شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 24 سبتمبر 2025م22:36 بتوقيت القدس

هنا "المواصي".. حيث لا موطئ لقدم ولا متسع لخيمة!

24 سبتمبر 2025 - 08:30

غزة/ شبكة نوى – فلسطينيات:

"هنا لا أماكن ولا أمان"، بهذه الكلمات التي تختصر رحلة نزوحٍ لا تنتهي، يصف محمود عاشور (41 عامًا) واقعه المرير بعدما أُجبر مع أسرته المكوّنة من تسعة أفراد على ترك منزله في شمالي القطاع، ليستقر أخيرًا بخيمة مهترئة عند حافة البحر في المواصي غربي مدينة خان يونس جنوبًا.

لم يجد عاشور مساحة يمدّ فوقها قماش الخيمة، فافترش الأرض ليلتين مع أسرته، يلتحفون السماء وينتظرون أن تتسع لهم رقعة! يسأل بمرارة: "أين هي المرافق الإنسانية التي يتحدث عنها الاحتلال في المواصي؟ أين الأمان الذي يزعم أنه يوفره لنا؟".

الشتاء على الأبواب، والمطر المرتقب لا يعني سوى فيضانات داخل الخيمة الممزقة، تلك التي رافقت العائلة منذ نزوحها الأول من بيت حانون في اليوم الأول للحرب، في السابع من أكتوبر 2023م. رحلة نزوحٍ تتكرر مع كل قصف، لتتحول الخيام إلى محطات عذاب متجددة.

المواصي لم تكن جاهزة لاحتضان أحد، ومع ذلك حُشر فيها مئات الآلاف من النازحين، حتى غدت مساحة ضيقة مكتظة بالخيام المتلاصقة. أكثر من 800 ألف نازح من خان يونس والبلدات الشرقية، ونحو 280 ألفًا من رفح المدمرة، تكدسوا في هذا الشريط الساحلي الضيق، ليجدوا أنفسهم في معركة يومية مع العطش والجوع والمرض.

يقول عاشور: "هذه ليست حياة، بل صراع من أجل البقاء". لا مياه للشرب إلا بعد طوابير طويلة تنتهي أحيانًا قبل أن يصل دوره. زوجته "أم أحمد" بدورها تفقد حتى أبسط معاني الخصوصية في خيمة ملتصقة بأخرى، تقول: "حتى الدخول إلى الحمام بات مهمة شاقة ومعقدة".

بالنسبة لها، ما تعيشه اليوم هو الأسوأ بين تجاربها المتكررة في حياة الخيام: "هذه بيئة خصبة للأمراض، لا تصلح للبشر".

أكثر من 800 ألف نازح من خان يونس، ونحو 280 ألفًا من رفح، تكدسوا في هذا الشريط الساحلي الضيق، ليجدوا أنفسهم في معركة يومية مع العطش والجوع والمرض.

وفي قصة أخرى تتشابه تفاصيلها وإن اختلفت الوجوه، يروي أسعد أبو عمشة (46 عامًا) حكاية نزوحه المستمر منذ بدايات الحرب. خسر منزله المكوّن من ثلاثة طوابق في بيت لاهيا شمالًا، بعد أن عاد إليه عقب تهدئة قصيرة، ليجده كومة من الركام. تنقّل بين رفح والميناء وغزة والمواصي، يجر خيمته وأطفاله معه في رحلة لا نهاية لها.

يقول: "حياتنا طوابير طويلة من المعاناة اليومية: طوابير الماء، طوابير الخبز، طوابير لشحن الهاتف، وحتى إشعال النار تقف من أجلها بين طوابير الباحثين عن حطب".

كل صباح يخرج أبو عمشة بحثًا عن بقايا خشب ليعد طعامًا بسيطًا لأطفاله، ثم يقف بالساعات منتظرًا صهريج مياه قد لا يكفي الجميع. وإن فاته الدور، يضطر لشراء غالون ماء بخمسة شواكل. "الأشياء التي كانت بديهية قبل الحرب، صارت معقدة وتحتاج لجهد ومال"، يقولها بمرارة.

تحولت المواصي، التي كانت يومًا أرضًا زراعية هادئة، إلى مساحة من الخيام الممتدة على طول تسعة كيلومترات بمحاذاة البحر. مساحة لا تتجاوز ثلث محافظة خان يونس، لكنها تحتضن اليوم ما يزيد على 900 ألف إنسان يبحثون عن شربة ماء أو مساحة هواء.

يقول المتحدث باسم بلدية خان يونس، صائب اللقان: "إن المنطقة كانت تفتقر أصلًا إلى البنية التحتية؛ لا طرق معبدة، لا شبكات صرف صحي، ولا شبكات مياه كافية. كانت صالحة للزراعة لا للسكن، أما اليوم فهي مركز كارثة إنسانية".

الاحتلال قصف المواصي أكثر من 109 مرات، ما أدى لاستشهاد أكثر من 2000 مدني، بينهم نساء وأطفال. لا مستشفيات هنا، ولا مقومات للحياة.

وفي ظل هذا الاكتظاظ، يصف مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، سياسة الاحتلال بأنها "تهجير قسري وإبادة جماعية مقنّعة بادعاءات زائفة".

ويؤكد أن الاحتلال قصف المواصي أكثر من 109 مرات، ما أدى لاستشهاد أكثر من 2000 مدني، بينهم نساء وأطفال. يتساءل: "أي أمان هذا الذي يتحدثون عنه، إذا كانت كل هذه الأرواح قد أزهقت في منطقة يزعمون أنها آمنة؟".

لا مستشفيات هنا، ولا مقومات للحياة. الجوع، العطش، المرض، والقصف، كلها تحاصر مئات آلاف النازحين في رقعة لا تصلح للعيش. وفي النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: كيف يمكن للإنسان أن يظل حيًا في مكان لا يعترف بإنسانيته؟

كاريكاتـــــير