أن المنقذين يجب أن يكون لهم دور في ما يتعلق بأماكن وجود القناديل، وطريقة التعامل الأولي مع لسعاتها، وعدم ترك الأمر لاجتهادات المواطنين، التي تأتي غالبًا بنتائج عكسية.

وهو ما أكده د.عامر المصري، استشاري الأمراض الجلدية  بوزارة الصحة، الذي حذّر من اللجوء إلى الطرق الشعبية في التعامل مع لسعات القنديل، التي تتمثل في فركها برمل البحر حينًا، أو استخدام الملح والخل حينًا، أو بغيرها من المواد التي يزيد استخدامها الطين بلة.

يقول: "الأصل في مثل هذه الحالات أن يتم العمل على إزالة مخالب القنديل بملاقط خاصة، ثم غسل مكان اللسعة بالمحلول الملحي قبل نقل الحالة لأقرب مركز صحي لعمل اللازم، لافتًا إلى أن الأمر ليس بهذه البساطة التي يتعامل بها المواطن معه، فبعض الحالات قد تتطور إلى التهابات عالية الخطورة، فتؤدي إلى نتائج غير متوقعة، خاصة مع فئة الأطفال وكبار السن.

كاريكاتـــــير