رام الله:
أجواء خاصة، أغاني تراثية، وأهازيج شعبية، ورقص تقليدي على أنغام الجدات، ونقوش مختلفة من الحناء تزين يدي العروس، خطت بأياد ماهرة لتظهر أناقتها بطريقة تلفت الأنظار.
هذه طقوس حفلة الحناء التي تسبق ليلة الزفاف، وهي عادة في العديد من الدول العربية كما في فلسطين، وكمظهر من المظاهر التراثيّة المتوارثة من الأجداد، حيث يستمر إقبال النساء الفلسطينيات على نقش أيديهن وأرجلهن بالحناء للزينة في حفلة الحناء.
والحناء مسحوق أوراق نباتيّة، من شجرة تسمى "الحنّاء"، وتباع في أسواق العطّارة المحلّية، كما يمكن إعدادها منزلياً، من خلال سحق أوراق الحنّاء وعجنها بالماء، وإضافة الأصباغ لمنحها الألوان، حيث تقوم النساء بنقش أشكال جميلة، وتدوم هذه الأشكال والرسوم لأسابيع قليلة قبل أن تختفي آثارها.
طقوس الحفلة
لحفلة الحناء مكانة كبيرة في قلوب النساء الفلسطينيات، لما تتركه من ذكرى جميلة فيهن، ولذلك قمنا بلقاء الحاجة التسعينية حفيظة أبو زياد، من العيزرية شرق مدينة القدس المحتلة، والتي جلست تستذكر حفلات الحناء قائلة: " الحناء أصل من أصول التراث الفلسطيني، الذي أورثناه إلى أحفادنا، حيث تقام حفلة الحناء في المنزل، ويتم توزيع أكياس منها، وترتدي العروس الثوب الفلسطيني المطرز، ويتراقصن على الأغاني الفلاحية التراثية، وختاماً يتم جبل الحناء وتزيين يد العروس والعريس".
ومن العيزرية إلى بلدة بيت لقيا جنوب غربي رام الله، تختلف طقوس حفلة الحناء، إذ كانوا يقومون برش الرز على الضيوف لاعتقادهم أنه محاولة لدرء الشر ولجلب الحظ، فنقش الحنّاء كان ولا يزال جزءاً من طقوسهم المتوارثة، وكذلك العمل على نقش الحنّاء بأشكال مختلفة وجميلة، على يدي العروس ورجليها، لتصبح كلوحة فنيّة وتبدو ملامح الفرح من أغانيهم وأناشيدهم المترنمة:
حنا ولك يا جابل الحنا هذا العريس عروسته منا
هيل ولك يا جابل الهيل هذا العريس وأنا أزفه عالخيل
لمّام ولك يا جابل اللمام هذا العريس وأنا أحضر الحمّام
وبالانتقال إلى مدينة رام الله، يلاحظ أن حفلة الحناء التي تقام في المنزل قد اندثرت، حيث أصبحت تقام في مكان مخصص للحفلات، ويكون اللوج ( مجلس العروس والعريس ) مطرزاً كثوب العروس، المسمى بـ "ثوب الملكة" وترتدي الوقاة والصيغة، وتزف من قبل أهلها، وكذلك العريس يزف كل منهما على حدى، وتقوم النساء بالرقص بأطباق الحناء فوق رؤوسهن، من ثم يقمن بنقش الحناء بأشكال جميلة على أيدي العروسة.
وفي حضور حفلة ليلة الحنّاء الخاصّة بالعروس ميادة عايد من مخيم قلنديا (25 عاماً)، والتي كانت تبدو في قمة سعادتها في حين انشغلت الحاجة فاطمة في رسم أشكال مختلفة على يديها، منها الورود والفراشات وفروع الأشجار، وما إن انتهت حتّى سارعت باقي الفتيات إلى النقش على أيديهن، وبدأن بالغناء.
تقول ميادة وهي تنظر بسعادة إلى نقوش الحناء المرسومة على يديها: "هذه النقوش جزء من عاداتنا وتقاليدنا التي لن ننساها، وسأورثها لأبنائي وأحفادي كما توارثناها من أجدادنا".
وأثناء الحديث مع أسماء بدأت النساء بتهنئة أم العريس وأخواته بالغناء:
لشان إمه حبيت أهني وأغني... لشان إمه على كمه وأرش قناني العطر على كمه
لخواته جيت أهني وأغني لخواته على بدلاته... وأرش قناني العطر على بدلاته
الحناء ليست طقساً للعروس فقط، فالتزيّن بالحناء جزء من طقوس الاحتفالات التي يجب على العريس أن يلتزم بها أيضا ولكن بشكل مختلف عن العروس، فقد حكمت العادات والتقاليد أن يغرس العريس يده اليمنى بالحنّاء، خلال سهرة الشباب التي تنظّم في ليلة تسبق ليلة الزفاف، والتي توازي ليلة الحنّاء عند العروس، لكي يكون مميزاً عن الآخرين، ولكن دون نقش على الأيدي، لأن النقش يعد طابعاً أنثوياً فقط.
يتزايد إقبال الفتيات لنقش الحناء على أيديهن حيث تقول نور ناصر وهي إحدى الماهرات في نقش الحنّاء: "إنّ هناك تزايداً مستمراً لأعداد الفتيات اللاتي يطلبن نقش الحنّاء على أيديهن وأرجلهن، وليس شرطاً بوجود حفلة حناء لهم وذلك لمنحهم رونقاً جميلاً".
وأوضحت أن الطلب على نقش الحنّاء يزداد خلال فصلي الربيع والصيف، حيث تكثر فيهم مواسم الأفراح وحفلات الزفاف.




























