رام الله- شبكة نوى:
بفعاليات خيّمت عليها جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة، اختتمت مؤسسة فلسطينيات بالضفة الغربية مخيم المناظرات التدريبي، ضمن أنشطة مشروع (Engage) الذي تنفذه المؤسسة بالشراكة مع جامعة النجاح الوطنية، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، تحت رعاية وزارة التربية والتعليم العالي، وبمشاركة 12 جامعة من الضفة الغربية.
وشارك في المخيم التدريبي الذي عُقد في مركز جبل النجمة في أبو قش على مدار أربعة أيام، (72) طالبةً وطالبًا من كافة مناطق الضفة الغربية، بهدف التغلّب على التقسيم الجغرافي للضفة والحفاظ على التواصل بين الشباب، بالإضافة إلى التدريب الذي يركّز على الجانب العملي من خلال المناظرات التدريبية.

وقالت وفاء عبد الرحمن مديرة مؤسسة فلسطينيات، في كلمة الافتتاح، إننا اعتدنا أن يكون شباب قطاع غزة معنا، ولكن تم تجميد المناظرات في القطاع بسبب حرب الإبادة على أمل أن يشاركوا العام القادم.
ورحبت عبد الرحمن بوزارة التربية والتعليم العالي وممثلي/ات الجامعات الشريكة، وشددت على أن قدرة الشباب على الوصول من كل مناطق الضفة الغربية والمشاركة في تدريبٍ واحد، يشكّل دافعية كبيرة لفلسطينيات للاستمرار، فشباب الجامعات هم الشمعة التي تضيء الطريق.
وعدّت عبد الرحمن نجاح تجربة برنامج المناظرات ليس فقط في التنافس، بل بقدرته على خوض التحدّي الأول وهو جمع 12 جامعة من الضفة الغربية في مكانٍ واحد، فالمناظرات فرصة للشباب للالتقاء وتحدّي بعضهم بالأفكار بعيدًا عن فكرة الفوز والخسارة، مشددة على أننا كل عامٍ نُفاجأ بجيلٍ من الشباب القادر على إثبات جدارته بالريادة.

والجامعات المشاركة في مخيم المناظرات لهذا العام هي: جامعة النجاح الوطنية، الجامعة العربية الأمريكية، فلسطين التقنية، جامعة القدس، الكلية العصرية الجامعية، جامعة بيرزيت، جامعة بيت لحم، فلسطين الأهلية، جامعة الخليل، بوليتكنك فلسطين، الكلية الذكية للتعليم الحديث، وجامعة القدس المفتوحة.
وتحدثت عبد الرحمن عن فلسطينيات كمؤسسة تنحاز إيجابًا لصالح النساء ولكن ليس إقصاء للذكور فهم مشاركين بشكلٍ رئيسٍ في أنشطة وبرامج المؤسسة، معربة عن فخرِها بالكثير من شابات المناظرات اللواتي استطعن المواصلة مع المؤسسة بعد التدريب.
وكانت فلسطينيات أطلقت "مناظرات فلسطين" عام 2013م، وجاء البرنامج كاستجابة للواقع الذي يغيب عنه قيم الاختلاف وتقبّل الرأي الآخر، وتم التركيز فيه على تعميم فن المناظرات كنهج للتفكير النقدي، الذي يخلق ثقافة حوار تعتمد على القراءة والبحث من أجل الوصول إلى معلومات وحقائق واستنتاجات منطقية، على أمل أن يصبح هذا النهج أسلوب حياة.
من جانبه عبّر د.أيمن الهودلي رئيس وحدة الإرشاد والتوجيه والشؤون الطلابية في وزارة التربية والتعليم العالي، عن سعادته بافتتاح مخيم المناظرات برعاية الوزارة وبمشاركة مجموعة من الطلبة المتميزين، معربًا عن أسفه لعدم قدرة طلبة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة على المشاركة بسبب تواصل حرب الإبادة.

وعدّ الهودلي الشراكة مع فلسطينيات نموذجًا حيًا للشراكة المثمرة بين المجتمع المدني والقطاع الأكاديمي والوزارة من أجل الاستثمار في قدرات الطلبة الجامعيين وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها في حياتهم العملية، كون البرنامج منبرًا للكلمة الحرة والدفاع عن الحق.
وتابع إن هذا البرنامج يأتي ليضيف بُعدًا جديدًا لمسيرة التعليم الجامعي، حيث يسهم في صقل مهارات الطلبة ويعزز قيد البناء والنقد والحوار، وهي قيم نحتاجها في هذا الزمن المليء بالتحديات على ضوء ما نعيشه من حواجز تفصل المدن وما ترتب عليها من تضييقات على حياة الطلبة اليومية.
وقدّم الهودلي الشكر لمؤسسات التعليم العالمي والطلبة الذين يشكّلون نموذجًا للأمل والعزيمة، كما شكر الشركاء في الاتحاد الأوروبي على دعمهم المستمر لكل البرامج من هذا النوع، معربًا على أمله أن يكون المخيم التدريبي بارقة أمل لطلبة يمثلون فلسطين في المحافل الأكاديمية.
بدوره قال د.غسان البرغوثي، عميد شؤون الطلبة في جامعة بيرزيت، إن المناظرات فرصة جيدة للجيل الجديد من الطلبة لتدريبهم وصقل مهاراتهم، وهم يستحقون منّا كمؤسسات كل الدعم وإتاحة الفرص أمامهم لإثبات مهاراتهم.
وقدّم البرغوثي الشكر لفلسطينيات لشراكتها مع المؤسسات الأكاديمية التي تعطي الشباب فرصة وطاقة أمل في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها شعبنا في ظل كل ما يجري بالضفة الغربية وقطاع غزة.

وأعرب عن أمنياته أن يستكمل الشباب الطريق بكل ما أوتوا من عزمٍ وقوة لإعلاء قيم النقد البنّاء والحوار خلال المناظرات التي تمنى لو انطلقت حين كان طالبًا، لكنه وجدها فرصته لدعم الجيل الجديد وصقل مهارات وشخصياته الطلبة المشاركين/ات متمنيًا التوفيق لكل الجامعات ولكل جهد يصب في مصلحة الشباب الفلسطيني.
وخيمّت أوضاع الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023م حتى الآن، على أجواء المناظرات التدريبية التي جاءت المقولات فيها على النحو التالي:
"هذا المجلس يرى أن المؤسسات النسوية لم تكن متسقة مع واقع النساء في قطاع غزة في ظل الإبادة".
"هذا المجلس يرى أنّ قرار الحكومة الفلسطينية بتحويل مستحقات الموظفين الحكومين كأقساط جامعية لأبنائهم يضر بجودة التعليم".
"هذا المجلس يرى أنّ إجراء الانتخابات العامة بالفترة الحالية يساهم بوقف الإبادة الجماعية".
"يرى هذا المجلس أن الاعترافات الدولية بدولة فلسطين مسألة رمزية غير مجدية سياسيًا".
"يرى هذا المجلس بأن الاعلام العربي قد ادى الدور المنوط به خلال الابادة في قطاع غزة".
بدورها قالت المشاركة رهف عطا الله ضحى، وهي طالبة بكلية الحقوق، إن دافعها للمشاركة هو إيمانها بأن المناظرة تعطيها مساحة للتعبير عن رأيها بحرّية وبأسلوب منهجي، وتساعدها في تطوير أدوات التفكير النقدي والإقناع، وهي مهارات مهمة جدًا في تخصصها القانوني.
وأبدت الشابة إعجابها بروح التعاون بين المشاركين/ات رغم قدومهم جميعًا من خلفيات فكرية مختلفة، وقدّرت بأن التحدّي الأكبر أمام المتناظرين هو تنظيم الأفكار تحت ضغط الوقت، والذي حاولت التغلّب عليه بتدوين النقاط الرئيسية، لكنها نجحت في تطوير مهارة الاستماع الفعال، مؤكدة الحاجة الماسة لفن المناظرات كوننا نعيش في زمن الخلافات والانقسامات والمجتمع يحتاج إلى النقاش البنّاء.

اما المشارك يامن مصلح، الطالب في الكلية الذكية الجامعية بتخصص التمريض، فقال إن ما دفعه للمشاركة هو ما سمعه عن مجريات التدريب على فن المناظرات وما يمكن أن يحققه من تعزيز للثقة بالنفس وترتيب الأفكار والقدرة على الإقناع، مؤكدًا عن المدربين أبدعوا في تقديم المعلومة.
وتابع الشاب إن أبرز التحديات التي واجهته هي الرهاب الاجتماعي وتفكيره في كيفية الوقوف أمام الجمهور للحديث وتقديم أفكاره، لكنه بالتدريب نجح في تجاوزها، مثلما تدرب على ترتيب الأفكار وأهمية ان يكون مستمعًا جيدًا.
بدوره قال المدرب مازن الزرو، أن الأساس الذي ينطلق منه في التدريب هو أن المناظرة ليست مجرد مهارة في الإقناع تُستخدم لأغراض تنافسية؛ بل ممارسة فكرية لتعلّم التفكير النقدي واحترام الاختلاف. ومنهجيتي تقوم على تحويل الخلاف من ساحة صراع إلى مساحة بحث مشتركة عن الحقيقة، حيث تُبنى الحجج على الأدلة لا على القوالب والمواقف المسبقة.
وتابع الزرو إن المهارة الأصعب التي يحتاجها المتدرب هي القدرة على الإصغاء والتركيز، كونها تتطلب ضبطًا للنفس وحضورًا ذهنيًا، قلّة من يتقنوه بعمق، مضيفًا إنه يعتبر حمل المتدرب لقناعة تتعارض مع الموقف الذي عليه الدفاع عنه في المقولة فرصة ذهبية للتعلّم، فهو يشجعه على الفصل بين قناعاته والمواضيع الجدلية التي تحتمل أكثر من رأي، فالمناظرة تعلّمنا التفكير في ذات الموضوع من عدّة زوايا.
وأضاف أن التحوّل الأكثر إثارة للإعجاب خلال التدريب هو حين بدأ المتدربون بالإصغاء لبعضهم بفضول بدلًا من انتظار دورهم في الكلام لمجرد المشاركة، فهذا هو جوهر المناظرة كفن للتفكير المشترك وليس ساحة للمواجهة.
وحول أهمية المناظرة في عصر التطرف الرقمي والأخبار الكاذبة، قال الزرو إن المناظرة تمنح الشباب مناعة ضد التضليل، فهي تعلّمهم التحقق من المصادر، وتمييز الرأي عن المعلومة، ومساءلة السرديات السائدة والقوالب الجامدة. من يمتلك أدوات التحليل والحجة لا يمكن أن يُستدرج بسهولة إلى خطاب الكراهية أو المعلومات المضللة.
وتابع إن التنوع الفكري هو وقود الفريق لا عائقًا أمامه، فعندما يدرك المتدربون أن اختلافهم يُغني الطرح ولا يهدد الانسجام، يتحول الفريق إلى نموذج مصغر للمجتمع الذي نحلم به: مجتمع يقوم على الاحترام والتقبل لا الإقصاء.
وتختم فلسطينيات برسالة للشباب:" نحن مع الاختلاف وليس مع الخلاف، ومهما اختلفنا يجب أن تبقى بوصلتنا واضحة وموجهة نحو تحرير هذه البلاد من الظلم".


























