شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الجمعة 24 اكتوبر 2025م01:49 بتوقيت القدس

بعد شهرٍ تحت الأنقاض.. صحفيةٌ أُعلنت شهيدة

مروة مسلم.. الحاضرة في "الغياب"!

12 اعسطس 2025 - 13:41

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، حيث البيوت المدمرة تصمت كمن يختزن رواياتٍ لم تُحكَ، غابت الصحفية مروة مسلم عن الميكروفون، لكن صوتها ما زال يتردد في ذاكرة من عرفوها. نُعيت لكن عائلتها وأصحابها لا يصدقون حتى اللحظة. يقولون "إن الطب الشرعي لم يؤكد أن الجثة لها.. هي حية وتنتظرنا".

أكثر من شهر مضى منذ سقط منزلها تحت قصف الاحتلال، وانقطع معها خيط الاتصال، تاركةً وراءها فراغًا لا يسده خبر يقين ولا يد إنقاذ. بالنسبة لأهلها وأصدقائها، لم تكن مروة مجرد إعلامية؛ كانت قلبًا دافئًا وأملاً يواجه الخراب بابتسامة.

والدها أشرف مسلم يتحدث بعينين يغلبهما الحنين: "مروة جميلة الروح، رقيقة الإحساس، أحبها جمهورها. كانت بلسمًا لجراحنا، البنت الوحيدة لعائلتنا، ومعها ثلاثة أشقاء، أحدهم خارج البلاد منذ 13 عامًا، والآخران بقيا معها طوال الحرب". ويضيف: "كبُر حلمها أمام أعيننا، كانت تحيك ملابسها وتغزل أوشحة، وتخطط لمستقبلها رغم مرور 22 شهرًا من حرب الإبادة".

كان حلمها أن تنتهي الحرب لتسافر، ترى شقيقها، وتلتحق بالدراسات العليا، وتُنمّي مواهبها ولغتها. كانت تخصص وقتًا للجلوس مع نفسها، وكذلك وقتًا إضافيًا لأهلها، لتقضي معهم أوقاتًا مليئة بالحب والحنان، لكن الحرب حالت بينها وبينهم.

والدا مروة، كانا قد خرجا من قطاع غزة قبل الحرب بشهرين في رحلة علاج إلى جمهورية مصر الشقيقة، "وهنا ظهرت مروة المسؤولة. بقيت في الشجاعية، وقامت بدور الأم والأخت الكبرى لشقيقيها. حمَتهم وواجهت المجاعة. لم تكن تركض وراء السبق الصحفي، بل وراء الحقيقة، "ولو كانت بيننا لعاتبت" يقول الأب المكلوم.. لكانت تساءلت بحرقة: "لماذا جعلتم مني خبرًا دون تحقق؟ قد أكون حيّة، وأنتظر من ينقذ روحي".

صديقتها الأقرب، مريم الدعبلة، تستعيد آخر حديث جرى بينهما مساء الخامس من تموز/ يوليو 2025م، قبل أن ينقطع الاتصال تمامًا.

تقول: "وصلتنا إشارات استغاثة من رقمها، لكن لم نعرف مصيرها ولا مصير شقيقيها؛ لم يُنتشلوا ولم يُعرف هل استشهدوا أو اعتقلوا أو ما زالوا أحياء". حاولوا الوصول إلى منزلها بلا جدوى بسبب القصف، حتى دخل شابان الحارة في الأول من أغسطس، فلم يجدوا أحدًا، فقط أجزاء من هيكلين عظميين تطايرا من منزل مجاور.

الصدمة كانت حين قرأوا نعيها في وسائل الإعلام، بينما لم تُنتشل جثامينهم ولم يؤكد الطب الشرعي وفاتهم. "لم نقبل التعازي"، تقول مريم، "فقلوبنا بقيت تتمسك باحتمال أنها لا تزال على قيد الحياة".

منذ دراستها للإعلام في جامعة الأزهر عام 2014، وهي تحلم بأن تكون إعلامية مميزة على خطى شيرين أبو عاقلة. تخرجت عام 2018، وعملت في قنوات وإذاعات ومواقع عدة، من "بلدنا" إلى "متصل" وراديو الشباب حتى 2020م، وقدمت برامج متنوعة بصوت يدخل القلب قبل الأذن. خلال الحرب، أُجبرت على التوقف بفعل الحصار على شمال القطاع.

هكذا تبقى مروة، بالنسبة لمن أحبوها، حاضرة في الغياب، أسيرة لحظة سقوط المنزل، وفتاة لم ينكسر حلمها حتى حين انكسر الجدار من حولها.

كاريكاتـــــير