شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 01 مايو 2024م00:30 بتوقيت القدس

اغتيال "الرايات البيضاء".. إعداماتٌ ميدانية لمسنين وأطفال!

17 فبراير 2024 - 12:01

شبكة نوى، فلسطينيات:  

حلام حماد غزة-نوى/فلسطينيات

داخل هذه البقعة الصغيرة من العالم الكبير الأبكم، المسمّاة غزّة، تشير تقديرات محلية ودولية إلى أن أكثر من 100 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، ومليونين من السكان نازحين خارج منازلهم، يقيم غالبيتهم في الخيام ومراكز الإيواء.

جرائم الاحتلال هنا فاقت حدَّ التصوّر، و"القتل الميداني" أحدها. لقد وثّقت العديد من عمليات الإعدام المباشر بعدسات الكاميرا، وكل الضحايا كانوا أبرياء، ظنّوا أن "الرايات البيضاء" التي كانوا يلوحون بها بأيديهم لإثبات أنهم عزّل قد تشفع لهم أمام آلة القتل والتدمير.

رمزي أبو سحلول، خمسيني العمر، وواحدٌ ممن استشهدوا على مرأى العالم وسمعه رغم تلويحه بهويته ورايته البيضاء بينما كان يتحدث إلى ناشطٍ في مقطع فيديو انتشر على نطاقٍ واسع، قبل أن يسقط شهيدًا مضرجًا بدمه وقد استهدفته نيران جيش الاحتلال.

كان رمزي يحاول الوصول إلى بعضٍ من أفراد أسرته وعائلته المحاصرين، لإجلائهم معه إلى مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بعد الاجتياح البري الكبير لمدينة خان يونس، ولم يلبث أن أدار وجهه حتى باغتته رصاصة إسرائيلية غادرة أصابته في رأسه. تقول زوجته حنان لـ"نوى": "قبيل الجريمة، كان جيش الاحتلال داخل مستشفى الخير المجاور لمنزلنا، وطلبوا من جميع الرجال الخروج، وجردوهم من ملابسهم، وأخذوا أموالهم وهواتفهم قبل أن يسمحوا لأعداد منهم بمغادرة المستشفى واصطحاب المرضى والجثث".

وتتابع: "وعندما انتهى جنود الاحتلال من المستشفى، انتقلوا إلى منطقتنا، حيث منزلي الذي كان يؤوي حوالي 370 نازحًا وبينهم الكثير من الأطفال والنساء من مدينة غزة وشمالي القطاع، ودمروا سيارات كانت متوقفة أمام المنزل، وأحرقوا مخزنًا به مواد غذائية"، مضيفةً: "استخدموا جرافةً ضخمة واقتحموا منزلنا، وأمرونا بالمغادرة دون أخذ أي شيء".

أمسكت حنان حقيبتها الشخصية وأرادت المغادرة، لكن جنديًا صوب البندقية نحو رأسها، وقال بنبرة تهديد :"اتركيها وغادري"، وسأل زوجها الشهيد رمزي عن ابنهما الصغير الذي كان ملتصقًا به من شدة الخوف: "من هذا؟"، فأجابه رمزي: "هذا ابني"، فأمره بتركه والخروج ضمن مجموعة من خمسة أفراد.

تكمل السيدة سرد المشهد: "بعد مغادرتنا، سمعنا أصوات إطلاق نار كثيف داخل منزلنا. كانت التفجيرات تحيط بنا في كل مكان. لقد دمروا كل شيء، وأحرقوا الطابقين العلويين، لكن مصيبتنا الأكبر كانت بقتل رمزي بدم بارد".

وتساءلت بحرقة: "ما ذنبه؟ لقد كان إنسانًا طيبًا محبًا للخير ولغيره، وحاول رغم المخاطر أن يصل إلى نحو 50 شخصًا من الأسرة والعائلة لإجلائهم بعيدًا عن الخطر".

وفي جريمة أخرى من مسلسل القتل في غزة، خرج الطفل ناهض عادل بربخ (14 عامًا)، وهو يحمل في يده راية بيضاء من منزله القريب من مدرسة "حي الأمل" غربي مدينة خان يونس، في مقدمة مجموعة من أفراد أسرته الذين كانوا يستعدون لمغادرة منزلهم للنزوح عن المنطقة، وقد امتثلوا مجبرين لأوامر إخلاء إسرائيلية، وطلب التوجه لمنطقة المواصي.

بمجرد أن مشى الطفل نحو ثلاثة أو أربعة أمتار عن منزله قاطعًا الشارع باتجاه الرصيف الآخر، سقط على الأرض، إثر إصابته بعيار ناري في ساقه. صوت العيار الناري كان من الواضح أنه قادم من جهة بناية سكنية في الجهة الشرقية، وخلال لحظات وبحسب شاهد عيان تبين أن هناك قناصة لجيش الاحتلال يعتلون إحدى البنايات في تلك المنطقة التي تبعد حوالي 100 متر عن مكان سقوط الطفل ناهض.

حاول ناهض الوقوف للنجاة بنفسه، فأطلق قناص إسرائيلي عيارًا ثانيًا باتجاهه وأصابه في جانبه، وحين كرر محاولة النهوض للمرة الثالثة، أطلق القناص عيارًا ناريًا آخر أصابه في رأسه ليقتله على الفور، وعندها أسرع شقيقه "رامز" (20 عامًا) تجاهه لمحاولة سحبه إلى جانب الشارع بعيدًا عن مرمى القناص الإسرائيلي بهدف محاولة إسعافه؛ أطلق القناص الإسرائيلي عيارًا ناريًا أصابه في مؤخرة رأسه ليسقط فوق شقيقه، وبقيا في منتصف الطريق ينزفان حتى الموت، من دون أن يتمكن أحد من باقي أفراد أسرتهما من مساعدتهما، بمن فيهم والديهما اللذان كانا يشاهدان إعدامهما، عاجزين عن سحب جثمانيهما.

وأظهرت تحقيقات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن ناهض كان في مكان مكشوف للقناص الإسرائيلي وغير بعيد عنه، ولم يكن يشكل أي خطر على جنود الاحتلال، فيما كان من الواضح أنه طفل ويمشي في شارع يسلكه السكان الذين يحاولون النزوح من المنطقة بعد تكرار أوامر الإخلاء الإسرائيلية، باتجاه منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس، وهو ما كانت تحاول عائلة الشقيقين ناهض ورامز فعله.

وقال رئيس المرصد الدكتور رامي عبدو لـ "نوى": "إن المعطيات تدلل أن عمليات القتل التي استهدفت الشقيقين ناهض ورامز متعمدة وغير مبررة، وهو ما يتضح كذلك من خلال طريقة تنفيذ جريمة القتل وتكرار إطلاق النار عليهما رغم عدم تشكيلهما أي خطر، وتصويب النيران بدقة نحو الأجزاء القاتلة في جسديهما".

وتضاف هذه الجريمة إلى عمليات استهداف المدنيين بشكل واسع النطاق ومنهجي من دون مبرر، وإلى جرائم القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء المرتكبة ضد المدنيين العزل، التي تصب جميعها في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها قوات جيش الاحتلال في غزة، حسبما يؤكد عبدو.

ولم يفصل بين جريمتي الإعدام الميداني بحق الشقيقين ناهض ورامز، وأبو سحلول، سوى ساعات قليلة، ووفقًا لعبدو فقد وثّق المرصد الأورومتوسطي عشرات حالات الإعدام الميداني التعسفية والخارجة عن نطاق القانون والقضاء، وعمليات القتل العمد التي اقترفها جنود الاحتلال في مناطق التوغل ضد مدنيين عزل، من دون أي ضرورة عسكرية أو سبب محدد.

وقال الناشط الحقوقي: "إن جرائم القتل الميداني والإعدامات التعسفية بحق مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتعد شكلًا من أشكال جرائم الإبادة الجماعية"، داعيًا المقررين الخواص في الأمم المتحدة ومدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في الانتهاكات الموثقة أعلاه وغيرها من جرائم الحرب التي ترتكبها "إسرائيل" بحق المدنيين في قطاع غزة، وتقديم كل من أصدر الأوامر ونفذها إلى العدالة.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير