شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 27 سبتمبر 2025م02:38 بتوقيت القدس

كان حلهم الوحيد لتقديم المساعدة خلال الإبادة

مغتربون يعوّضون "البُعد" برعاية جرحى "غزة"!

04 مارس 2025 - 14:01

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

خلال الحرب على قطاع غزة، كانت أسعد لحظات مؤيد وشاح (33 عامًا)، استقبال مجموعة من الجرحى الفلسطينيين في مطار Houston، برفقة أمريكيين وأفراد من جاليات فلسطينية وعربية.

كان الشيء الذي تمكن مؤيد من فعله ليتغلب على شعوره بالعجز إزاء ما كان يحدث في الإبادة، مساعدة صديقه أحمد، الذي تعرض برفقة عائلته لحروق خطيرة، نتيجة قصفٍ إسرائيليٍ طال منزلهم فجأة، فاستشهدت زوجته على إثره في غزة، وابنته خلال علاجها في الأردن.

ناشد مؤيد، برغم خوفه الشديد على أهله، لإخراج عائلة صديقه المصابة من غزة، ونشر صوته بقوة، حتى قررت إحدى الجمعيات الأمريكية علاجه في أمريكا. وصل وحيدًا بلا زوجة ولا ابنة، وهنا "لم أستطع مواساته ولا بكلمة" يقول لـ"نوى".

مؤيد، هو ابن مدينة غزة، ويعيش في تكساس منذ 6 سنوات، في حين عاد من زيارةٍ عائلية لمدينته التي يعشق قبل اندلاع الحرب بأربعة أيامٍ فقط، لينخرط بعدها بدوامة قلق وتفكير وشعور بالعجز، إزاء كل الدموع التي ذُرفت، وكل الدماء التي أريقت بنيران الصواريخ والمدفعية.

يقول: "صعقت بخبر الحرب. عجلت الاتصال بأهلي، وبدأت رحلة شاقة من المتابعة والخوف. ظل خوفي من فقدان أهلي يلاحقني طوال الوقت، أفتح عيني فأنظر في الأخبار على هاتفي، وأغمضها وأنا أتنقل بين المواقع الإخبارية".

فيما بعد، عمل مؤيد مع مجموعة من المتطوعين لتسهيل عملية توزيع الجرحى الفلسطينيين على المستشفيات الأميركية، وإسكانهم ومصاحبتهم في أماكن الخدمات، لكنه كان يسجل كل وجعٍ يراه في ذاكرة قهره على حال شعبه وأهله هناك.

يقول: "لا أنسى اللحظات الأولى التي حاول فيها الطبيب التغيير على جرح الطفلة ميار أو جلمبو (12 عامًا)، حيث صرخت ورفضت اقتراب الطبيب، وكل هذا بسبب الألم الذي عاشته بعد الإصابة والعلاج الذي خضعت له في غزة بدون بنج، أو مسكنات".

وحرم "البعد" المغتربين من مواساة أهلهم وأحبابهم وجهًا لوجه، لكنهم اقتسموا معهم معاناة القلق والخوف والترقب، وحتى الجوع أحيانًا عندما منعتهم نفسياتهم المدمرة عن الطعام أيامًا طوال.

رغم ذلك، بحث المغتربون عن سبل عديدة، تمكنهم من تأدية واجبهم الوطني، ومساعدة من يستطيعون مساعدته خلال العدوان، ومن بين ذلك احتضان الجرحى الذين تمكنوا من الخروج للعلاج.

وجع كبير

وفي اللحظات الأولى لوصوله مصر، عجل مراسل التلفزيون الصيني الرسمي أنس النجار لزيارة زميله الصحفي فادي الوحيدي، الذي أصيب إصابة بالغة خلال تغطيته للحرب في مخيم جباليا، وظل زملاؤه يستنجدون لشهور من أجل إخراجه للعلاج خارج غزة.

وقف أنس عند رأس فادي المصاب بالشلل يسمعه بلهفة وهو يحكي عن حاله وحال غزة، في حين لم تكن هذه مبادرته الأولى في مؤازرة جرحى غزة، فمنذ أكثر من عام، كرس أنس جهده الذاتي لخدمة الجرحى والمرضى، من أجل إرضاء مشاعره بدرجة أولى.

"هدفي أن أشعر الجريح أنه ليس وحده وأنه يوجد له هنا أهل وأخوة مستعدون لخدمته والوقوف بجانبه، فالدعم المعنوى له أثر كبير في نفسية الجريح او المريض".

يقول أنس: "هدفي أن أشعر الجريح أنه ليس وحده وأنه يوجد له هنا أهل وأخوة مستعدون لخدمته والوقوف بجانبه، فالدعم المعنوى له أثر كبير في نفسية الجريح او المريض".

عند رؤيته لجريح أو مريض جاء من غزة، تنتاب أنس مشاعر متضاربة، لوهلة يشعر بالفرح أنه يتواجد مع أحد من "ريحة البلاد"، ثم يصيبه شعور مؤلم، ويتساءل: "لماذا ارتكبت كل تلك المجازر بحق الأبرياء؟".

أكثر ما يحزن أنس هو مصادفته سيدة خرجت للعلاج دون أطفالها، أو طفلًا خرج دون والديه، وعن حال هؤلاء يقول: "يحزنني حالهم كثيرًا. يحاول الجميع دعمهم لكن تبقي الغصة كبيرة في قلوبهم".

"كان الطفل يظن أنني من أقدم له الخدمات وأساعده، لكن الحقيقة أنه هو من ساعدني على إرضاء نفسي، ولو قليلًا، إرضاء رغبتي في المساعدة بأي شيء".

قبل بضع شهور، كان الشاب يوسف (٢٧ عاما) يتصفح موقع "تويتر" ويتلمس بالتحديد أخبار قطاع غزة التي باتت تؤرقه ليل نهار، وبينما هو كذلك باغتته "تويته" (تغريدة)، تتضمن استغاثة من شاب غزى يطلب مرافقة أخيه في إحدى مشافي عمان.

يخبرنا يوسف المقيم في الـأردن (واكتفى بذكر اسمه الأول)، إنه عجل بالتواصل مع الشاب لأخذ عنوان تواجد الطفل الذي أجلي من غزة عبر منظمة الصحة العالمية دون مرافق، وذهب بسرعة إلى المستسفى.

 ويضيف : "برغم توافر الخدمات العلاجية والمادية للطفل، إلا انه كان بحاجة ماسة للونس، وبالفعل رافقته في فسح قصيرة وإلى الفندق حسب ما سمح به وضعه الصحي".

يتابع يوسف بمشاعر فياضة : "كان الطفل يظن أنني من أقدم له الخدمات وأساعده، لكن الحقيقة أنه هو من ساعدني على إرضاء نفسي، ولو قليلًا، إرضاء رغبتي في المساعدة بأي شيء"، يصمت قليلًا ثم يزيد: "شعرت أني أقدم شيئًا وسط هذه الإبادة".

كاريكاتـــــير