شبكة نوى، فلسطينيات: غزة:
وأخيرًا، بات بوسع الفلسطينيين من ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية، تنشّق رائحة العدالة. محكمة الجنايات الدولية "قد تُنصف وجع الذكريات الملطخ بدم الضحكات، ورائحة بارود الموت".
المدعية العامة فاتو بنسودا، قالت الأربعاء الماضي: إن مكتبها سيبدأ التحقيق في "جرائم حرب" ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية خلال عدوان عام 2014م، "وهو الأمر الذي لطالما سعت لتحقيقه مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية على مدار سنواتٍ من القتل والتدمير الممنهج للحق والوجود والهوية الفلسطينية".
ميرفت النحال مسؤولة الوحدة القانونية في مركز الميزان لحقوق الإنسان، وصفت الخطوة بـ "الموفقة"، وقالت: "الآن بات بوسعنا إعادة فتح سجلات الجرائم الإسرائيلية التي لا تسقط بالتقادم"، مستدركةً بنبرةٍ مترددة: "لكن يبدو أنها بداية المشوار في طريقٍ طويل وشاق، بحثًا عن العدالة والحقوق، وصولًا إلى محاسبة الجناة الإسرائيليين المسؤولين عن سكب الدم الفلسطيني".
وفقًا للولاية القانونية للمحكمة، فإنها ستناقش الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 2014م، بما يشمل ما تطلق عليه "إسرائيل" اسم عملية الجرف الصامد "حرب 2014"، وملف الاستيطان أيضًا.
"صحيحٌ أن التحقيق لن يشمل اعتداءات سابقة مثل تلك التي حدثت خلال عدوان 2008- 2009؛ إلا أن مجرمي الحرب الإسرائيليين، هم ذاتهم من أمروا بارتكاب هذه الجرائم في كل الحالات"، تقول النحال.
ويمر العمل في محكمة الجنايات الدولية عبر عدة مراحل، "ونحن ما زلنا في المرحلة الابتدائية"، تعلق، مضيفةً: "أمامنا عمل طويل وشاق، فالمؤسسات ومن بينها الميزان، عملوا على مدار سنوات على بناء الملفات القانونية، وجمع المعلومات، والاستدلالات من الضحايا، بالإضافة إلى التقارير الطبية والشهادات من العسكريين بأنواع الأسلحة التي استخدمت ضد الفلسطينيين، إضافة إلى مذكرات قانونية، لبناء موقف قانوني واضح، وكلها سيتم تزويد المحكمة الدولية بها".
المعوقات المتوقعة قانونية وسياسية –تبعًا للنحال- فالجنائية الدولية هي مكمّلة للقانون المحلي، ويجب استنفاذ إجراءات التقاضي محليًا، ثم اللجوء إلى الجنايات الدولية في حال لم يتم إنصاف الضحايا.
"وهناك حتمًا معوّقات سياسية يمكن –بل بالضرورة- أن يلجأ لها الاحتلال، مثل إعاقة عمل لجان التحقيق أو منع دخولهم عبر معبر بيت حانون، وحتى طلب إرجاء التحقيق وهذا تتيحه المحكمة" تزيد.
سياسيًا، السلطة الفلسطينية رحّبت بالقرار، وعدّتهُ انتصارًا للعدالة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي، وكما هو متوقع، قد يواجهُ الخطوة بالكثير من التصعيد والتعنّت، "فقد بادر بإطلاق تهديدات، ما يعني إمكانية اتخاذه إجراءات تصعيدية في مواجهة هذه الخطوة".
قناة "كان" العبرية، على سبيل المثال، وعقب صدور قرار الجنائية الدولية، كشفت عن أن "إسرائيل" ستتخذ خطوات تصعيدية صارمة ضد السلطة الفلسطينية، إذا شاركت في التحقيق مع المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وقالت: إنها ستفرضُ عقوبات شخصية على جميع مسؤولي السلطة الفلسطينية، بمن فيهم الرئيس محمود عباس"، ناهيك عن إيقاف جميع المشاريع الاقتصادية والتنموية مع السلطة في رام الله.
الباحث السياسي عزيز المصري، بدوره، أكد أن سلسلة الضغوط على السلطة الفلسطينية بدأت فعلًا قبل تبنّي الجنائية الدولية قرارها الأخير؛ كذلك فعلت الإدارة الأمريكية التي عدّت القرار "غير قانوني"، واصفًا هذا الاصطفاف الأمريكي إلى جانب الاحتلال، ونُكران الحقوق الفلسطينية، "غير مفاجئ".
وقال: "الجانب الإسرائيلي كعادته، عدّ القرار معاديًا للسامية ولوجود إسرائيل، وهناك قطاعات واسعة في الحكومة والأحزاب الإسرائيلية، طالبت بفرض عقوبات مشددة على السلطة الفلسطينية"، مرجحًا أن تشهد الفترة المقبلة، مساوماتٌ ومطالباتٌ أمريكية وإسرائيلية للسلطة، كي تتراجع عن هذه الخطوة، باستخدام عقوباتٍ اقتصادية وسياسية، لا تقل خطورة عن إجراءات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
المصري، بكل الأحوال، عدّ القرار إنجازًا سياسيًا وقانونيًا كبيرًا للفلسطينيين "رغم مجيئه متأخرًا جدًا"، يعقب: "القرار يكرس الحق الفلسطيني في مقاومة هذا الاحتلال وجرائمه، بكل الطرق والوسائل، ومنها الطرق القانونية الدولية".
وعلى أية حال –يردف المصري- فإن قبول الجنائية الدولية لطلب فلسطين في محاكمة الاحتلال، هو اعترافٌ ضمنيٌ بالحق الفلسطيني، في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وحق تقرير المصير، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
ويختم: "نتوقع مطبات سياسية قد ينصبها الاحتلال، لذلك على السلطة الفلسطينية، إنجاز الاستحقاق الانتخابي في مايو المقبل، والإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، وحشد الرأي العام أوروبيًا ودوليًا، في النطاق الحقوقي والسياسي، لوضع قرار الجنائية الدولية في مساقه الصحيح، وكذلك فتح قنوات اتصال وضغط مع الدول العربية في سبيل تعزيز ترجمة قرار الجنائية الدولية إلى واقع ملموس".