شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 28 ابريل 2024م08:13 بتوقيت القدس

غادر بيتها "زائرًا" قبل ساعة..

قُتل "الفرَح" في قلبِ "محمد" لحظة استُشهدت "دانا"

11 مايو 2023 - 20:32

غزة:

على أنقاض غرفة خطيبته الشهيدة، يجلس محمد سعد (19 عامًا) مذهولًا. ينظر إلى الدمار من حوله، ثم يصرخ فجأة: "قتلوها المجرمين. كسروا قلبي والله، وهدموا كل أحلامنا. قتلوها وبقيت لحالي".

يجاهد محمد ليبدو متماسكًا، لكنه ينهار باكيًا كلما ذكر أحدهم اسمها أمامه. هو لا يصدق أن أقل من ساعة كانت الفيصل بينه وبين الموت معها، عندما غادر بيتها "زائرًا" في حي الشعف شرقي مدينة غزة، قبل أن تطاله نيران الغدر الإسرائيلية.

يقول لـ"نوى": "كل شيءٍ ذهب وانتهى مبكرًا، لقد قتلوا روحي، كنا نخطّط للكثير من الفرح، وصرنا كأننا روح في جسدين. أحببتُ كل ما تحبّه وأعطيتها قلبي وسلّمتها المفتاح. حتى أنني حجزتُ لفرقة الزفة، لكن نصيبها أن تُزف شهيدة".

محمد في غرفة خطيبته التي تعرضت للقصف والمجاورة للمنزل المستهدف

وشنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي الحربية، فجر أمس الثلاثاء، ثلاث ضرباتٍ في رفح وغزة، قتلت خلالها 13 مواطنًا بينهم أربعة أطفال.

واستهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلية منازل لقيادات في حركة الجهاد الإسلامي، هم جهاد الغنام من رفح، والأسير المحرر المبعد إلى غزة من جنين طارق عز الدين، وخليل البهتيني من شرقي غزة.

استشهدت دانا (19 عامًا) وشقيقتها إيمان في قصفٍ لمنزل جيرانهم عائلة البهتيني. ما زالت بقع دمائها تغطي المكان، وركام غرفتها يشهد على فظاعة الجريمة التي حوّلت جسد أختين في ريعان الصبا إلى إشلاء.

محمد يتلقى المواساة من والد خطيبته

تماسك محمد، وروى قصّته مع دانا التي خطبها قبل ثلاثة أشهر: "تعلّقتُ بها سريعًا، هي تدرس في كلية إدارة الأعمال وتحصد درجات عالية، وأنا لم أكمل تعليمي لأن ظروف عملي الحر لم تساعدني، لكننا اتفقنا أن تنهي هي السنوات الأربع، ثم أدخل أنا بعدها الجامعة، وأحقق حلمي برفقتها وعلى عينها وتحت إشرافها ودعمها".

يكمل: "فترة خطوبتنا قصيرة، ولكن شاءت الأقدار أن أتواجد معها يوميًا، حتى أنني طلبت منها قبل عدة أيام ألا أزورها سوى يومين بالأسبوع كي تنتبه للامتحانات، لكن الصدفة حالت دون ذلك، خاصة وأننا كنا نتعاون في حل واجباتها بحكم تجربتي في بعض المجالات".

حدد محمد ودانا موعد زفافهما في 21 تموز/ يوليو المقبل. كانت مصرةً على أن يكون الحفل في شاليه وليس في فندق أو صالة أفراح كما هو معتاد، ورغم غرابة الفكرة في مجتمعنا إلا أنه وافقها، "فقد كنتُ أرى سعادتي في رؤيتها سعيدة" يتمتم الشاب.

يقلّب صور خطيبته على هاتفه في منزله 

قبل استشهادها بيوم طلبت دانا من محمد زيارتها في الخامسة عصرًا لمساعدتها في حل بعض الواجبات التي تحتاج لتجربةٍ عملية في التجارة وإدارة الأعمال، تأخر قليلًا لانشغاله في تصليح جوالها، ثم سرعان ما ذهب لزيارتها، "ولكن هذا اللقاء كان مختلفًا عن كل الزيارات" يستدرك.

يقول وعلامات الدهشة تلازمه: "بمجرد دخولها إلى غرفة الضيوف، شعرت أن ضوءًا قويًا سطع. كان وجهها شديد البياض هذه المرة، فاستقبلتُها وهمست في أذنها أنها تبدو اليوم جميلةً جدًا. ضحكت هي وردّت برقّة: "أنا قمر دائمًا"، فأجبتُها: صح ولكن اليوم أنتِ قمر غير عادي".

القصف الذي طال غرفة دانا

انتهى من حل الواجب معها في وقت متأخر، ولما همّ بالمغادرة باغته شعورٌ غريبٌ بالرغبة في البقاء، ولم يكن يعلم ما السبب. أطال إليها النظر وغادر، وما أن وصل مدخل الشارع الذي يقع فيه بيته حتى انقبض قلبه. يعلّق بالقول: "لا أعرف ما الذي حدث، شعوري بالسعادة لأنني كنتُ معها قبل قليل اختلف عندما وضعتُ يدي على قلبي، وسألتُ الله اللطف".

لا يبعد بيته كثيرًا عن بيت دانا، لكنه لم يسمع شيئًا! بعد دخوله البيت بوقتٍ قصير، سمع صوت والده يعلو على الهاتف ويصرخ: "دانا، دانا وين الإسعاف؟" ثم خرج مسرعًا تلحقه والدته. حينها شعَر بخوفٍ شديد، وألمٍ لم يعلم مصدره، لكنه جرى خلفهما ليجد الشارع مقلوبًا رأسًا على عقب، حتى إذا وصل منزل عائلة عدس صار ينادي: دانا، يا عالم وين دانا؟

يكمل: "لم أسمع صوت القصف، كانت آثار الدمار واضحة، وأم دانا مصدومة، وأنا أسأل عن دانا بخوف، المشهد مهول لا يمكن أن ينجو أحد، ولكن حاولت ألا أصدق ما أرى".

عاد للبكاء وهو يردد: "لما بفكر بكثير أشياء بصير بدي أنجن، اتفقنا على مواصلة التعليم وإنجاب أطفال، كانت تحب الأطفال وتنتظر اللحظة التي تصبح فيها أمًا، وأنا أحببتُ ذلك من أجلها".

تحدّث محمد عن أحلامٍ كثيرةٍ كانت تختبئ في قلب دانا، منها العمل في بنك. يزيد: "كانت تقول نفسي أشتغل في بنك، ولهيك بجيب درجات عالية".

جانب من منزل محمد الذي كانت تنتظر دانا العيش فيه بعد شهرين

كانت دانا محبة للحياة تهوى التصوير، وتحرص أن تكون جودة كاميرا هاتفها عالية لتصوّر كل شيءٍ جميلٍ تمرُّ بجواره. "كانت تعشق اللونين الأزرق والأحمر، تحب ارتداء الثياب المصبوغة بهما، وتحب رياضة المشي، وعن نفسي كنتُ أحب كل ما تحبه".

وعد محمد خطيبته بهدية إن حصلت على علامة كاملة، وقبل استشهادها بثلاثة أيام اتصلت به لتخبره أنّها حصلت على علامةٍ كاملة في مادتين وفقدت علامة فقط في الثالثة، هنا ضحِكت وقالت له: "هاي عليها هدية هه". بادلها بدوره الضحك وأجاب: "مش هدية بس، هيك بدها هدية وفسحة".

كانت دانا تحب البحر كثيرًا، وتلتقط لنفسها وللعائلة الكثير من الصور هناك. في رمضان تمنّت أن تفطر مع محمد على شاطئ البحر، وبالفعل لبّى محمد رغبتها، "فقد كان يرى الفرحة بعينيها هي. ورغم فترة الخطوبة القصيرة إلا أنه تعلّق بها كثيرًا، ولا يعرف كيف ستمر الأيام بعدها الآن. يختم بقهر: "هذا العالم طالمٌ جدًا، لا يقسو إلا على الأبرياء".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير