شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 19 مارس 2024م06:17 بتوقيت القدس

العالم الافتراضي: المصدر المتبقي للشرعية السياسية!

21 يناير 2019 - 08:49
شبكة نوى، فلسطينيات:

حين تستمر الفصائل الفلسطينية في إطلاق النار على أقدامها، فلماذا نعتب على العرب المطبعين؟ ولماذا نعتب على أمريكا اللاتينية وأفريقيا اللاهثتين لعقد صفقات مع الاحتلال لنقل السفارات للقدس؟ ولماذا نعيب على أوروبا صمتها؟ ولماذا نطالب أهلنا وشبابنا للصمود في وجه الاحتلال ومقاومته؟ وقد تحول إلى جار و"صديق لدود"؟
في دعم الصمود على أرض ينهشها الاحتلال والاستيطان يومياً في الضفة، ويطبق على أنفاسها في القطاع، تعاقب السلطة مصدر شرعيتها في القطاع بخصومات على الرواتب تصل في حدها الأدنى إلى  50%، وتعاقب حماس مصدر شرعيتها بخصم رواتب يصل إلى 60% ، وتستمر السلطتان في فرض الضرائب والرسوم، وكأنهما تحكمان في سويسرا!

الرواتب في القطاع، والضمان الاجتماعي في الضفة هما أخف المؤشرات  لانهيار الشرعيات "الشعبية"، وتحول المواطنين إلى رهائن في يد الساسة، يعبثون في حاضرهم ويديمون "نكبتهم" الأشد مرارة من النكبة التي تسبب بها الاحتلال عام 1948.
خرجنا بالآلاف تضامناً مع القطاع ورفضاً للعقوبات على أهله، والقيادة وجدت في اتهامات "الأجندات" أسهل طريقة للتخوين واجهاض الحراك بعد قمعه، فانفض واكتفى بما قدم!
وخرج الآلاف ضد مؤسسة الضمان وقانونها، ليس رفضا للحق المطلبي بالضمان، ولكن لعدم الثقة في الجهة الضامنة- هذا الخروج  في بلاد أخرى كاف لنزع الشرعية عن الحكومة بأسرها- ولا زالت القيادة مصرة على صم أذنيها، وتمعن في اجراءات تخرج الضمان من فكرته، وتحوله للعبة في يدها، لم تقرأ أبداً رسالة المحتجين "لا نثق بكم"!

تستعد حماس لانطلاقتها في الضفة، فتعتدي على المحتفلين أجهزة أمن السلطة في الضفة- والاحتلال على مرمى حجر-، وتستعد فتح لانطلاقتها فتجابه باعتقالات واستدعاءات للمئات من مناصريها من قبل أجهزة أمن حماس- والاحتلال على طول السلك-.
ثم يقرر الرئيس اطلاق رصاصة رحمة على المؤسسة التمثيلية التي نتعلق بها "المجلس التشريعي" على أمل أن تقوم من الغيبوبة الصناعية – induced Coma-  التي أدخلها فيها دون تقديم بديل واضح لهذه المؤسسة التي استمدت شرعيتها مباشرة من الناخب/المواطن/الرهينة، ودون احياء أي شرعية "شعبية" مقابلها، تاركاً الناطقين لاجتهاداتهم، ومستغلا فقر الناس وعوزهم وبحثهم عن شماعة، فمرة يعتقدون أنهم يوفرون مصاريف النواب- وهذا ليس دقيقاً- ومرة يعتقدون أن هذا تجديد للشرعيات- ولا مؤشرات حقيقية لانتخابات وطنية تشمل الرئاسة- ومرة يعتقدون أنها وصفة التحول من سلطة لدولة، ومرة هي للضغط لإنجاز المصالحة- الميتة- ومرة لمواجهة صفقة القرن- ولا أعلم كيف سنواجهها بمؤسسات لا تحملها الحاضنة الشعبية-!
إذن، ما هو مصدر الشرعية للنظام السياسي الفلسطيني النازف من خاصرته؟
واضح أن "المواطن" ليس مصدر شرعية لأحد إلا في خطابات القادة وأغاني التراث.

يتكئ القادة على المال السياسي لتحويل المواطنين إلى زبائن، ومن يمتلك المال، يمتلك القرار، من يمتلك مفاتيح الصندوق القومي وصندوق الاستثمار ووزارة المالية، يمتلك الدستورية والتشريعي والقضاء والأمن!
ومن يمتلك السلاح، يمتلك فرض ضرائب ورسوم، وأجهزة جباية وقضاء وأمن، ومال!
المال نصف رأس مصدر الشرعية، ونصفه الآخر سلاح، ويحميهما دعم خارجي من جهة لتأبيد إدارة الاحتلال دون إنهائه- بما في ذلك سيطرته على القطاع-، ومن جهة لتأبيد وظيفة سلطة كان يفترض أن تكون أداة مقاومة للتحول لدولة وتحولت لعبء على حركة التحرر!

وحين نصل لقناعة أن مصدر الشرعيات هو الخارج وشهادات حسن السير والسلوك التي يمنحها على نمط "نبي هدوء" ونمط يتوقف الدعم عدا للأجهزة الأمنية، إذن فنحن- الشعب- آخر هم القيادة وآخر مصدر شرعية للتمسك به، هي معادلة المؤامرة على المكشوف، ولنا أن نختار لأي أطراف المؤامرة ننحاز- وفي الأغلب ننحاز لمن يدفع، وننحاز لمن نخشاه، وتصير الأسئلة العبثية هي المتن "ما قيمة الوطن إن لم يحيا المواطن؟" أو "ما قيمة الحرية لبطون جائعة؟"  وتصير المقاربات "قبل السلطة وبعد السلطة وحماس كانت الحياة ممكنة بل طيبة" مقاربات عادية، و "ما المشكلة في التنسيق الأمني؟ حماس نسقت دخول رئيسها السابق لغزة- عبر وسيط-! ما المشكلة والمرضى بحاجة لعلاج وسفر؟ ما المشكلة وشارع "جكر" يجاكر فينا- والعين ترمش لعين العدو ولا تبصق فيها- ما المشكلة في الحلول الاقتصادية؟ ما المشكلة في وزير يرى الشعب مستوطن أو "بين"؟ وقد سبقه آخر شتم أخوات وأمهات الشعب، وثان شرعن العنف ضد النساء؟
كلها أسئلة في ظاهرها "طبيعية" وجوهرها انحدار  وعي، لنتحول لمواطنين/ات نسكن العالم الموازي- الافتراضي- تحول لمصدر للشرعيات؟ يخشاه من يملك السلاح ومن يملك المال والشرعية الدولية؟ وكيف لا والاعتقالات تجري على قدم وساق لمن يتجاوز السقف أو يقترب منه؟
وهم الدولة والسلطة نعيشهما نحن الذين نعيش في العالم الافتراضي كمن يقودونا، لا ينغص علينا إلا ذلك الجندي البغيض يدهم مدننا ليلاً نهاراً وبضعة شباب يعيش حلم مقاومة يتصدى له ليعيدوا التذكير بأن الشرعية –لحركة تحرر- هي فقط المقاومة، المقاومة بكل أنواعها وأشكالها.
الشرعية الافتراضية يمكن أن تتحول لشرعية على الأرض تفرض ذاتها، ودون أن نخرج من الافتراضي للواقعي، سنستمر في الغضب الافتراضي دون ان تقلق القيادة، ومرة عاشرة أقول "الثورة يقودها الغاضبون فقط" أما الجوعى والمحبطون فسيبقون شجراً تصنع منه القيادة كراسيها، تجددها كيفما شاءت ومتى شاءت، وهنيئاً للاحتلال!

*رئيسة تحرير شبكة نوى النسوية

*مديرة فلسطينيات

كاريكاتـــــير