شبكة نوى، فلسطينيات: سنحكي لكم القصّة.. قرّر محمد ساق الله صنع صينيتين من الكنافة النابلسية على نار الحطب، للتخفيف من حدّة نيران القصف وحمم الصواريخ على نفوس النازحين في بيته بمدينة خانيونس، تحديدًا الأطفال منهم. همّ إلى توفير المكوّنات بعد عناء، "المهم أن يأتي الفرح إلى المنزل"، هذا ما فكّر به.
التفَّ الأطفال حوله، أشعل عيدان الأشجار التي دُمّرت بفعل الاستهداف الإسرائيلي في "كانون الفحم"، ولما تصاعد الدخان بكثافةٍ قال ممازحًا: "إن شاء الله ما يفكرونا بنصنع صاروخ ويقصفونا"، ثم أكمل: "لا، أنتم اليوم رح تاكلوا أطيب كنافة بحياتكم وتتذكروها العمر كله، هذه الكنافة استثنائية".
أسماها "كنافة الحرب"، طبّق المكونات وأخذ يدير الصينية على الكانون من زاوية إلى أخرى لتنضج من كل الأطراف، وفي ذلك الحين كان قد أصدر قرارًا بكتم المذياع وترك الهواتف قائلًا: "لا نريد سماع الأخبار، دعونا نستمتع بهذه اللحظات وكفانا توترًا".
"كانت شهية" هكذا وصفها الناجون! نعم، الناجون بعد قصف المنزل على رؤوس ساكنيه والنازحين فيه، في الـ24 من أكتوبر/تشرين الأول للعام 2023م.
راوي القصة هو نبيل ساق الله، نازح من غزة إلى خانيونس. فقد اثنين من أبنائه بعد أن تناولا طبق الكنافة. وشقيقه صانع الحلويات، إضافة إلى 16 شخصًا من أهل المنزل والأقارب.
يقول إنهم "كانوا ثابتين في مدينتهم. صامدون، حتى انهالت عليهم اتصالات من جيش الاحتلال تنذرهم بالإخلاء باتجاه جنوبي القطاع. بل أجبرتهم على ذلك شظايا الصواريخ التي سقطت على المنازل ودبّت الرعب بقلوب أطفالهم الذين شهدوا أكثر من ثلاثين مكالمة حملت رسائل تطالبهم بالخروج".
"مشينا حوالي خمسة كيلومترات من طرقٍ ملتوية حتى وصلنا النصيرات من مدينة الزهراء، ثم انتقلنا إلى خانيونس وتوجهنا إلى منزل أقارب لنا هناك. كنا نحو خمسين شخصًا، قسّمنا أنفسنا على ثلاثة أماكن بسبب التكدس وللتخفيف عن الناس" يضيف.
في التفاصيل، راح شقيقه "الحلونجي" يصنع الكنافة للنازحين ويوزعها عليهم، ليغير من أجواء الموت المحيطة، ويحاول انتزاع لحظاتٍ من الفرح تحت القصف، "لكن يبدو أن إسرائيل راقبت الأمر، فقصفت المنزل مباشرةً. ربما تمثل الكنافة سلاح دمار شامل لهم فقرروا إبادتها!".
يؤكد الرجل أن ادعاءات "إسرائيل" بضرب أهداف عسكرية كاذبة ومضللة، فشقيقه لا يعرف شيئًا في حياته سوى صناعة الحلويات. كذلك أخته وأبناؤها، أصدقاء "اللمّات الحلوة" الذين قضت عليهم "إسرائيل" جميعًا على مرأى العالم.
يقطن نبيل بالمستشفى منذ الـرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول، أي تاريخ استشهاد عائلته، صارت محل إقامته خوفًا من ملاحقته والناجين منهم معه. يشكو قلة المياه، ويحصل على رغيفين من الخبز كل يومين أو ثلاثة، يتقاسمهما مع زوجته وآخرين. يفضّل ألا يقف ابنه بطابور انتظار الخبز كي لا يدخل في عراك مع أحد. إلى هنا، انتهت القصة، لم يعد لدينا "حلونجي"، لم يعد لدينا منزل، لم يعد لدينا أي ذرّة من الأمان تحت الاحتلال.