غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
داخل صيدلية "تل السلطان" المقامة على أرض مواصى خانيونس، تتبادل المبادرة الغزية هبة أبو جزر أطراف الحديث مع سيدة جاءت تطلب على استحياء دواءً تحت بند "الدين".
سرعان ما اختلفت ملامح السيدة، عندما فاجأتها أبو جزر، بأن دواءها هذا، وكل الأدوية التي سُجلت على اسمها بالدين للصيدلية، تم تسديده.
هذه السيدة واحدة من بين مئات الغزّيين، الذين شملتهم مبادرة "فكاك دين الغارمين المرضى"، في الصيدليات المترامية داخل مخيمات النازحين بقطاع غزة، حيث تبلغت قيمة المبالغ التي سددت من خلالها 300 ألف شيقل.
أمام مرأى أعين المستفيدين من المبادرة، تشطب أبو جزر ما سجل عليهم داخل "دفتر الدين".
دواء لمريضة سرطان وصلت قيمته لألف شيقل، و دين أب اشترى دواء لطفله صاحب المرض المزمن، ودين لشهيد عجز أهله عن سداد دينه، وغير ذلك حالات كثيرة، نجت من مشنقة "الدين" التي تحاصر العقول والقلوب أيضًا.
"كنت خايفة أموت وعلي دين للصيدلية"، لن تنسى هبة طيلة حياتها الصوت المرتجف الذي قال الجملة السابقة. كانت سيدة من المريضات اللواتي تراكم عليهن الدين للصيدلية، قالتها بفرحةٍ عارمة بعد أن أخبرتها بأن دينها على الصيدلية قد قُضي.
وتُحدثنا أبو جزر التي كانت تعمل محاضِرة في الكلية الجامعية بغزة، قبل اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023م، أنه مع بدء دفع المتبرعين لغزة زكاة أموالهم في شهر رمضان المبارك، فكرت في استهداف فئة المرضى المهمشة والكبيرة، "ممن يستدينون من الصيدليات ولا يستطيعون السداد".
بدأت أبو جزر بتحديد المخيمات التي يمكن أن تمضي فيها المبادرة، لما تعلمه من حال النازحين السيء فيها، "حيث يعيش المرضى وضعًا مأساويًا بسبب انهيار المنظومة الصحية في غزة، وانتشار الفقر الذي حال دون القدرة على شراء الأدوية"، ثم بدأت بحصر أعداد المرضى، والتواصل مع الحالات الأكثر استحقاقًا للاستفادة.
وتكمل: "أغلب الأدوية غير متوفرة في المؤسسات الحكومية والإغاثية الأهلية، لذا يلجأ الناس للاستدانة من الصيدليات الخاصة، بحثًا عن علاجات اضطرارية لإنقاذ الحياة، لأولادهم وآبائهم من كبار السن، ولأصحاب الأمراض المزمنة".
حاول الأطباء الصيادلة التأقلم مع ما فرضته عليهم الحرب في غزة، وبعد أن فقد العديد منهم صيدلياتهم، أقاموا داخل المخيمات التي نزحوا إليها صيدليات صغيرة مؤقتة بنيت من شوادر النايلون أو الزينقو. مع ذلك، لم يتوانى العديد منهم عن فعل الخير، وأقبلوا على بيع الأدوية بالدفع المؤجل وفق أبو جزر.
وأشارت إلى أن بعض الصيادلة، كانوا يسقطون -بشكل شخصي- مبالغ مساوية للمبالغ التي تكفلت بها المبادرة عن مرضى آخرين يعلمون أحوالهم الصعبة، مردفةً: "اكتشفنا أن المبادرة لم تساعد المرضى وحسب، بس أسندت الصيادلة أيضًا، الذين تضررت صيدلياتهم وبيوتهم وحالهم حال أهل غزة".
وتكمل: "الكثير من الصيدليات على وشك الإغلاق، وقد ازدادت أزمة أصحابها مع تفاقم أزمة السيولة التي حرمت بعضهم من تزويد صيدلياتهم بالأدوية والمستلزمات الطيبة".
ويعاني أصحاب الأمراض المزمنة وغير المزمنة الأمرّين في قطاع غزة، فمنذ بدأت الحرب تعمّدت دولة الاحتلال بشكل واضح منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية.
وأطلقت وزارة الصحة في غزة استغاثة جديدة طالبت فيها بتوفير الأدوية والمستهلكات الطبية، وحذّرت من انهيار وشيك للقطاع الصحي في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الطبية.
وبلغت نسبة العجز في الأدوية والمستهلكات الطبية، مستويات خطيرة وغير مسبوقة، حيث نفدت 37% من قائمة الأدوية الأساسية، و59% من المستهلكات الطبية بالكامل.
في حين أن 597 صنفًا من المستلزمات الطبية رصيدها صفر، بنسبة عجز وصلت 59%، ووصل رصيد الأدوية الصفرية من مجمل أدوية الرعاية الصحية الأولية إلى 40%، و25% من أدوية الكلى والغسيل الدموي، و24% من أدوية الصحة النفسية والأعصاب، و23% من مجمل أدوية الجراحة والعمليات والعناية الفائقة.
وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة، الدكتور منير البرش في تصريحات صحفية سابقة، إن "الكثير من المستهلكات الطبية عدد أصنافها صفر، حيث وصلت نسبة العجز في مستهلكات القسطرة القلبية والقلب المفتوح إلى 99%، و87% من المستلزمات الخاصة بجراحة العظام باتت مفقودة، بالإضافة لـ 73% من المتعلقة بالعيون، و45% من المخصصة للكلى والغسيل الدموي، و27% من المخصصة للجراحة والعمليات والعناية الفائقة، و15% من المخصصة للطوارئ، و10% للأسنان".