لماذا استهدف الاحتلال المنشآت الصناعية في العدوان على غزة؟
تاريخ النشر : 2021-05-22 23:36

غزة:

تلقى زكريا مشتهى (38 عامًا) الذين يقطن حي الشجاعية شرق مدينة؛ نبأ استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي لـ"مصنع السوافيري للمفروشات والموبيليا" بكثير من القهر والخوف، فهو يعمل في هذا المصنع منذ عام 2016، والورشة الفنية للتصنيع هي مصدر رزقه الوحيد لإعالة أسرته.

مشتهى هو واحد من آلاف العمال الذين ألقى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة بثقله على حياتهم، حيث ضاعف استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي للمصانع معاناة تلك الفئة التي فقدت مصدر دخلها اليومي، وباتت على شفا جرفٍ هاوٍ من الفقر والبطالة.

حسب التقديرات الأولية لإحصاء الأضرار من قبل الجهات الحكومية والأهلية، فإن الاحتلال الإسرائيلي وعلى مدار أحد عشر يومًا من العدوان الحربي على قطاع غزة؛ كبّد القطاع المحاصر منذ خمسة عشر عامًا خسائر جمّة، حيث تم قصف أكثر من 300 منشأة صناعية وتجارية خلال العدوان، بالإضافة إلى استهداف المنطقة الصناعية وتدمير 13 مصنعًا هناك من بينها 7 مصانع دُمرت كليًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف هو شكل جهنّم؟ ناجون من الحرب يتساءلون

في سياق التقرير التالي، ترصد "نوى" استهداف الاحتلال للاقتصاد الفلسطيني خاصة المنشآت الصناعية، وتفق على أهدافه وآثاره.

بلا مصدر دخل

يُعيل العامل زكريا مشتهى، أحد عشر فردًا (أبنائه الأربعة وزوجته ووالديه وبعض أشقائه)، وتُعد الأجرة التي يحصل عليها أسبوعيًا من مصنع السوافيري هي المتّكأ الذي يستند إليه بعيدًا عن الحاجة للاستدانة.

 جهز زكريا عيدية الصغار كما يُخبر نوى، وادّخر مبلغًا ليشتري لهم الحلوى وكان ينوي زيارة بعض أرحامه بمجرد انتهاء العدوان، لكن خبر استهداف المنطقة الصناعية وإلحاق التدمير بمصنع السوافيري الذي يعمل به نزل على قلبه كالصاعقة، فتلاشت مع ألسنة الدخان والنار كل أحلامه واستبدلها بألم وحسرة في قلبه.

حاول جاهدًا التواصل مع صاحب المصنع عله يُخبره أن الأضرار جزئية وأن العمل لا زال ممكنًا لكن دن جدوى.

يقف الرجل على عتبة المصنع وقد اعتل قلبه بالألم، يُتمتم بنبرة مخنوقة: "التحقنا بقائمة المتعطلين عن العمل".

اقرأ/ي أيضًا: ريم ترسم خارطة النجاح على سبّورة النزوح

ولا يختلف الحال كثيرًا لدى" أبو كرم" الذي يقطن مخيم الشاطئ وهو أحد العاملين في مصنع شركة كليفر لإنتاج وتصنيع مواد التنظيف، فهو يُعيل أبنائه الثلاثة وجميعهم من ذوي الإعاقة نتيجة مرض وراثي، اليوم يقف عاجزًا عن توفير احتياجاتهم الضرورية، ويرجو أن تتم عملية إعادة الإعمار سريعًا وتعويض المصانع والمنشآت الاقتصادية المتضررة، ما يضمن عودتهم إلى العمل والحصول على مصدر رزقهم بكرامة.

استهداف متعمد

يشدد أصحاب المنشآت الاقتصادية والمستثمرين في المنطقة الصناعية على الحدود الشرقية مع الاحتلال الإسرائيلي أن الاستهداف لمصانعهم كان متعمدًا وأن ما يسوّقه الاحتلال من مبررات للقصف محض افتراءات لا أساس لها من الصحة.

يقول خالد أبو عريبان صاحب "شركة كليفر لإنتاج وتصنيع مواد التنظيف"، أن المنطقة الصناعية مكشوفة للاحتلال ولا تبعد أكثر من 200 متر على الحدود، ويُتابع :"الاحتلال يعلم يقينًا كل ما يجري في المنطقة وتعمّد الاستهداف لإلحاق الضرر المادي بالمستثمرين والاقتصاد الغزي".

وتعمل شركة أبو عريبان منذ عام 2012 في المنطقة الصناعية، واستطاع الرجل خلال عامين أن يُطور شركته من مستورد إلى مُنتِج، فمنذ 2014 ينتج أكثر من 14 صنفًا من المنظفات سواء للعناية بالشرة أو العناية المنزلية أو الشخصي، باستخدام أحدث خطوط الإنتاج على مستوى الآلاف والتعبئة والتغليف.

اليوم كل ما يملكه أصبح أثرًا بعد عين، حيث ما زالت ألسنة الدخان تتصاعد من المصنع بعد أن تم قصفه بصواريخ حربية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

تُقدر الخسائر التي تكبدها أبو عريبان بما يزيد عنن 2.5 مليون دولار، بين خطوط إنتاج وآليات ومواد خام ومستلزمات تعبئة وتغليف، ويرجو الرجل أن تتم عملية إعادة الإعمار سريعًا ويتم تعويض أصحاب المنشآت بما يُمكّنهم من النهوض مجددًا، والمساهمة في تحسين الواقع الاقتصادي خاصة وأنهم يقومون على تشغيل أعداد كبيرة من العاملين.

اقرأ/ي أيضًا: إضراب الكرامة يوحّد فلسطين ويصفع "الأسرلة"

 وأضاف أنهم ملتزمون بواجبهم الأخلاقي والإنساني تجاه عمالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا قائلًا:" الآن نحن بحاجة إلى العمل الجاد من المجتمع الدولي لإنقاذ الواقع المتدهور في قطاع غزة، حيث أن القطاع الصناعي يُشكل الركيزة الأساسية التي يستند عليها الاقتصاد الغزي"

استهداف القطاع الصناعي

يُؤكد نهاد السوافيري صاحب مصنع "السوافيري للمفروشات" أن القصف الذي طال المنطقة الصناعية وراح ضحيته 13 مصنعًا من بينهم مصنعه يستهدف القطاع الصناعي بشكل متعمد ومباشر من أجل تعميق خسائر العدوان.

وقال لـ "نوى" أكثر من 37 عاملًا فقدوا مصدر رزقهم جراء التدمير الكلي للمصنع، وباتوا على قائمة المتعطلين عن العمل"، مطالبًا بضرورة العمل الجاد والسريع لتنفيذ عمليات إعادة الإعمار للقطاع الصناعي.

ويعود تاريخ مصنع المفروشات إلى عام 1993، حيث كان يستقر وسط مدينة غزة، إلا أنه انتقل للمنطقة الصناعية في إطار التطوير وتحسين الإنتاج خلال العام 2012، وأملًا في تحسين عمليات التسويق والتصدير للخارج.

 يؤكد أبو عريبان أنه لم يخطر على باله أبدًا أن يتم استهداف المنطقة الصناعية، فهي تخلو من أي أهداف إلا الاستثمار المالي فقط، وأضاف أن استهدافها شكّل فاجعة للمستثمرين، والحاجة الآن ملحّة للبدء في إعادة إعمار المصانع والمرافق الانتاجية المتضررة من أجل تمكين العمال وتمكين الاقتصاد الفلسطيني من التعافي.

الإضرار بالاقتصاد الغزي

يُطبّق الاحتلال عبر حالة الاستهداف المباشر في العدوان الأخير للبنية التحتية والبيئة الاقتصادية من محال تجارية ومصانع وشركات، سياسة منهجية ضد الاقتصاد الغزي، كما يؤكد المحلل الاقتصادي الفلسطيني، محمد أبو جيّاب.

يضيف أبو جياب إن الاحتلال في كل عدوان يُشنه على القطاع، يهدف بشكل مباشر إلى تدمير مقومات العمل الاقتصادي الغزي القائم أساسًا على الصناعة والانتاج لتدميره كليًا، والعمل على إلحاقه أبدًا بالاقتصاد الإسرائيلي، بما يسلب السيادة الفلسطينية وقدرتها على اتخاذ القرار السياسي.

استطاع الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات أن يجعل عملية إعادة الاعمار سبيلًا لابتزاز القرار السياسي، من خلال الآليات التي فرضها على تنفيذ عملية إعادة الإعمار عام 2014 وما قبله.

هنا يُشير أبو جيّاب أن الاحتلال إذا تمكّن من فرض آليات مشابهة لسابقتها فإن عملية إعادة الإعمار ستطول كثيرًا، داعيًا المجتمع الدولي الذي أبدى استعداده لخوص عملية إعادة الإعمار أن يضغط باتجاه تحقيق العملية دون قيد أو شرط إسرائيلي سواء في آليات المراقبة أو تقييد حرية حركة المعابر أو تقييد إعادة إعمار قطاعات معينة.

 ويبين: "محددات نجاح وسرعة إعادة الإعمار في غزة يجب أن تقوم على رفض أي دور إسرائيلي في ملفات إعادة الإعمار وإلغاء برنامج GMR المعروف بالسيستم، ناهيك عن ايجاد ضمانات دولية لحرية التجارة والاستيراد لمواد الإعمار بما فيها ضمان حرية الاختيار في استيرادها من أي دولة عربية عبر مصر أو من مصر مباشرة إلى غزة."