شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 27 سبتمبر 2025م02:36 بتوقيت القدس

إليكم حكاية معالي وافي..

"كفيفٌ" يزرع لإطعام "غزة": "لا تخذلنا الأرض"!

16 مارس 2025 - 10:14
المزارع معالي وافي
المزارع معالي وافي

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

حافي القدمين مطمئنًا لتربته التي لم تخذله يومًا، يمشى معالي وافي، المولود عام 1973م، وهو من ذوي الإعاقة البصرية متحسسًا طريقه، واثق الخطى بين زرعه المهندم داخل دفيئته الزراعية.

على مساحة تقارب أربعة دونمات، يزرع معالي الملوخية والسبانخ والخيار والفلفل، منذ أعوامٍ طويلة، ولم توقفه الحرب، التي نالت من أراضي المزارعين جميعًا، رغم مخاطر الاستهداف التي كانت تحدق به في كل لحظة، "لكنه اليقين بالعمل الإنساني الذي أقدمه، وبأن الله هو الذي يقرر نهاية عمر الإنسان، ولا أحد غيره" يقول لـ"نوى".

أصر معالي الذي أجبر على النزوح من بيته داخل مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، على السكن داخل أرضه خلال الحرب؛ بهدف حماية أسرته الصغيرة، واستكمال زراعتها لمواجهة المجاعة التي فرضها الحصار الإسرائيلي على سكان غزة، طيلة عامٍ ونصف.

ومنذ بداية عمله في الأرض، قبل الإبادة بكثير، كان كل من يمر على أرض معالي، يتعجب خبرته، وهمته العالية التي يفتقدها الكثير من المزارعين المبصرين، "وازداد عجبهم خلال الحرب، حيث مضيت في رعاية أشتالي، في الوقت الذي أصبح فيه العمل الزراعي شبه معدوم" يزيد.

ووفق وصف شريكه في العمل "عبد السلام"، فإن معالي "يموت على الشغل"، ومنذ الصغر، أدرك جميع أفراد عائلته، وغالبيتهم مزارعين، أنه الوريث الأكثر همة لوالده "فضل".

يزيد: "أحب الزراعة طفلًا، ولم يكن ينصاع لنصح المحيطين به حول صعوبة العمل عليه، كان يفرض إصراره على من حوله، ويتعلم أصول الفلاحة بحذافيرها، حتى بات يعرف شكل المحصول باللمس".

يحرث معالي أرضه، ويزرعها، ويعشبها، ويحصدها، هذه الصلابة كانت حاضرة خلال حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023م.

يطيل معالي النظر في محيط دونماته الأربعة، ويتابع: "خلال الحرب، أحيانًا كان ما ييجي النا نفس نزرع.. كنا مدمرين، وعانينا من شح الأدوات الزراعية والبذور، وحرمتنا الأسعار الخيالية من تخزين المواد اللازمة للاستمرار، واضطرينا نتداين"، مستدركًا: "لكن حاولت قدر المستطاع أحافظ على مصدر رزقي، عالأقل علشان أسدد ديوني".

تقع أرض الرجل الأربعيني، غربي خانيونس، هذه المنطقة التي تعرف باسم "المواصى"، أعلنها الاحتلال منذ بدء الإبادة "آمنة"، رغم ما شهدته من قصف واستهدافات عنيفة لم يسلم منها أحد.

"لأكثر من مرة، اقتربت الدبابات وحمم قذائفها من أرضي التي سكنت فيها بعد نزوحي من بيتي شرقي المدينة، هربنا وتركنا كل شيء تحت أزيز الطائرات مرارًا، وكلما عدت وجدت الضرر الذي طالها أكثر من ذي قبل، فأبدأ من جديد".

يحكي: "لأكثر من مرة، اقتربت الدبابات وحمم قذائفها من أرضي التي سكنت فيها بعد نزوحي من بيتي شرقي المدينة، هربنا وتركنا كل شيء تحت أزيز الطائرات مرارًا، لكنني كنت أعود بعد كل عملية عسكرية، وأتفقد الدفيئات بلهفة، أجدها تضررت بطبيعة الحال، وأحيانًا كثيرة أجد المزروعات وقد تلفت بسبب توقف سقياها لأيام، فأعجل بإصلاح ما يمكن إصلاحه؛ لضمان إحياء القابل منها للعيش، وأتخلص من النبات الميت".

وتلقى معالي مساعدة خارجية، قدمتها مؤسسة الإغاثة الزراعية الفلسطينية (PARC)، "وكانت عبارة عن سماد عضوي واديجان (تعقيم)، وقد ساهم ذلك نوعًا ما في دعم العملية الزراعية، ودعمي أنا بشكل معنوي" يعقب.

يُظهر تقييم جغرافي أجرته منظمة "الفاو"، ومركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، بين أكتوبر وديسمبر عام 2024م، دمار وتضرر 75% من حقول المحاصيل، وبساتين أشجار الزيتون.

وبشكل غير مسبوق، نالت الجرائم الإسرائيلية خلال الحرب من  القطاع الزراعي، الذي تشكل أراضيه ما مساحته 41 % من إجمالي مساحة قطاع غزة، إذ لم تتوانَ قوات الاحتلال خلال الحرب، عن تدمير الأراضي الزراعية بشكل ممهنج.

ويُظهر تقييم جغرافي أجرته منظمة "الفاو"، ومركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، بين أكتوبر وديسمبر عام 2024م، دمار وتضرر 75% من حقول المحاصيل، وبساتين أشجار الزيتون، فيما لحق الدمار شبه الكامل بالأصول الزراعية، بما في ذلك أنظمة الري والآلات ومرافق تخزين المواد الزراعية.

وبرغم وجود أرض معالي الزراعية بمنطقة مواصي خانيونس، التي يفترض أنها كانت بعيدة عن مركز عمليات الاحتلال البرية، إلا أن الزراعة فيها كانت خطرة في كثير من الأوقات. يخبرنا: "مشهد دفيئاتي الزراعية بعد كل عملية دخول بري قريب من المنطقة كان كفيلًا بإحباطي للأبد. ذبول المزروعات، وتحطيم واستهداف الآلات، وبلاستيك "الحمامات الزراعية".

خلال الحرب وبعدها، أكثر ما ينغص على معالي في زراعة أرضه، عملية استخراج مياه الري من البئر الخاص به وبإخوته، إذ كانوا يعتمدون على الطاقة الكهربائية قبل الحرب في ري المزروعات، واليوم عليهم الاستعانة بجيرانهم من المزارعين، الذين يعتمدون على الطاقة الشمسية في استخراج المياه.

على كتف معالي المنهكة، تلهو الصغيرة فداء (عامين ونصف)، وتعلو وجهها سعادة غامرة كلما أمسك والدها بيديها الصغيرتين وأرجحهما بيديه. يزيد: "هذه الصغيرة هي دافعي الجديد كي أواصل العمل.. من أجلها وأجل مستقبلها أيضًا".

يأمل معالي اليوم أن تستقر الأمور في قطاع غزة، فتُفتح المعابر وتعود للناس حياتها الطبيعية، "وأعود أنا لزراعة أرضي بشكل طبيعي. أعود لزراعة أصناف متنوعة، وأحصد كميات كبيرة، وأسدد ديوني. أن يتم تعويضنا نحن المزارعين عن كل ما خسرناه، وأن تبقى غزة بخير" يختم.

كاريكاتـــــير