غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
ملأت الدنيا صراخًا حتى انهارت وسقطت مغشيًا عليها، فقد حلّ المساء وفرغت الحافلات التي تقلّ أسرى محررين دون أثرٍ لزوجها المفقود، رغم رؤيتها اسمه في كشوفات الأسرى المزمع الإفراج عنهم!
هذا ما جرى مع الشابة علا بليحة (26 عامًا)، التي هرعت منذ فجر الاثنين 13 أكتوبر 2025م، إلى مستشفى ناصر في خانيونس بانتظار زوجها محمد بليحة (28 عامًا) المفقود منذ 11 ديسمبر 2024م، وقد فوجئت باسمه في كشوفات الأسرى الذين اعتزم جيش الاحتلال الإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية.
"يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2024م، أعطاني هاتفه وخرج للعمل ولم يعد. بحثت عنه في كل مكان، وأبلغت الصليب الأحمر لكنني لم أحصل على أي معلومة عنه".
داخل خيمتها في منطقة المواصي غربي محافظة خانيونس، تحتضن علا أطفالها الأربعة (ذكر وثلاث إناث)، وهي تواصل البكاء: "كان لدى أطفالي أمل بأن يجتمعوا بوالدهم، كُسر قلبهم وقلبي".
تشير إلى رضيعة بعمر خمسة شهور وتستطرد: "علمت بحملي بها بعد فقدان زوجي، لا يعلم أن لديه طفلة جديدة".
كانت علا تعيش مع زوجها محمد في خانيونس ونزحت إلى غربي المدينة مع الاجتياح الإسرائيلي في يناير 2024م، وعاشت في الخيام حياةً شاقة. تقول: "محمد كان سندي الوحيد، هو عامل باليومية ومعيلنا الوحيد. يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2024م، أعطاني هاتفه وخرج للعمل ولم يعد. بحثت عنه في كل مكان، وأبلغت الصليب الأحمر لكنني لم أحصل على أي معلومة عنه".
وسط دوامة الحزن علمت علا بحملها، وفي ظلِ واقعٍ قاسٍ عانت انعدام الخدمات وسوء التغذية، واضطرت للنزوح وحدها وهي حامل.
تشير إلى خيمتها المصنوعة من القماش المهترئ قائلة: "هطلت علينا الأمطار وانتقلت لخيام الجيران أكثر من مرة، ولدت طفلتي بعملية قيصرية يوم 31 مايو 2025م، واضطررت بعدها للنزوح سيرًا على الأقدام حتى المواصي بسبب الاجتياح الإسرائيلي".
تعيش علا حاليًا مع والديها اللذين نزحا إلى جنوبي قطاع غزة مع استئناف الاحتلال الإسرائيلي لحربه على القطاع في مارس 2025م، بعدما خرق الهدنة التي بدأت يوم 19 يناير، لكنهما "كبيران في السن وظروفهما صعبة، زوجي فقط كان سندي الوحيد"، تقول علا.
"يوميًا يسأل طفلي عن والده، لا يهدأ، يبكي بشكل مستمر. طفلتي عدلة (عامان ونصف) كانت متعلقة جدًا به، وهي لا تنساه، دائمًا تقول (بدي بابا) وتبكي، لا أعرف ماذا أجيب صغاري".
ظلّت علا على حالها وحدها تبحث عن أي معلومة حول مصير زوجها الذي اختفى تمامًا، وحتى شقيقاه يعانيان من إصاباتٍ صعبة أحدهما بُترت ساقه بسببها.
تُمسك بطفلها البكر أنور (5 سنوات) وتقول: "يوميًا يسأل عن والده، لا يهدأ، يبكي بشكل مستمر. طفلتي عدلة (عامان ونصف) كانت متعلقة جدًا به، وهي لا تنساه، دائمًا تقول (بدي بابا) وتبكي، لا أعرف ماذا أجيب صغاري".
يوم 12 أكتوبر 2025م، وبعد أيامٍ من توصل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لاتفاق وقف إطلاق نار مع الاحتلال، نُشرت قائمة بأسماء أسرى يعتزم الاحتلال الإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل، لتُفاجأ علا باسم زوجها محمد ضمن القائمة، ولتعلم لأول مرة أنه أسير.
"قال لي الرجل: (مش رح تعرفي زوجك ولا هو رح يعرفكم)، وضعه الصحي صعب ويحمله الأسرى لمساعدته في السير وحتى دخول دورة المياه".
تقول: "كنت قد فقدت الأمل بالعثور عليه، حين رأيت اسمه كانت فرحة لا تُوصف، ولم أجرب فرحة مشابهة في حياتي. نمنا أنا وأطفالي ونحن نستعد لاستقباله في اليوم التالي، منذ الفجر ذهبنا أنا وأطفالي إلى مستشفى ناصر بانتظاره".
ظهرًا بدأت حافلات الأسرى المحررين بالوصول، واحدةً تلو الأخرى، وعلا تنتظر وتزداد توترًا، حتى وصلت الحافلة الأخيرة دون محمد، وهنا انهارت تمامًا.
تكمل: "في آخر باص أخبرني أسير محرر أنه رآه في سجن عوفر، غرفة 16، وأنه تعرّض للتعذيب الشديد وفقد عقله، ويحتاج لعلاج جسدي ونفسي. انتظرتُ لأطمئن ولكن ما سمعته غير مطمئن، قال لي الرجل (مش رح تعرفي زوجك ولا هو رح يعرفكم)، وضعه الصحي صعب ويحمله الأسرى لمساعدته في السير وحتى دخول دورة المياه".
تصرخ علا بعصبية وهي تتساءل: لمَ يفعلون بزوجي كل هذا، وهو عاملٌ بسيط ليس في حياته سوى عائلته ولا ينتمي لأي تنظيم؟
"أخبرني أنه تعرض للتعذيب وخلعوا أظافره. لم أكن أعرف من قبل أي شيء عنه، كل الأسرى الذين بقوا أرسلوا السلام لعائلاتهم إلا زوجي، كما فهمت، هو ربما لن يعرفنا".
تتابع: "أخبرني أنه تعرض للتعذيب وخلعوا أظافره. لم أكن أعرف من قبل أي شيء عنه، كل الأسرى الذين بقوا أرسلوا السلام لعائلاتهم إلا زوجي، كما فهمت، هو ربما لن يعرفنا. علمت أن لديه محكمة يوم 23 أكتوبر، فماذا فعل أصلًا ليُحاكم؟".
تحاول علا عبثًا تهدئة صغارها الذين يبكون وقد اشتاقوا لوالدهم، وكلما خرجت من الخيمة ظنّوا أنها ذاهبة لإحضاره.
تختم بصوتٍ متهدّج ودموعٍ لا تهدأ: "أريد أن يصل صوتي وصوت أطفالي لكل الدنيا، أريد زوجي ووالد أطفالي بيننا. انتظرته أن يخفف عنا عذاب عامٍ كامل، ولكن الآن وضعه أصعب من وضعنا، وقلبي لم يعد يحتمل انتظارًا آخر".