شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 15 نوفمبر 2025م10:35 بتوقيت القدس

إلى رفيقَي الدرب الطويل: "سيرة الدم فوق الحديد" هديّة!

25 يونيو 2025 - 21:17

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

وسط أصوات القصف الجنوني، ورائحة البارود التي تملأ الأجواء، وتحت أنقاض البيوت المدمّرة، وُلدت أولى روايات الشاب أحمد العقاد، البالغ من العمر تسعة عشر عامًا.

العقاد هو من سكان مدينة خانيونس، حملت روايته اسم: "سيرة الدم فوق الحديد"، لتروي للعالم بصوتٍ مرتجف حكاية شعب أنهكته الحرب منذ قرابة العامين، لكنها لم تكسر روحه، ولا صموده الذي خطّه في ميادين عدة.

يوضح أحمد في حديثه لـ"نوى" أن سبب كتابته للرواية كان استشهاد أعز وأقرب أصدقائه: التوأمان محمد وحمدي، أثناء محاولتهما إخلاء منطقة قيزان النجار، بعد أوامر أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

صاروخٌ غادرٌ لم يهلهما، إذ استهدف الطيران الحربي السيارة التي كانت تقلّهما برفقة عائلتهما إلى منطقة "المواصي"، فاستُشهدوا جميعًا، ومُسحت العائلة من السجل المدني.

"وقع فقدهما كان صادمًا جدًا في حياتي وقدرتي على التأقلم. لقد كانا الأقرب لقلبي، شطري طفولتي ورفيقي دربي".

يضيف أحمد: "وقع فقدهما كان صادمًا جدًا في حياتي وقدرتي على التأقلم. لقد كانا الأقرب لقلبي، شطري طفولتي ورفيقي دربي". من رحم هذا الفقد، اتخذ من الكتابة مهربًا، وخطّ وجعه بين سطور روايته الأولى، التي سطّر فيها ويلات الحرب الإسرائيلية على غزة.

استشهد أحمد خلال اللقاء ببعضٍ مما كتبه وتأثر به، فقال: "أقرؤك السلام يا حبيب روحي... لقد أتى الخريف مبكرًا على غير العادة.. لقد تساقط الرفاق، والديار، والأحلام، وأنا".

وعن اختيار عنوان الرواية، يشير أحمد إلى أن اسم "سيرة الدم فوق الحديد" يحمل رمزيةً مزدوجة؛ فالدم يعبّر عن التضحيات والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العُزّل، أما الحديد فهو رمز للسلاح والمقاومة.

يلفت العقاد إلى أن كل شخص في غزة يُقاوم بطريقته، وهو اختار أن يقاوم بالكلمة، فبكتابته وبقلمه أراد أن يوصل معاناة وقهر شعبه إلى العالم بأسره، ليروي كيف يموتون، وكيف يُجَوَّعون، وكيف تنهال أطنان الصواريخ على رؤوسهم، فتُمزق أجسادهم لأشلاء، في ظل صمت عربي، وإسلامي، ودولي مريب.

ورغم كل الظروف القاسية التي عايشها أحمد، كطالب ثانوية عامة من دفعة 2006م، خسر عامين من حياته الدراسية بسبب الحرب، لكنه لم يستسلم. أكمل طريقه في الكتابة، وأصدر روايته الأولى، وشارك بها في معارض دولية في الأردن ومصر والضفة الغربية والداخل المحتل، فيما يعمل حاليًا على ترجمتها إلى اللغتين الإندونيسية والإنجليزية، بعد توقيعه اتفاقيات مع دور نشر في الدولتين.

وفي الوقت ذاته، يشعر أحمد بالأسف لعدم تمكنه من السفر إلى خارج قطاع غزة؛ للمشاركة شخصيًا في تلك المعارض، إلا أنه يشعر بالفخر لأنه تحدى كل الظروف والمعيقات، وأنجز روايته الأولى في ظل حرب طالت الأخضر واليابس والحجر والبشر، لتبقى كتاباته شاهدة على اغتيال الاحتلال لرفيقي دربه.

وفي سياق متصل، يواجه التراث الثقافي والتاريخي في قطاع غزة خطرًا بالغًا نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة، التي لم تقتصر على البشر، بل امتدت لتطال الحجر والذاكرة.

لقد تعمّد الاحتلال استهداف البنية التحتية الثقافية من مراكز ثقافية، ومتاحف، ومسارح، ومكتبات، ومعالم تاريخية، ودور عبادة، في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية ومحو الذاكرة الجماعية، كما امتد الدمار ليشمل كتبًا نادرة، ومخطوطات، ووثائق تاريخية، وأرشيفات، وتجهيزات إلكترونية، ما يهدد بحرمان الأجيال القادمة من الوصول إلى تاريخهم.

ويُعدّ ذلك جريمة إبادة ثقافية واضحة تهدف إلى اقتلاع الجذور، وتدمير الرواية الفلسطينية من أساسها.

كاريكاتـــــير