حوار: محمد حربي
صدرت مؤخرا عن هيئة قصور الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب طبعتان جديدتان لديوانين قديمين للشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، الأول هو "وش مصر" والثاني "الحلم في السجن" والذي حمل في الطبعة الجديدة اسما جديدا هو "مين اللي يقدر ساعه يحبس مصر" ، وهو الهتاف الذي أطلقته قصيدته القديمة "يتجمعوا العشاق" وردده الثوار في ٢٥ يناير ..
إصدار الهيئات الرسمية لدواوين زين، خاصة "وش مصر" يعد نوعا من المصالحة التاريخية مع شاعر عاش للنضال والشعر على مدى خمسين عاما . فقد بدأ زين كتابة الشعر ونشره باستمرار منذ عام ١٩٦٢ في جريدة المساء ، ولكنه لم يصدر سوى بضع دواوين ، عانى أولها "وش مصر" عنتا كبيرا من الرقيب وحتى صدور الطبعة الأولى من الديوان عام 1971، وفي عام ١٩٧٣ ، تعرض الشاعر لقمع جديد بعدما قررت جيهان السادات منعه من النشر بعد قصيدة "الفلاحين"..
هذا حوار يصمت فيه الشاعر – رغم أنه حكواتي يملك كنزا خرافيا من الحكايات عن نضاله الطلابي في عامي ١٩٦٨ و ١٩٧٢) ، والشعري على مدى خمسين عاما ، يصمت الشاعر وتتكلم القصيدة ..
صباح الخير أيها الشعر …
ماذا تعني الكلمة لك بعد خمسين عاما من اقتراف ذنب الشعر ولمن تغني؟
• "لانطق كلامي للبلد جدعان / يحكوا عن الشعرا اللي عرفوا من زمان / إن الأمان : دفن اللسان في الحلق "
هذه إدانة وليست إجابة .. لماذا تغني ولمن؟
• "افرش كلامي للقمر سلم / يطلع عليه الشعر يتكلم / يطلع عليه الشعر يتألم / ويتبسم / ويرقص الجدعان في ليل الصيف / ويغني للريف اللي جاد بالقمح / ويغني للقمح اللي جاد برغيف "
ولدت في شبرا ، وعشت في امبابة والجيزة والمنيل والمقطم .. ;كيف كانت علاقتك بالقاهرة؟
"عريان ونادر هدمتي ليكي/شاعر وشابيل ع الكتاف قلبي/فتحت عيني وسط حواريكي/ عيل بيلعب ع التراب يحبي
وماذا رايت في قاهرتك في الصبا؟
• "وصرفت عيني اصطنت واسمع / الموت بيرقص رقصة الكوليرا / جوه البارات بيعلقوا الزينة / والفلاحين يتباعوا في المينا "
هل حيرتك القاهرة وأربكت قصيدتك ؟
• " يا أمي العجوزة انتي مين قولي / سد وحديد ف اسوان وفي الشلال / والفلاحين لو يجمعوا اللولي / هيرقصوا الموال "
ما حكايتك مع الفلاحين – تغني لهم كثيرا مع أنك ابن العاصمة؟
• "الفلاحين بيغيروا الكتان بالكاكي / ويغيروا الكاكي بتوب الدم / وبيزرعوك يا قمح ويا السناكي / وبيزرعوك يا قمح سارية علم / وبيدخلوكي يا حرب قمح الحريقة / وبيزرعوكي يا مصر شمس الحقيقة "
أي حرب ؟ الحرب انتهت من زمن .. ألم تسمع السادات وهو يقول إن أكتوبر آخر الحروب ؟
• " الحرب لسه ف أول السكة / اتفجري يا مصر / اتفجري بالحرب ينطلق النهار / اتفجري بالحرب ضد الجوع / وضد القهر / ضد التتار "
ـ وهل سيكون الفلاحون وقودا للحرب دائما ؟
• " الفاحين ضموا غيطان القمح / رفعوا الرايات في الفجر متندية / رفعوا السنابل بنادق / غنوا البنادق ورود"
تتحدث دائما بحزن عن أحوال الفلاحين ، مع إن الريف تطور ودخل الفلاحون البرلمان بكثافة ؟
• " في الفلاحين لسه البيوت الطين / حاشا تخش الشمس جواها / حاشا الطحين / ريحة الطحين حاشا تفوح م العصر / قالوا اللي بيبيعوا الكلام في القصر / الريف جناين مصر / والفلاحين نوار وعتر وزهر / واللي شايلين ع الكتاف الفجر / في الفاحين لسه غيطان القهر "
ـ من الذين يبيعون الكلام في القصر ؟ في كل قصر ؟
• " وكان له عين عصفور يغني للخلاص / وعين رصاص / ووش شمع / وجفن دمع / ورمش سل... / وقلب مسقي غل / وضحكتين بارود / وشفتين ورود دبلانه من سنة"
من هو ؟ من تقصد؟
• "يشق له في الليل طريق / ويحل دم اخوانه ف الجرنان / ويبلغ السلطان / ويبيع شباب بنص حزمة ورق / وفي المسا ينعس على سرير العرق / ويمد ايده ع القلم / يكتب .. يبيع / يدبح بكفيه الربيع "
• هل تعني شاعرا بعينه ، أم كل من خانوا ؟
• "قال له القلم قبل النهار ما يبان / يا ويله شاعر خان / يا ويله شاعر خان"
لماذا تنحاز دائما للفقراء ؟ هل هذه مهمتك كشاعر أم مناضل؟
• " الصيادين غلابة / الفلاحين غلابة / الشغالين غلابة / احمينا م الديابة / احمينا م الديابة / قبل ما نبتدي نغير الأساس / ونطهر القلوب بمية العمل "
دعنا نعود إلى تاريخك ، فقد ارتبط اسمك بثورة الطلاب في فبراير ونوفمبر ١٩٦٨ ضد السلطة الناصرية ؟
• " طلعت كلاب الحراسة / في الشمس لا بسة البلاطي / فاتت في جنبي الرصاصة / عرتني ، باتت في باطي "
لماذا كانت ثورتكم وخاصة انها جاءت بعد سنة تقريبا من الهزيمة في 1967 ؟
• "رفعوا الرايات القديمة / متلطخة بالإهانة / سكروا بخمر الهزيمة / شبعوا بفلوس الخيانة "
وكيف واجهتم القمع ؟
• " أحلى غنا كان غنانا / خرسه الرصاص المعدي / إعلي يا راية الإدانة / قيدي شموسك في يدي / دا احنا الحطب ف الخيانة / واحنا صحاب البلد دي
كيف كان خطابكم للجماهير التي لم تكن تفهم ثورتكم التي تعرضت للتشويش الإعلامي ؟
• "احنا اخواتكو / احنا ولادكو / واللي بنعملوا ده علشانكو / احنا النفس الطالع منكو / احنا الصدر الحاضن طيركو / احنا اخواتكو / احنا ولادكو / واللي بنعملو ده علشانكو "
- حتى وإن وقع منكم شهداء ؟
• "شايلين أحلامهم في إيديهم / خارجين ألوفات/ شايلين أعلامهم في عينيهم / شبان، رجاله ، بنات ، ستات / راجعين أحلامهم في ايديهم ويا الأموات "
- ولكن هذه الكلمات كانت للطلبة في عام ١٩٤٦ في خميسك الدامي؟
• "شهدا ماشيين ف جنايز بعض / شهدا من فوق الاكتاف / شايلينهم شهدا فوق الأرض / يا بلدنا يا بطن كبيرة / كبيرة وبتخلف / ترجف / تنزف / تزرع شهدا / تحصد شهدا "
- في رقبة من تضع دماء هؤلاء الشهداء منذ عرابي للآن ؟
• "عناقيد الشهدا بتطرح في الشارع / الجوع .. الخنجر / الحراس .. العسكر / في الشارع / يا تموت مقتول / يا تعيش قاتل "
- هذا تعميم قد يهدر دماء الشهداء ؟ من تتهم بقتل الشهداء ؟
• “ هو العدو بس اللي لف وقتلك / واللا اللي سرقك م البارود للسكوت / هو العدو بس اللي لف وقتلك / واللا اللي قبل الموت بنى لك تابوت / هو العدو بس اللي لف وقتلك / واللا العدو كل اللي يقدر يخون / هو العدو بس اللي لف وقتلك / واللا اللي قبل الموت بنى لما السجون "
- هل تكره السجون وهي التي أطلقت قصائدك وجمعتك بكل العشاق من أصدقائك الطلبة في ٦٨ .. بهاء الدين شعبان وأحمد رزة و شوقي الكردي.وأبطال ٧٢ مثل عبد الحميد العليمي وغيرهم من عشاق الوطن - ألم تكن رحلتك في السجون بداية الشعر والعشق والوطن ؟
• “ يتجمعوا العشاق في سجن القلعة / يتجمعوا العشاق في باب الخلق / والشمس غنوة م الزنازن طالعه / ومصر غنوة مفرعة ف الحلق / يتجمعوا العشاق في الزنزانة / مهما يطول السجن مهما القهر / مهما يزيد الفجر بالسجانه / مين اللي يقدر ساعه يحبس مصر "
- عندما غنى الشيخ إمام هذه الأغنية تحولت إلى شفرة سرية – علنية للنضال والمظاهرات منذ أوائل السبعينيات حتى ثورة ٢٥ يناير ؟ كيف ترى الثورة وكيف ترى يناير ؟
• “ أبدأ بإيه القصيدة / أكتب قصيدة يناير / عن الحواري اللي حاربت / عن الرصاص في الحناجر / يهزم رصاص العساكر / عن العيال والحجارة / كانت بتبني المنارة / وتنادي شمس الفقارى / يا شمس مصر القوية / يا شمس كل الجراح / مدي دراعك حصان "
- تغني ويغني الشيخ إمام للتلامذة والطلبة ، وتتذكر دائما عبد الحكم الجراحي الذي استشهد في مظاهرة طلابية عام ١٩٣٥ ضد الانجليز .. ماذا كتبت للجراحي بعد هزيمة يونيو ، خاصة وأنك كتبت القصيدة في ٢٠ يونيو ١٩٦٧ ؟
• “ باكتب لك / لاجل امسح عن قلبي عار الخوف والرجفة / امسح عن رجلي ذل الوقفة / باكتب لك / لاجل اهرب م الموت جوايا / ترفع ايديك ويايا بالرايه / تمسح ايدك على جدري تورقني / تمسح اديك على قلبي / في بحور الدم تغرفني /
• ما انتش اول واحد ولا آخر واحد / يا حبيبي يا حباية عنقود شهدا / باكتب لك وباحس بروحي بتتاخد / وانا في الاوضه / مش تحت الشمس على الكوبري / مش وسط رصاص الظابط والعسكر / أنا في الأوضه / بانهج .. باجري / ارفع علمك / انا مش قادر أمسك قلمي / ما انتش اول واحد ولا آخر واحد يرفع علمي "
غيرت تجربة السجن كثيرا من رموز اليسار ، فخرجوا غير ما دخلوا .. كيف رصدت تجربة السجن الأولى لليسار بين ١٩٥٩ و ١٩٦٤ ؟
• “ قاضي القضاه حكم نعود / لمينا جرح اتنين تلاته / وجينا في مركب بارود / قبل البلد بشويتين .. طقت / دخلنا بدمنا / راح كل واحد في مكان / اللي بلع جرحه في قلبه واستحمى بضحكته / واللي يتاجر في الحنان / واللي ما عارف سكته / واللي رقد في سكة السلطان جبان / واللي انطهم على لقمته / واللي يتاجر في الحكايه وبات يجز ف لحمنا / راح كل واحد في مكان / واما اتقابلنا بعدها / كنا نسينا بعضنا "
لكنك لم تنس غربة السجون التي دخلتها في القلعة وباب الخلق والاستئناف ؟
• “ في الغربه طالني من صريخ امي حجر / خشوا العساكر يا ابني في اخرام البيبان / لموا ما سابوا ليك أثر / فاتوا العساكر ع السما / خبوا النجوم / داروا القمر / فاتوا العساكر ع الغيطان / ما فضلش في السكه شجر / قالوا يا ترجع تنحني وتبوس كلام بيزوقوه / يا تموت بعيد من غير كفن / ولو تموت يخفوا البدن ويتوهوه / اركع لهم يا ابني وهات الخير وعود / الخير يا امي ملو البلد / والخير في قلبي بس مش هاركع لحد "
كيف يكون الخير "ملو البلد" و"وش مصر" غطاه طين طوال التاريخ ؟
• “ وشك عليه الطين تلول / وشي ما داقش النور سنه / شلت الهرم على غنوتي صوتي انتنى / زادت على صدري الحمول / يا مصر يا ام الغز والسلطنه / فاتوا الشراكسه الحمر ف ترابك / والانجليز والترك والمماليك / وبإيد حديد بيقفلوا ابوابك / وبإيد نحاس بيسمروا الشبابيك "
ما هي ملامح أزمة مصر التي رصدتها تاريخيا ؟
• “ إيه أتقل من جزمه غريبه ف أرض بلدنا / من إيد نجسه بتسرق زادنا / من رايه غريبه بتعلا في الميادين / من كلمه شريفه محرومه تخش الجرانين "
وكيف تستعيد مصر "وشها" الجميل ؟
• “ يا كلمه يا خنجر جوه الحلق / هزي بلدنا / من جوه الجامعه / وفوري ودوري وصحي الخلق "
تدعو للمظاهرات من ١٩٦٢ حتى الان ، مع ان المتظاهرين يتعرضون للموت منذ ١٩٤٦ .. كيف تتذكر تاريخ الدم ؟
• “ كانوا تمانيه عسكر / ع الراس حديد مصنفر / جوه العيون مشانق / وفي الايدين بنادق / وكان جدع صغير / في الصدر كلمه فايره / وعيون نظرتها حايره / لقيوه جوه المظاهره / شدوه لوحده بره / فاتوه ع الارض عضم / وكوم هدوم بلحم / واتدوروا بامان / رايحين على السرايه يتسلموا النيشان "
( الإجابات من ديواني "وش مصر" طبعة هيئة قصور الثقافة و "مين اللي يقدر ساعه يحبس مصر" طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب )