شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م13:42 بتوقيت القدس

آذار.. وفاء لامرأة مختلفة!

10 مارس 2018 - 06:03
شبكة نوى، فلسطينيات:

هل يحق لرئيسة التحرير تخصيص مساحة رأي لصديقة شخصية؟ رأيت كثيرا من الكتّاب الرجال يفعلونها فلماذا يشغلني السؤال؟
يشغلني لأن النساء في بلادنا مطالبات بتبرير كل فعل وبالذات حين يتقاطع الخاص مع العام. الرجل يلون كل المساحات كيفما يشاء، أما النساء فمحظور عليهن خفة الانتقال.

أقدم صديقتي للقراء نموذجا- وأنا تعجبني النماذج التي تتحدى القوالب المصنوعة خصيصاً لامرأة- هي نموذج خارج عن "التصنيم" لأن بها سمو عن ارتكاب الأخطاء حتى في العتمة.. لأنها سامية.

"سامية بامية"، لم تكن امرأة بحجم الوطن- كما يحلو لنا استسهال الوصف لأغلب من نسميهم أبطالا- بل كانت امرأة بحجم امرأة الوطن كما نتمنى أن تكون، وكما أتمنى أن أكون!

هي معلمتي التي لم تتعمد هذا الفعل، فلم تعطني دروسا ولا نظّرت علي، علمتني بالممارسة والمتابعة عن قرب، علمتني عبر الحيرة ورغبتي في الدخول لعقلها وفهم تركيبته وقدرته على التقاط مسافة بين كلمتين ستضر النص، أو عبر نقطة تركتُها على صفحة لجملة لا تقول شيئا، أو فاصلة لكلام غير مفهوم.. وقَسَتْ إن تكرر الخطأ!

الدرس الأول: لا تساهل في السياسة  ولا مساومة على الحقوق.

الدرس الثاني: النسوية هي شأن سياسي صرف "أي فصل متعمد بين السياسي والنسوي لن يفيد نساء فلسطين ولا تحرير الوطن".

الدرس الثالث: لا تستهيني بالفاصلة وحروف الجر، فقد تُخسرنا بلادا، دققي في الترجمة، فاللغات فيها ثغرات ومنافذ للسقوط..

الدرس الرابع: لا تنتظري مقابلا لعمل لأجل الوطن، لا ساعات عمل محددة ولا عمر محدد، يجوز العمل حتى منتصف الليل، ولا عمر للعطاء، فتحرر العطاء قد يبدأ بعد الستين.

الدرس الخامس: ابحثي عن التوافق بدون تنازل، التوافق سر العمل الجمعي، وللوصول إليه التحليل مطلب أساس

الدرس السادس: الجمال والأناقة وحب الموسيقى وتذوق الفنون لا تتعارض مع النسوية ولا حب الوطن.. اخلقي مما تحبين روضتك الخاصة ومساحتك الخاصة.

الدرس السابع: بيتك لك، تفاصيله تخصك وحدك، هذه دائرة احميها من التعب، واحميها من فضول الأصدقاء قبل الغرباء.

الدرس الثامن: الجيل الشاب يشعر بهوة وانفصال عن واقع وتاريخ وحاضر نضالات النساء المستمر، من المهم توسيع الطاولة له وتمكينه بحذر كي لا يكون نسخاً مكررة منا.

الدرس التاسع: الدين علاقة خاصة جدا وشخصية جدا وفردية جدا، ليست للعرض العام، "الله محبة" ولكل منا أن يحبه على طريقته.

الدرس العاشر: الانسحاب من المعارك ليس من شيم النسويات الأصيلات.. المواجهة والمكاشفة يريح الضمير وينقي القلب.. فنقي قلبك، وابكي متى ما شئت أن تبكي.. لا تعتذري عن انفعالك، لا تعتذري عن دموعك ولا تعتذري عن غضبك، فالغضب لأجل مصلحة عليا واجب.

سامية نموذج لامرأة لا يحبها من اعتاد التفرد بالقرار ولا الكسول الذي يكره قراءة الاحتمالات والتعمق في فحصها، لم تعترف يوماً بأنها نسوية، وخافت كثيرا من تغلب الاجتماعي على السياسي، وخافت أكثر من الألغام الكامنة في الخطاب الحقوقي السائد والاستعمال السطحي له!

لسامية التي سمحت لي أن أقترب من مساحتها الخاصة جدا حين مرضت وتعبت ووقرت أن تواجه ضعفها بذات القوة التي واجهت فيها تحديات النساء والوطن مساحة من القلب ومسؤولية أراها اليوم عبئا في محاسبة النفس والسؤال الدائم، لو كانت سامية بامية مكاني فماذا ستفعل؟ هل ستقبل التوقيع على هذا البيان؟ هل ستصيغ رسالة بهذه المفردات؟ هل ستقبل التعايش مع هذا التنازل أو هذه المجاملة أو تلك؟
لم تطلب أن أكون نسخة منها ولا أريد أن أكون ذات النسخة، ولكني آمل أن أشكل ذات النموذج المتحدي للقوالب، أرغب أن يذكرني أصدقائي وصديقاتي بأنني مثيرة للأسئلة، محفزة على التفكير كما أتذكرها ونتذكرها نحن الذين واللواتي عرفوها..

حين كنا نحضر تأبين شخصية عامة نعرفها، كنا نخرج مسرعتين بألم.. سامية أوصتني وأنا أوصيتها "لا تصنعوا مني ملاكا حين أرحل.. أريد في حياتي ورحيلي أن تحفظو لي انسانيتي، كنت انسانة أحبها البعض ولم يحبها البعض الآخر وهذا طبيعي وانساني، وهكذا هي الحياة".. وأوصتني أيضا، "إن أردتم تكريمي بتأبين، فأرجوكم انتقوا المتحدثين/ات بحذر، أكره النفاق ولا أحتمل المجاملين على حساب الحقيقة وصدق العلاقة".

لسامية الخاصة قصة أخرى تشبه البحر كثيرا.. مرتفع موجه، يخفي دررا وعوالما من الجمال والسكينة ومفتاحه بيدها وحدها.. ابنة بحر يافا وحفيدة بحر الجزائر التي تنقلت بين المرافئ، قضت رحلتها الأخيرة على صخرة جبلية حاولت أن تحفر فيها اسم الوطن بخطها الخاص حين تعب الكثيرون وكفوا عن المحاولة.

من اقترب من سامية أو عمل معها، اختلف معها كثيراً لأنها شخصية حية لا تعترف بمسلمات لا يقبلها المنطق، الاختلاف معها والدخول في نقاشات صعبة له قواعده، فلا شخصنة للاختلاف على فكرة، ولا نميمة في الظلام وقبلات نفاق في وضح النهار، بقيت بوصلتها واضحة ونقية "حق تقرير المصير والحرية وانهاء الاحتلال ومجتمع يسوده العدل والمساواة"، وبوصلة سامية لم تنحرف يوماً ولم تهتز، مقاتلة على طريقتها ونزيهة كما جاء في الكتب، مقاتلة انسانة ونموذج لا يشبه أحداً.

رحلت سامية قبل شهر النساء بقليل، وبرحيلها فقدت الحركة النسوية مرآة تعكس صورة الحركة كما هي بدون تجميل، خسرت صوتا مقاتلا ومنتصرا لقضايا الوطن وقضايا النساء.. أما أنا فخسرت معلمة وصديقة، وخسرت قطعة من قلبي!
لروحك السلام والمجد سامية.. أحبك

*رئيسة تحرير شبكة نوى

*مديرة مؤسسة فلسطينيات

 

كاريكاتـــــير