شبكة نوى، فلسطينيات: هديل الغرباوي
على أمل عقد هدنةٍ إنسانية تنتهي بوقفٍ كاملٍ لإطلاق النار، يقف سكان قطاع غزة على أعتاب شهر رمضان المبارك. يتساءل بعضهم: "كيف سنمضي أيام الصيام تحت نيران القصف؟"، فيما يذهب آخرون إلى ما هو أبعد في حواراتهم الضيقة حول بيوتهم المدمرة: "إن انتهت الحرب أين سنقضي أيام الصيام؟".
سها عسلية (23 عامًا)، التي فقدت زوجها وجميع أفراد عائلتها جراء استهداف منزلهم شمالي قطاع غزة، هي أمٌ لطفلين، لم يتبقَّ لهما أحد غيرها كمعيل. تقول بحرقة: "يا الله، رمضان على الباب. أين كنا؟ وأين صرنا؟ في مثل هذه الأيام لا نفعل شيئًا سوى تزيين بيوتنا بهجةً بالشهر الكريم، وتحضير مستلزمات السحور والإفطار".
تتنهّد وهي التي طرأ "العيد" في حديثها دون سابق إنذار: "كيف سأمضي الشهر بعيدًا عن زوجي وأحبتي؟ كيف سيأتي عيد الفطر وقلوبنا مفطورة بدمع الفراق؟"، مستذكرةً كيف كان زوجها يحضر قائمةً بالطعام الذي يشتهيه لتعده له في رمضان "لقد كان يشاركني تحضير المائدة، ثم يرافقني إلى المسجد لأداء التراويح، أما الآن فقد غاب عني إلى الأبد، وحتى المساجد كلها في حينا نُسفت".
وتتابع عسلية: "أطفالي صغار جدًا، ولا يستوعبون حتى اللحظة حجم الدمار والمصاب والذي لحق بنا. دائمًا يسألونني عن والدهم، وعن زينة رمضان أيضًا، بينما لا أجد إجابةً سوى (والدكم في الجنة)"، ملفتةً إلى أن جميع من تقابلهم يوميًا على نفس حالها، ينتظرون بقهر خبرًا عن توقف الحرب قبل أول أيام الصيام، لعلهم تمكنوا من لملمة جراحهم الثقيلة.
نغم سكيك، من قطاع غزة، أجبرها الاحتلال على النزوح من منزلها قسرًا، ثم استهدفته، ودمرت معه مشروعها البسيط لصناعة الحلويات، الذي كان يعد مصدر رزقها الوحيد.
تقول لـ"نوى": "كنا نعد خطةً كاملةً لرمضان، تتضمن العبادات، والمأكولات، والحلويات، وكنا نشتري اللحوم والأسماك والدجاج والخضراوات المختلفة، وأغراض السحور، نملأ بها ثلاجاتنا، وكنا نعلق الزينة. هذا كله غير موجودٍ الآن، وزد على ذلك أصوات القصف المرعبة، وتهديدات الصواريخ بقتل أرواحٍ جديدة في كل لحظة"، مستدركةً بالقول: "لا أعرف بصراحة حتى إن توقفت الحرب، كيف سنداوي جروحنا العميقة؟".
الحاج مصطفى الفرا (85 عامًا)، أُرغم على النزوح من محافظة خان يونس مع أبنائه وعائلته إلى محافظة دير البلح بحثًا عن الأمان. يقول لشبكة "نوى": "لا خيار أمامنا وقد اقترب رمضان سوى الصبر، وهذه ليست الحرب الأولى التي تمر على غزة في شهر الصيام، فنحن لا ننسى رمضان عام 2014م أبدًا، لكن يحدونا الأمل بتوقف قريب للنار. هذا ما نملكه حاليًا فقط".
وعند سؤال الحاج مصطفى عن استعداده لرمضان هذا العام، سكت قليلًا ثم أضاف: "استعدادات رمضان هذا العام غائبة تمامًا. المؤونة معدومة سوى لدى بعض المعلبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والفرحة منقوصة بسبب غياب أفراد وعائلات عن هذه الدنيا بفعل آلة القتل الإسرائيلية".
ويخبرنا بيأس: "قتلوا لهفتنا لاستقبال الشهر الكريم هذا العام، كل ما نفكر به الآن العودة إلى منازلنا وإيقاف الحرب على غزة".