شبكة نوى، فلسطينيات: أحلام حماد غزة –نوى/فلسطينيات
يتنقل عائد وثلة من أصدقائه بين المنازل المستهدفة بالقتل والتدمير في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، كمتطوعين يساندون طواقم الإسعاف والدفاع المدني، في مهام انتشال الضحايا -شهداء وجرحى- من تحت الركام والأنقاض. بكل همًة وعزيمة ينبش "فدائيو هذه المهمة الإنسانية" كعائد وأصدقائه من المتطوعين، بين الأنقاض، ويسابقون الزمن في إزالة الحجارة من المنزل المستهدف، الذي تحوله غارات جوية إسرائيلية في "طرفة عين" إلى كومة هائلة من الركام، والذكريات المتناثرة. فوق واحد من منازل كثيرة تعرضت للقصف والتدمير في مدينة رفح، وقف عائد جبر على أطلالها يزيل الحجارة ويلقي بها من خلفه، ويستغل كل ثغرة يمكنه أن يدفع برأسه من خلالها، ليصرخ بأعلى صوته منادياً على أناس تحت الأنقاض يجهل أسماءهم، وقد لا يكون شاهدهم من قبل: "في حدا عايش؟، أي هل هناك من أحد لا يزال على قيد الحياة. يثير عائد بهمته العالية في إزالة الركام، والعرق يتصبب منه، إعجاب حشود من الناس، يتجمهرون حول المنزل المستهدف، كما هي عادة الغزيين، والكل منهم يقدم ما يمكنه من مساعدة، يحذوهم الأمل أن ينجحوا في انتشال أحياء من منازل حولتها الغارات إلى "قبور مؤقتة" بتدميرها فوق رؤوس ساكنيها من دون سابق انذار، والمعجزة تحدث نادراً أن يخرج أحياء من هذه المنازل من دون أن تلحق بهم إصابة، قد تبقي أثرها على أجسادهم لبقية حياتهم. وفي وقت ترتكب فيه آلات القتل والدمار من طائرات حربية ومدفعية وبوارج، جرائم مروعة راح ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء، جلهم من النساء والأطفال، كانت فرحة عائد عارمة بنجاحه في انقاذ "قطة" من تحت ركام منزل لعائلة الخواجا مكون من أربعة طوابق في مخيم الشابورة للاجئين في مدينة رفح، وقد دمرته غارات جوية إسرائيلية، الأسبوع الماضي، واستشهد 13 من ساكنيه وأصيبت البقية بجروح متفاوتة. ويقول عائد لـ "نوى": "نحن دعاة حب وسلام، وهم (الاحتلال الإسرائيلي) مجرمو حرب يدمنون القتل والتدمير"، وعن اندفاعه للتطوع في انقاذ ضحايا المنازل المستهدفة بالغارات الجوية، يتابع هذا الشاب الثلاثيني: "نحن أبناء شعب واحد، ولا أحد يعلم متى سيكون تحت الأنقاض وينتظر بلهفة من ينتشله أو يقدم له العون والمساعدة". ويرافق وجيه أبو جزر صديقه عائد في المهام الإنسانية التطوعية، وكان إلى جواره كتفاً بكتف، يساندون فرق الإسعاف والدفاع المدني في جهود انتشال ضحايا عائلة الخواجا، غير أن لوجيه حكاية خاصة تربطه بأحد الضحايا تحت الأنقاض وهو صديقه محمد البلبيسي، الذي كان يمني نفسه أن يتمكن من الوصول إليه وانتشاله حياً، ويقول لـ "نوى": "لن أنسى تلك اللحظة التي أخرجته من تحت الأنقاض جثة هامدة". وفي مشهد آخر سيترك أثره طويلاً في ذاكرة أبو جزر، يقول إن كلمات أبو علي الخواجا: "ساعدوني.. ساعدوني"، ونصف جسده السفلي مدفوناً تحت الأنقاض، لن تفارقه لبقية حياته، وقد استغرقوا أكثر من ساعتين حتى تمكنوا من انتشاله. ذلك اليوم كان مأساوياً في حياة أبو جزر، فقد تلقى صدمة عنيفة في ساعات الفجر باستشهاد خاله وجيه أبو زايد وجميع أفراد أسرته المكونة من 17 فرداً، في غارة جوية إسرائيلية دمرت منزلهم فوق رؤوسهم وهم نيام، ويقول: "لخالي وجيه مكانة خاصة في قلبي، فأنا أحمل اسمه، ولن يفارقني أبداً مشهد انتشاله وأسرته من تحت الأنقاض". ويشكل حجم القتل والدمار الهائل والمتصاعد للأسبوع الثالث على التوالي، ضغطاً كبيراً على فرق وطواقم الدفاع المدني، التي تعمل على مدار الساعة، بقدرات محدودة ومتهالكة، ولا يمكنها مواكبة رقعة الدمار الواسعة، واستهداف منازل سكنية بغارات متزامنة، تشتت جهودهم، وتستنزف طاقاتهم. ويقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني الرائد محمود بصل لـ "نوى": إن الحرب الإسرائيلية هذه المرة غير مسبوقة، وأكثر شراسة ودموية عن سابقاتها من الحروب المتكررة على غزة، وتنتهج فيها دولة الاحتلال "سياسة الأرض المحروقة" هادفة إلى مساحات واسعة من الدمار مع أعداد أكبر من الضحايا. ووفقاً لبصل فإن الغارات والاستهداف المتزامن لمنازل في ذات اللحظة يحد من قدرة الطواقم الميدانية للدفاع المدني على أداء مهامها الإنسانية، إضافة إلى ما تتعرض له من استهداف مباشر أدى إلى ارتقاء 12 شهيداً من أفرادها وجرح 42 آخرين، وتدمير سيارات ومعدات، أهمها خزان مياه سعته 15 ألف لتر، هو الوحيد لتزويد السيارات بالمياه لمساعدتها في أداء مهامها بالتدخلات الطارئة للإنقاذ والإطفاء. ويرى بصل فيما تتعرض له غزة من تدمير بأنه يفوق قدرات دول، متسائلاً بكلمات ممزوجة بكثير من الألم والحسرة: "كيف يمكننا بطواقم محدودة وإمكانيات متواضعة التعامل مع 50 غارة استهدفت منازل ومنشآت في آن واحد كما حدث قبل بضعة أيام في تل الهوا بمدينة غزة؟!". ويعتقد المتحدث باسم الدفاع المدني أن الاحتلال يتعمد القصف المدمر والمتزامن، وبشكل جنوني، يجعل من المستحيل على طواقم الدفاع المدني تلبية نداءات الاستغاثة في أماكن متفرقة في الوقت ذاته، الأمر الذي يضطرهم إلى العمل بحسب الأولويات. وبحسب وزارة الصحة فإنها تلقت 1450 بلاغ لمفقودين لا يزالون تحت الأنقاض من بينهم 800 طفل، يقول بصل إن العمل على انتشالهم في الوقت الحالي أمر بالغ التعقيد مع كثافة الغارات الجوية، والاستهداف اللحظي وعلى مدار الساعة للمنازل المأهولة، ووفقاً له فإن التعامل مع واقع الدمار غير المسبوق بحاجة إلى معدات ثقيلة، وأجهزة الكشف عن أحياء تحت الأنقاض، فيما جهاز الدفاع المدني يعاني من نقص حاد في كل شيء، حتى في "أكياس الموتى" التي بات رصيدها صفراً في المخازن، جراء الأعداد الهائلة من جثث الشهداء.