شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 01 مايو 2024م01:51 بتوقيت القدس

نازحون إلى "الموت والدمار" في جنوب قطاع غزة

30 اكتوبر 2023 - 10:12
احلام حماد

شبكة نوى، فلسطينيات: لم يدر في خلد بهاء الكحلوت وهو يصطحب أسرته من شمال قطاع غزة إلى أقصى جنوبه في مدينة رفح على الحدود مع مصر، أنه يذهب بطفله الرضيع "حمود" إلى قدره، حيث خطفت غارة جوية "غادرة" روحه، وفتكت بجسده الغض، تحت أنقاض منزل أوت إليه أسرة الكحلوت، طلباً لأمن مفقود في القطاع الساحلي الصغير، الذي يتعرض للأسبوع الرابع على التوالي، لعدوان إسرائيلي دام ومدمر. إثر إنذارات لجيش الاحتلال تفوح منها روائح القتل والدمار لسكان مدينة غزة وشمالها، بإخلاء منازلهم والنزوح إلى مدن جنوب وادي غزة، وبدافع إنساني من الخشية على حياة أفراد أسرته، نزح بهاء بهم إلى مدينة رفح، وأوى إلى منزل صديقه محمد الشقاقي في حي الجنينة بالمدينة، مثله في ذلك مثل آلاف الأسر التي نزحت تحت ضغط الإرهاب الإسرائيلي، ولجأت إلى منازل أقارب وأصدقاء، وإلى مراكز إيواء تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). مرت أيام قليلة على بهاء وأسرته في مدينة رفح، لم تتوقف خلالها الغارات الجوية التي تحمل معها الموت والدمار من طائرات تلقي بحمم نيرانها على منازل مأهولة وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، لتدحض "أكذوبة" دولة الاحتلال عن "الأمن" في مناطق جنوب القطاع، التي شهدت ما بعد انذار النزوح مجازر دموية راح ضحيتها مئات الشهداء وأعداد مضاعفة عن ذلك من الجرحى. كانت أسرة بهاء ضحية واحدة من هذه المجازر، عندما أسقطت طائرة حربية غادرة صاروخاً ثقيلاً على منزل لعائلة الخطيب مجاور لمنزل الشقاقي، وحولت طوابقه الثلاثة إلى كومة كبيرة من الركام، والحجارة المتناثرة في أرجاء المكان، وطالت دائرة الدمار الناجمة عن قوة الانفجار عدداً كبيراً من المنازل المجاورة، كان من بينها منزل الشقاقي، الذي انهارت جدرانه فوق رؤوس أصحابه والنازحين إليه، فارتقى الطفل "حمود الكحلوت" شهيداً، برفقة 5 آخرين من المنزل المستهدف والمنازل المجاورة وأحد المارة، وأصيبت آخرون بجروح متفاوتة. ويقول صديق بهاء، محمد الشقاقي لـ "نوى": إن صديقه بهاء لجأ إليه بأسرته من شمال القطاع، طلباً للأمن، بعد التهديدات الإسرائيلية لسكان تلك المناطق، ولم يكن يعلم أنه سيحفر لطفله حمود قبراً في رفح. وإثر هذه الجريمة التي فطرت قلب بهاء وأفراد أسرته، لم يحتمل البقاء في رفح وتوجه بأسرته إلى مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع، وهو ليس أفضل حالاً من رفح، وشهد مجازر عدة استهدفت مدنيين داخل منازلهم، ومتسوقين في سوقه المركزي، وآخرها غارة جوية دمرت، الليلة الماضية، مسجداً وعدداً من المنازل السكنية المجاورة. ويقول الشقاقي إن الأيام القليلة التي حل فيها الكحلوت وأسرته ضيوفاً لديه في رفح، لم تحمل معها أي ملامح للأمن، وكانت فيها رفح كغيرها من مناطق جنوب القطاع (خان يونس ومدن ومخيمات المحافظة الوسطى)، مسرحاً للكثير من الجرائم والمجازر، وضاعفت من معاناة آلاف النازحين. ومع الساعات الأولى التي أعقبت الإنذار الإسرائيلي لسكان شمال القطاع بالنزوح، في الثالث عشر من أكتوبر الجاري، نزحت دينا أبو شعبان وأسرتها المكونة من أربعة أفراد من منزلها في حي الرمال بمدينة غزة إلى مدينة خان يونس، لتكتشف أن "لا مكان آمن في غزة، وكل متر فيها معرض في كل لحظة للقصف والقتل والتدمير". وتقيم دينا مع زوجها وابنتيها بتول (20 عاماً) وبيسان (19 عاماً) في شقة لأحد أقاربها، وتتشارك في هذه المساحة الصغيرة مع 5 أسر أخرى، ولا تتوفر فيها الكهرباء والمياه والخدمات الحيوية الأخرى، كغاز الطهي والانترنت. وهذه هي المرة الأولى لدينا وأسرتها، التي تخوض فيها تجربة النزوح والبعد عن منزلها، وتقول لـ "نوى": "دون تفكير هذه أقسى تجربة أمر بها في حياتي، بكل ما تحمله من مخاطر ومواقف قاسية ومؤلمة .. نعيش لحظات رعب وكأننا ننتظر دورنا على قوائم الموت والدمار، وقد سبقنا لنا أقارب وأحبة". ولم تكن حكاية هنا عليوة مغايرة عن دينا وأسرتها، إذ نزحت مع زوجها وأطفالها الثلاثة من منزلها في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة، إلى مدينة رفح، واستقر بها المقام في شقة صغيرة في مخيم الشابورة للاجئين، أحد أكثر المخيمات اكتظاظاً بالسكان في المدينة. تقيم هنا وأسرتها و5 أسر أخرى من أشقاء وعائلة زوجها (35 فرداً) في هذه الشقة الصغيرة، وتقول لـ "نوى": إن هذه تجربتها الأولى في النزوح وفي تجربة العيش في مخيم للاجئين، استعادت معها حكايات الأجداد عن نكبة العام 1948، وتابعت: "كنا نسمع عن مآسي الهجرة والتشريد التي تعرض إليها جيل النكبة، والآن نحاكي بأنفسنا جزءاً منها". وتقول هنا التي تتولى وزوجها يومياً مسؤولية توفير مستلزمات الأسر الست، "نتعامل مع الواقع الجديد بإدارة لحظية وبخطة طارئة، ووفق المتاح، ونتجنب إلى حد كبير الطبخ والمشروبات الساخنة التي تحتاج غاز الطهي". ونفد الوقود بأنواعه، بما في ذلك الغاز المنزلي (غاز الطهي)، من القطاع، حيث تفرض إسرائيل حصاراً مطبقاً وقيوداً مشددة وتمنع منذ السابع من الشهر الجاري دخول أي كمية من الوقود، وسط تحذيرات لمؤسسات محلية ودولية من تجاه القطاع نحو "كارثة محققة". وتقضي هنا وزوجها النهار في مهام شاقة لتدبر الاحتياجات الأساسية من طعام ومياه، وتقول: "عندما يأتي الليل يجلب معه الكثير من الخوف والرعب، حيث يشتد القصف والغارات الليلية، التي تجعل الأمل في نهار جديد أسمى ما نتمنى لأطفالنا". وباتت تفاصيل يومية صغيرة وروتينية بمثابة "مهام معقدة وشبه مستحيلة"، كشحن الهواتف النقالة، أو العثور على مكان تتوفر به خدمة الانترنت، أو توفير مياه الشرب وكذلك المياه اللازمة للنظافة والاستخدام المنزلي، ووسط هذا الحجم من الألم والمعاناة، تعتبر هنا وأفراد أسرتها من المحظوظين لمجاورتهم منزلاً تتوفر به كهرباء عبر الخلايا الشمسية، يلجؤون إليه لشحن هواتفهم النقالة، وبطارية صغيرة تستخدم لإضاءة المنزل خلال ساعات الليلة الحالكة. وإذا كان هذا هو حال النازحين في منازل الأقارب والأصدقاء، فإن المعاناة أعمق وأشد لدى مئات آلاف النازحين الذين ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، ولم يكن لهم ملجأ سوى مراكز الإيواء في مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تقدر الوكالة الأممية أعدادهم أكثر من 600 ألف، جلهم من النساء والأطفال وكبار السن، يفتقدون أبسط مقومات الحياة الأساسية، كما يفتقدون للأمن، وقد لاحقتهم صواريخ الاحتلال، وأوقعت في أوساطهم شهداء وجرحى.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير