شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025م02:17 بتوقيت القدس

بطونٌ منتفخة وقلوبٌ ذابلة.. أطفال غزة في قبضة "المَجاعة"!

14 اعسطس 2025 - 13:05

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

داخل غرفة صغيرة في مستشفى الرنتيسي للأطفال غربي مدينة غزة، يخيّم الصمت إلا من همسات أمّين تتبادلان القلق على رضيعيهما اللذين يزدادان نحولًا مع مرور الشهور. المجاعة التي تحاصر القطاع منذ شهور سرقت من الأطفال صحتهم وطاقتهم، وبدّدت ملامح الطفولة في وجوههم.

تمام البحطيطي (33 عامًا)، تضم طفلها عبد الرحمن، البالغ من العمر عامًا وأربعة أشهر، وقد توقف وزنه عن الزيادة منذ ستة أشهر. تقول بصوت متهدج: "لا يتناول طعامًا صحيًا، لا بيض، لا فواكه ولا خضار، يفتقد للكالسيوم منذ ولادته. لم يكبر كباقي إخوته، بل يزداد نحولًا، لا يمشي ولا يزحف". تحاول أن تطعمه قليلًا من السيريلاك حصلت عليه من متبرع، بعد أن انقطع حليب الأطفال العلاجي كما انقطعت كل المواد الغذائية التي يحتاجها للنمو.

تستعيد تمام أيامًا لم تكن تعرف فيها الجوع، حين كانت تسلق البطاطا وتهرسها لأطفالها، وتقدم لهم عصير البندورة مع الخبز، وأطعمة أخرى تغذي الجسد الصغير وتعينه على النمو. لكن عبد الرحمن وُلد في زمن لا طعام فيه. لم تنزح من شمال القطاع في بداية الحرب، ووضعت طفلها بعملية قيصرية بعد إصابتها، ومكث في الحضانة ثلاثة أيام ثم تحسنت صحته، حتى بدأت أعراض سوء التغذية قبل ستة أشهر. تنظر إلى بطنه المنتفخ ويديه النحيلتين ووجهه الشاحب، وتقول: "لو توفر الغذاء الجيد لما احتجنا المستشفى. حتى طفلي الأكبر، عمره 12 عامًا، فقد عشرة كيلوغرامات من وزنه وأصبح يشتكي من التعب عند المشي".

حنين الكفارنة (23 عامًا)، تحمل طفلتها جوليا، ذات العام وشهر، وقد نال منها النحول أيضًا. تقول: "قبل جوليا تعرضت للإجهاض بسبب اتساع عنق الرحم، لكن هذه المرة أخذت احتياطاتي، وولدت جوليا بوزن ثلاثة كيلوغرامات وبصحة جيدة. كل شيء تغير قبل ستة أشهر، حين بدأت أعراض سوء التغذية تظهر عليها".

تروي أنها أثناء الحمل لم تحصل على تغذية مناسبة: "لا حليب، لا بيض، لا لحوم، ولا أجبان. حتى العلاج كان باهظ الثمن. ولدت جوليا بشكل طبيعي، لكن سوء التغذية أثر عليها. صحيح أنني أُرضعها، لكنهم أخبروني أن هذا لا يفيدها لأنني أيضًا أعاني من سوء التغذية".

تفتقد حنين كل مقومات علاج ابنتها، فالحليب العلاجي مفقود. في المستشفى وفّروا لها بعض الحليب والسيريلاك، لكنها تعرف أن التغذية السليمة لها ولطفلتها هي الطريق الوحيد للتحسن، وهو طريق مغلق ما دامت الحرب مستمرة والسلع الغذائية بعيدة المنال.

في قسم التغذية الذي استُحدث مؤخرًا بمستشفى الرنتيسي، يجلس الدكتور محمد بريكة أمام ملفات الأطفال الذين تنهشهم المجاعة. يقول: "استحدثنا القسم بعد تزايد حالات سوء التغذية، خاصة بعد توقف مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع عن العمل. لدينا الآن 30 حالة لأطفال دون سن الخامسة يعانون سوء تغذية شديد مع مضاعفات، ونستقبل يوميًا أعدادًا كبيرة أخرى".

الأزمة لا تتوقف عند نقص الطعام، بل تمتد إلى العلاج نفسه. فأنواع الحليب العلاجي الخاصة بسوء التغذية ((F100 وF75) ) نادرة لدرجة أن المستشفى يضطر للبحث عن عبوة أو اثنتين في أماكن أخرى.

يشرح أن الأسرّة المحدودة تجبرهم على المفاضلة بين الحالات، فيُعالج من هم في مرحلة الخطر، حين تبدأ المضاعفات في التأثير على أجهزة الجسم. ويؤكد أن نحو 70-80% من أطفال غزة يعانون سوء التغذية، تحسنت أوضاعهم قليلًا خلال الهدنة مع تحسن وصول الغذاء، لكن الوضع تدهور مجددًا مع اشتداد الحصار وإغلاق المعابر. ويضيف: "أحصينا 103 أطفال تُوفوا بسبب سوء التغذية".

الأزمة لا تتوقف عند نقص الطعام، بل تمتد إلى العلاج نفسه. فأنواع الحليب العلاجي الخاصة بسوء التغذية ((F100 وF75) ) نادرة لدرجة أن المستشفى يضطر للبحث عن عبوة أو اثنتين في أماكن أخرى، وحتى الأدوية الخاصة بالمناعة والجلد، ومحاليل الإشباع، والفحوصات المخبرية، كثير منها غير متوفر. "إذا احتجنا الفحص بشدة نكتب على الورقة: عاجل"، يقول بريكة بأسى.

سوء التغذية يمر بمراحل؛ يبدأ بنقص الوجبات والسعرات الحرارية، فينخفض وزن الطفل وتظهر علامات سوء التغذية المتوسط الذي يمكن علاجه بالعودة للتغذية الطبيعية.

المنظمات الدولية التي كانت توفر هذه المستلزمات، كمنظمة الصحة العالمية و"يونيسف"، باتت هي الأخرى محاصرة. معظم الأطفال الذين يصلون للمستشفيات لم يكن لديهم أمراض مزمنة، لكن نقص الغذاء يجعلهم عاجزين عن مقاومة أي خلل صحي.

يوضح بريكة أن سوء التغذية يمر بمراحل؛ يبدأ بنقص الوجبات والسعرات الحرارية، فينخفض وزن الطفل وتظهر علامات سوء التغذية المتوسط الذي يمكن علاجه بالعودة للتغذية الطبيعية. وإن لم يحدث ذلك، يدخل الطفل مرحلة سوء التغذية الحاد: تبرز عظامه، تقل حركته، ويميل للنوم، ثم تبدأ السوائل بالتجمع تحت الجلد، ويصاب بحساسية جلدية، ويتساقط شعره، ويضعف بصره، وتتأثر وظائف القلب والكبد والكلى، حتى ينتهي الأمر بفشل أعضاء الجسم والوفاة.

في تموز/ يوليو 2025م، نشرت منظمة الصحة العالمية أن واحدًا من كل خمسة أطفال في مدينة غزة يعاني سوء التغذية، وأن 5000 طفل دون الخامسة راجعوا العيادات لعلاج سوء التغذية، 18% منهم في حالة حادة تهدد حياتهم.

يختم بريكة حديثه بلهجة حاسمة: "المطالبة بإدخال الإمكانات العلاجية مهمة، لكن الأهم هو فتح المعابر وإدخال المواد الغذائية التي تكمل الهرم الغذائي. حينها سيعود الأطفال لبيوتهم ولن يحتاجوا المكوث في المستشفى".

كاريكاتـــــير