شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 01 مايو 2024م02:28 بتوقيت القدس

ناجون بنصف حياة.. وقبورٌ من رُكام

31 يناير 2024 - 22:15

شبكة نوى، فلسطينيات: أحلام حماد غزة- نوى/فلسطينيات

قد يكون غريبًا أن تتمنى قبرًا لأمك أو لأحد أحبابك، لكنه في قطاع غزة يمثل أمنيةً عزيزةً لآلاف الفلسطينيين. المحامية العشرينية ديما الثوابتة (الناجية الوحيدة من أسرتها) واحدة منهم!

نزحت ديما (24 عاماً) من مخيم البريج إلى مخيم النصيرات المقابل له وسط قطاع غزة، ولجأت إلى أقارب لها في شقة داخل برج المهندسين، الذي تعرض لغارات جوية حولته إلى كومة من الركام.

تقول لـ "نوى": "بأعجوبةٍ نجوت من تحت الأنقاض (..) أخرجوني بعد حوالي نصف ساعة، ومكثت أسبوعًا في المستشفى أتلقى العلاج من كسور ورضوض وجروح أصبت بها.

برأت هذه الشابة العشرينية مما أصابها جسديًا، لكن جروحها النفسية لا تزال غائرة، ولن تتمكن من التخلص منها لبقية حياتها، لا سيما وأن شعورها بالقهر يزداد كلما تذكرت أن لها أهل ما زالوا تحت الأنقاض والركام. تتساءل بقهر: "أمي وأخواتي وعدد من أفراد عائلتي مدفونين تحت الأنقاض، متى سيتم انتشالهم وإكرامهم بالدفن في قبور؟".

وتكمل والقهر يلازم نبرة صوتها: "هل يتخيل هذا العالم كيف تحول غارات غادرة المنازل الآمنة التي تعج بالحياة إلى قبور لأصحابها، فلا يحظون حتى بفرصة الدفن الطبيعي؟".

منذ الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، وديما تسيطر عليها هذه المشاعر من الألم والقهر، وتعدُّ أن نجاتها من الموت كانت بنصف حياة، وقد خطف الموت 18 شخصًا من أسرتها وأفراد عائلتها، حيث تمكنت فرق الدفاع المدني من انتشال 8 منهم فقط على مرحلتين، وبعد 9 أيام من الغارة الدموية والمدمرة، ولم يكن من بينهم والدتها وشقيقاتها.

ولأكثر من أسبوعين بعد وقوع هذه المأساة ظل والد ديما، يصطحب معه متطوعين، ويعملون بأدوات بسيطة في محاولة يائسة من أجل انتشال الشهداء، بعدما توقف الدفاع المدني عن هذه المهمة، بسبب قلة الإمكانيات وكثافة المهام اليومية جراء الجرائم الإسرائيلية المتصاعدة للشهر الرابع على التوالي.

بترتيبات القدر، لم يكن والد ديما في الشقة وقت وقوع المجزرة، وبفعل النزوح المتكرر لهما، لا يلتقيان إلا على فترات متباعدة، فقد اضطرت ديما إلى النزوح 6 مرات حتى استقر بها الحال حاليًا في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.

كل هذه الأهوال التي عايشتها ديما، وصرخات ما قبل الموت التي كانت تستمع إليها من المدفونين تحت الأنقاض، تصفها بـ"سيناريو مرعب" يعصف برأسها كلما وضعت رأسها على المخدة قبل النوم.

وتقول: "ألم كبير وحزن سيمتد، ولا أعلم إذا كنت سأعيش كإنسانية طبيعية أم لا".

وفي ظروف مشابهة لمأساة ديما، لم تحظ جثامين عائلة أبو شمالة، التي تقطن مربعًا سكنيًا غرب مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وتعرضت منازلها لغارات جوية إسرائيلية قاتلة ومدمرة في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، وما يزال عدد من شهدائها والجيران مدفونون تحت الأنقاض.

وحتى قبيل ما يصفه محمد أبو شمالة بـ "الجنون الإسرائيلي" في المدينة، كان يرافق عددًا من أفراد عائلته كل صباح، فينبشون بأيديهم بين الأنقاض، في محاولةٍ متكررة لم تكلل بالنجاح لانتشال شهداء ودفنهم.

وأوقف توغل جيش الاحتلال في عمق المدينة هذه المحاولات، وقد اضطر محمد وآلاف من أقاربه وسكان مدينة خان يونس على النزوح عنها واللجوء إلى مدينة رفح، بعدما اشتد القصف الجوي والبري والبحري، بالتزامن مع تقدم لدبابات الاحتلال.

وبالنسبة لديما ومحمد وذوي المفقودين تحت الأنقاض، فإنهم يريدون تكريم ذويهم من الشهداء بدفنهم في قبور وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، لكن حتى هذا الحق لا يعد متاحًا في ظل حرب شرسة تضيق الخناق على 2.2 مليون فلسطيني، وتزرع في نفوس كل منهم أنه "الضحية القادمة.

وتشير تقديرات رسمية وحقوقية إلى أن أعداد المفقودين تحت الأنقاض يتجاوز 8 آلاف مفقود، غالبيتهم من النساء والأطفال، لا تدرجهم وزارة الصحة على قوائم الشهداء التي تضم زهاء 26 ألف شهيد، من بينهم 70% من النساء والأطفال.

يكتسب ذوو المفقودين تعاطفًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، ويعبّر كثير من النشطاء عن حزنهم لعدم تمكن هؤلاء من دفن جثامين الشهداء، وذهولهم من العدد الكبير للمفقودين. يقول محمود: "كلما قرأت رقم المفقودين في غزة فقدت صوابي وقدرتي على الفهم والاستيعاب، أعرف أن معظم الشهداء تحت الأنقاض والركام أو مدفونين في الشوارع والمدارس، لكن كيف يمكن للعقل استيعاب فقدان 8 آلاف إنسان؟".

أما ريم فأشارت إلى عدم إدراك المجتمع الخارجي حقيقة ما يجري داخل غزة، وأضافت: "غالبا ما زلتم غير مستوعبين لما يحدث بغزة من إجرام وجوع وعطش وقلة أدوية وبرد"، مستدركةً: "ولا توجد جرافات ولا أدوات لإخراجهم من تحت الأنقاض".

وتنبه الناشطة دعاء إلى أن أكثر ما يؤلم في هذه الحرب تحديدًا، أنه لا يوجد وداع أخير "ولن تعانق جثثهم، لأنه سيأتي لك الخبر، فإما أن يكون قد مات أشلاء أو تحت الأنقاض".

وتساءلت ناشطة تدعى مها: "لما تخلص الحرب، كم نحتاج وقتًا لإخراج الشهداء من تحت الأنقاض ودفنهم؟ وكم يستغرق نقل الشهداء الذين دفنوا في كل مكان؛ بالميادين والأسواق والبيوت والشوارع والمدارس والمشافي؟".

وربط المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل الإجابة على تساؤلات مها بتوقف الحرب على غزة، ودخول فرق متخصصة من الخارج للمساعدة في انتشال الضحايا والشهداء، إضافة إلى إمداد غزة بالآليات والمعدات الثقيلة والمتقدمة للتعامل مع آلاف أطنان الركام والأنقاض التي خلفها استهداف المنازل والمرافق والمنشآت على امتداد القطاع.

وبحسب بصل في حديثه لـ "نوى"، فقد تم وقف مهام البحث عن ضحايا تأكد استشهادهم تحت الأنقاض، بسبب قلة الكوادر البشرية، وضعف الإمكانيات المادية، فضلًا عن تعقيدات الميدان والاستهداف الإسرائيلي المباشر لفرق الدفاع المدني.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير