شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الجمعة 24 اكتوبر 2025م01:54 بتوقيت القدس

الطفلة ديمة شكيان

"ماذا ستنفع الهدنة؟".. صوت "ناجية" في عزاءٍ مفتوح!

22 اكتوبر 2025 - 17:32

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"يا ليت أبي كان حيًا لأجل هذه اللحظة، ماذا ستنفع الهدنة من عدمها الآن؟! لا أشعر أنني حية كي أفرح بهذه اللحظة!"، هكذا اختصرت ديمة أبو شكيان (12 عامًا) مشاعرها يوم إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كطفلةٍ ناجية وحيدة قُتلت أسرتها على مرحلتين بالصواريخ الإسرائيلية في الحرب على القطاع.

تقول إن "الهدنة لم تعد تعنيها، وكذلك استمرار الحرب". لا تنكر خوفها، لكنها لم تكن تنتظر شيئًا سوى عودة "أمواتها" كما وصفت، "وهل يعود الشهداء؟" تسأل ثم تجيب: "لن يعود منهم أحد، وهنا لم يعد يفرق لي شيء، لم يعد لي شيء أنتظره، لم يعد عندي ما أبكيه سوى خسارتي بهم".

"هل يعود الأموات؟.. لن يعود منهم أحد، وهنا لم يعد يفرق لي شيء، لم يعد لي شيء أنتظره، لم يعد عندي ما أبكيه سوى خسارتي بهم".

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، خلفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أكثر من 56 ألف طفل يتيم و21 ألف أرملة نتيجة الإبادة التي استمرت عامين.

ليس سهلًا أن تحكي طفلة بهذه الطريقة، كما لم يكن سهلًا ما عاشته تحت الحرب لعامين متتاليين، تحت سماءٍ التهبت بالصواريخ وقذائف المدفعية على مدار الساعة، بجسدٍ هزيل هاجمته غارة من طائرةٍ حربية فدفنته تحت الركام لساعاتٍ قبل أن يُكتب له النجاة، ويا ليتها نجاة كاملة! بل غرقٌ في تفاصيل موت أحبّ الناس إليها– تقول عمتها.

في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 2023م، كانت ديمة وأسرتها قد نزحوا إلى بيت أهل أمها في شارع الهوجا وسط مخيم جباليا، فقصف الاحتلال المنزل فوق رؤوسهم، ودُفن البيت بمن فيه. ظلت الطفلة عالقة تحت الأنقاض لثماني ساعات متواصلة، وسط محاولات طواقم الدفاع المدني والإسعاف لإنقاذها، فيما قُتلت أمها وأشقاؤها الأربعة: تالا، دانا، عبد النور، والصغير كنان.

تروي عمتها القصة وهي تكتم دموعها، تقول إن الطفلة عاشت الفقد فقدين، ذاب قلبها في المرة الأولى حين علمت باستشهاد أمها وأشقائها، بكت كثيرًا على سرير المستشفى وصرخت مرارًا بأسمائهم واحدًا تلو الآخر، نادت على الأطباء وتوسلت أن يفحصوهم مجددًا، لعلّ أحدهم يصحو من الموت. ظنت أن قلوبهم توقفت من الخوف فقط.

أصيبت ديمة في ساقيها، تعاني مع بلوغ عمر جرحها عامين من قطعٍ في الأعصاب والأوتار وقصورٍ في القدم. أقصى أحلامها اليوم أن تسير وحدها إلى الحمام دون مساعدة، أن تلعب دون أن تتألم، أن تضحك مجددًا وتعود لمدرستها "بنات جباليا" في المخيم.
كان والدها يخفف عنها آلامها، مرّ عامٌ كامل على فاجعتها الأولى قبل أن تعيش الثانية؛ لتفقد آخر من تبقّى لها من العائلة.

في الثامن من أكتوبر عام 2024، ذهب والدها أمين مروان أبو شكيان إلى مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة لإحضار بعض الأدوية لديمة التي كانت تمكث في بيت عمتها بمخيم الشاطئ غربي المدينة. ومن هناك، توجّه إلى منزله القريب من المستشفى لجلب بعض الاحتياجات، فقصف الاحتلال منزل جيرانهم فانهار عليه البيت وانتُشل شهيدًا من هناك.

تصف العمة قائلة: "كان وقع الصدمة أكبر على ديمة، كانت تنتظر عودته ولم يخطر ببالها أبدًا أن تعيش الفقد مرة ثانية. بكت كثيرًا، ولم تستوعب لفترة. كانت تصحو وتنام وهي تنتظر عودته".

تكمل بأن الطفلة تمرّ بفترةٍ عصيبة، لم تتجاوز فواجعها بعد، تحلم بأمها وأبيها وإخوانها، تنادي عليهم وهي نائمة، تتجمّد أطرافها وتنفجر دموعها، أحتضنها فتستيقظ وتسأل إن كانت تعيش كابوسًا أم أنها فقدتهم بالفعل.

"انتظرت هذا اليوم طويلًا، لكنه كان يوم بداية انهياري، كذلك أطفالي وديمة الناجية الوحيدة من أسرة أخي، جميعنا سمع الخبر ونظر إلى الآخر، حاولنا كتم مشاعرنا كي لا نبكي".

وفي مداخلةٍ للطفلة حول ما حدث معها، تقول: "قبل الحرب كان لي عائلة، كان لي بيت وكنت طالبة تحب مدرستها. في الحرب صار يقال عني يتيمة، وصرت بلا مأوى، نازحة وجريحة تناشد من أجل العلاج".

لم تتوقف آلامها عند هذا الحد، بل امتدت لتطال أرواح صديقاتها اللواتي استشهدن مع عائلاتهن، وكذلك بنات خالها المقرّبات منها. تعيش اليوم مع عمتها التي فقدت زوجها أيضًا، وأصبحت أمًا لثلاثة أطفال. تقول ديمة: "صاروا إخوتي، يقولون عني أمّ الأيتام، وأقول إن تمنيت العيش، فهو لأجلهم فقط".

عن شعورها بلحظة إعلان وقف إطلاق النار، تقول العمة: "تصبب العرق من جسدي وخفق قلبي بشدة، ظننت أنني انتظرت هذا اليوم طويلًا، لكنه كان يوم بداية انهياري، كذلك أطفالي وديمة الناجية الوحيدة من أسرة أخي، جميعنا سمع الخبر ونظر إلى الآخر، حاولنا كتم مشاعرنا كي لا نبكي".

"لسنا وحدنا، ربما لن تمرّ التهدئة على كل خيمة فقدت عزيزًا، نحن في عزاء مفتوح، بل نحن الميتون مع وقف التنفيذ".

وتزيد: "لسنا وحدنا، ربما لن تمرّ التهدئة على كل خيمة فقدت عزيزًا، نحن في عزاء مفتوح، بل نحن الميتون مع وقف التنفيذ، ننظر إلى الحياة ونعرف أنها انفصلت عنا، ننظر إلى الهدوء ونعرف أن في قلوبنا حربًا مستمرّة".

ومن الجدير ذكره، أنه وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد تسببت الهجمات الإسرائيلية يوميًا في تيتيم 77 طفلًا في المتوسط، وتحويل 29 امرأة متزوجة إلى أرامل منذ بدء الإبادة الجماعية قبل عامين.

كاريكاتـــــير