شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 27 سبتمبر 2025م02:39 بتوقيت القدس

يجوب مخيمات النزوح للترفيه عن ذوي الإعاقة السمعية..

حكايا "عم شعشبون" تداوي القلوب بلغة الإشارة!

15 يونيو 2025 - 11:08

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"صنعتُ من البالة خمسة أزياء غيره"، هكذا لخّص الحكواتي محمد العامودي رحلته في التحدي بعد أن فَقَد زي "علي بابا" الخيالي الذي كان يرتديه خلال عروضه الفنية.

لقد قُصف بيته غربي مدينة غزة، في الأيام الأولى للحرب المندلعة منذ السابع من أكتوبر 2023م، ودُفن كل ما يملكه تحت الركام، بما في ذلك زيه المسرحي الوحيد.. زي "علي بابا".

لم يُطِل محمد الوقوف عند حزنه. بحث في أسواق البالة (الملابس القديمة والمستعملة) عن قماش ملون لامع، وحاك بنفسه عدة أزياء بديلة. لم يكن الهدف مجرد تعويض ما فُقد، بل الإصرار على أن يبقى مصدر بهجة للأطفال، لا سيما الأطفال من فئة ذوي الإعاقة السمعية الذين شاركوا مؤخرًا أول عرض حكواتي بلغة الإشارة في غزة.

جاء العرض بدعم من مؤسسة "إنقاذ المستقبل الشبابي"، التي أطلقت مبادرة "حكايا جدودنا" لفتح أبواب الخيال أمام الأطفال الصم، وكان محمد العامودي هو الحكواتي الذي روى الحكايات بلغة الإشارة، ما سمح لهم بالمشاركة الكاملة دون حواجز.

"أنتم أحلى ما في يومنا" تلك العبارة قالتها امرأة لفريق محمد داخل أحد مخيمات النزوح، بعد أن تركت وعاء الغسيل وانضمت لعشرات الأطفال تستمع إلى حكاية "الشاطر حسن". لكن الامتنان الأعمق جاء من الأطفال الصم أنفسهم، الذين نادرًا ما يحظون بفرصة ترفيهية بلغة يفهمونها.

يقول محمد: "إن الابتسامة التي ارتسمت على وجوههم أثناء العرض تكفي لتبيان حجم الفرح الذي غمرهم". ورغم أن عودته إلى مدينة غزة في كانون ثاني/ يناير الماضي، بعد رحلة نزوحٍ طويلة جنوبًا، جاءت في ظل فقدان لكل ما يملك، إلا أنه قرر ألا يستسلم للإحباط، بل أن يعمل "لخدمة الفئات الأقل حظًا في الترفيه" كما يقول، وعلى رأسهم الأطفال "الصم"، الذين يعانون من انقطاع التعليم، وانعدام أدوات التواصل التكنولوجي أيضًا.

دعمت المؤسسة فكرته سريعًا، وبدأ تنفيذ مبادرة "حكايا جدودنا"، التي ركّزت على الأطفال الصم. "مثل هذه الأنشطة تُشعرهم أنهم جزء من المجتمع، وأننا لم نتخلَّ عنهم رغم الحرب"، يضيف محمد.

"عم شعشبون" هكذا يناديه الأطفال، تيمنًا بالحكاية التي يرويها عن عنكبوتٍ صغير يبدأ مغامراته في الصيد، فيُصاب حين يطمع بالحيوانات الكبيرة، ويتعلم لاحقًا أن يكتفي بالحشرات. تحمل القصة، التي تتضمن أغنية، رسالة توعوية للأطفال بعدم الاقتراب من الخطر والاستماع لنصائح الكبار.

لكن حكاية "شعشبون" ليست الوحيدة في جعبة محمد، فهو يعمل كحكواتي منذ أكثر من عشر سنوات، بعد أن ترعرع على سماع قصص جده الصياد، الذي كان يجمع أحبابه ويروي مغامراته في البحر بأسلوب مشوّق. يقول محمد: "جزء كبير من هويتي الحكواتية ورثته عن جدي.. كان يروي القصة باللهجة اليافوية ويشدّ الناس لسماع كل التفاصيل".

أتقن محمد لغة الإشارة منذ سنوات، وحصل فيها على المستوى الأعلى. وقد ترجم بها عددًا من الأعمال لمؤسسة "تامر" المعنية بالتعليم المجتمعي، من أبرزها ألبوم "فهيم" الغنائي الموجَّه للأطفال. هذه الخلفية جعلته يشعر بمسؤولية مضاعفة تجاه الأطفال الصم خلال الحرب.

"الحكاية ليست سردًا فقط.. بل قيمة ورسالة. وفي مثل هذه الظروف تصبح الحكاية حاجة نفسية، بل أكثر أهمية من أي وقت مضى".

قبل الحرب، كان محمد يرتدي زيه المميز ويجوب المناطق بعروضه، لكنه اليوم يتنقل بين مخيمات النزوح، يحمل في قلبه القصص وقطعة قماش ملونة كزي بديل. نزح إلى دير البلح، وهناك أعاد الحياة إلى حكاياته من خلال فريق "مساحات آمنة"، حيث قدّم قصة "بطريق أضاع الطريق"، وهي محاولة ذكية لإعادة تعريف الأطفال بعنوانهم الجديد المؤقت، ومساعدتهم على تذكّر طريق العودة.

يقول محمد: "الحكاية ليست سردًا فقط.. بل قيمة ورسالة. وفي مثل هذه الظروف تصبح الحكاية حاجة نفسية، بل أكثر أهمية من أي وقت مضى".

في محطة مهمة من مسيرته خلال الحرب، شارك محمد في مبادرة "طبيب الموسيقى"، التي أطلقتها أيضًا مؤسسة "إنقاذ المستقبل الشبابي"، وتعد تجربة علاجية فريدة تمزج بين الفن والطب، من خلال استخدام الموسيقى والعروض الفنية كوسيلة دعم نفسي للأطفال المرضى.

يقول محمد "إن الفريق قدّم خلال هذه المبادرة عروضًا قصصية مغنّاة بأغانٍ تراثية محببة مثل "تك تك يا أم سليمان" و"شبرة قمرة"، مباشرة داخل المستشفى وأمام الأطفال من مرضى غسيل الكلى وغيرهم؛ ليمنحهم فسحة أمل وفرح في ظل قسوة الواقع الطبي والإنساني".

كاريكاتـــــير