شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م10:29 بتوقيت القدس

"النبطشي" استُشهد.. وداعًا "كبير البلد"

23 نوفمبر 2023 - 06:02

شبكة نوى، فلسطينيات:  خضرة حمدان

صعد "النبطشي" إلى أول حافلةٍ تقل نازحين من غزة إلى جنوب الوادي. كان يظنُّ أنه يمضي في طريقه نحو "الأمان"، لكن العدو الذي بات يتقن أساليب "القتل" قرّر أنه لن يصل.

كان صعبًا على أيٍ من أصدقاء الشاب محمود عباس الجبيري "أبو العباس" الشهير بالنبطشي، أن يصدق أنه لن يسمع صوته مرةً أخرى، وأنه لن يُحيي بعد اليوم أي حفلٍ لعريسٍ جديدٍ بغزة، وأنه لن يمرَّ مجددًا بقرب أحدهم، فيمسكه من تلابيبه ويسأله ممازحًا: "مين كبير البلد؟"، ليجيبه دونما تفكير: "النبطشي كبير البلد".

مرَّ يومان قبل أن يقتنع أصدقاؤه بأنه استُشهد، كانوا يصرون على أنه أصيب، وسيعود بضجيج الحياة إليهم ضاحكًا. صديقه بلال انشاصي قال دامعًا: "صعد إلى الحافلة قبلي بثوانٍ ولم أستطع اللحاق به".

الحافلة التي صعد إليها الجبيري، هي التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي بعدة صواريخ في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أثناء مرورها عبر شارع صلاح الدين الذي يربط محافظات غزة الثلاث.

كان على متنها عشرات النازحين من غزة، وأُعلن وقتها عن استشهاد 70 منهم وإصابة العشرات. يضيف انشاصي: "اخترقت شظية رأسه، لقد قضت على حياة أشهر الشبان بغزة، لكنها أبدًا لن تغلق باب الذكريات والأيام الحلوة التي كان يصنعها بضحكاته وخفة ظله".

كان الجبيري يبلغ من العمر (30 عامًا) عندما استشهد، وهو شابٌ بسيطٌ جدًا، نال شهرةً واسعةً من إحياء حفلات الأفراح في قطاع غزة (سهرة العريس) على وجه التحديد، حيث يكون في كل مرةٍ أكثر حضورًا من مطرب الحفل نفسه! بل إنه كان داعمًا لكثيرين منهم، عندما كان يعطيهم الفرصة للصعود إلى المسرح للغناء، وتعريف الناس بهم لينطلقوا في طريق لقمة العيش من هناك.

حصل الشهيد محمود الجبيري، على درجة البكالوريوس في الإدارة الصحية من جامعة القدس المفتوحة بغزة، ونظرًا لقلة فرص العمل في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007م، وارتفاع نسبة البطالة لا سيما بين فئة الشباب، اتجه الجبيري إلى إحياء الحفلات الشبابية بغزة، وهي بالمناسبة من أهم أركان حفل الزفاف، وتسبقه بليلة، حيث يحتفل الأصدقاء والأقارب بالعريس قبل أن يدخل القفص الذهبي.

تميّز "النبطشي" بصوته الجهوري وحضوره المميز، حيث لم تكن تخلو جلساته المدرسية والجامعية من الضحك؛ فقد امتلك حسًا كوميديًا، بالإضافة إلى موهبة الوقوف على المسرح والقدرة على جذب الجماهير.

يقول صديقه محمد الشنطي: "هذه الموهبة كانت كفيلةً بتوفير مصدر رزقٍ له ولعائلته الزوجة والابن، وقد عقد العزم على افتتاح مشروعٍ تجاريٍ خاص لبيع ملابس الأطفال، وجهّزه وأسماه سنتر النبطشي، لكن القدر كان أسرع من فرحته بافتتاحه".

يُشيع النبطشي الفرح أينما حل، ويضحك كثيرًا، إذ لم يكن من النوع الذي يستاء من شيء أو يشعر بالملل أو الضجر كما يؤكد صديقة محمد الشنطي.

"النبطشي.. مات الكلام.. والكل عليه الالتزام" هكذا عنوَن الجبيري سيرته الذاتية على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" حيث عشرة آلاف متابع، في حين وضع على حسابه في منصة "تيك توك" الكثير من أعمالهِ وحفلاتهِ الفنية بين يدي أكثر من 14 ألف متابع، مؤكدًا أن سعادة الناس هي مصدر سعادته حيث يقول: "لما توصل لمرحلة إنو تكون كبير، حتشعر إنو استمرارك موصول بحب الناس. أسعد الآخرين تسعد".

صديقه بلال انشاصي الذي رافقه تحت القصف في رحلة النزوح من غزة إلى جنوب الوادي، قال: "لم أعرف أنها ستكون آخر مرة تجمعنا به. ليته لم يصعد للشاحنة، ولكنها إرادة الله، ونياله اللي بيموت شهيد".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير