غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في ذلك اليوم، أمسكت دينا الدواوسة بكيسٍ صغير، قلبها خفق بنشوة مفاجئة، وكأنها المرة الأولى التي ينبض فيها منذ شهور. وسط ضجيج السوق المزدحم وباعة ينادون على بضائع شحيحة، سمعته يصرخ: "مُحلى بديل السكر متوفر عندي، تعال اشترِ بالكمية التي تريدها".
في زمنٍ وصل فيه سعر السكر إلى 350 شيكلًا، بدا الأمر كنزًا صغيرًا في يدها. عادت إلى بيتها متلهفة، وقد أعدّت في رأسها مشهدًا بسيطًا لكنه حالم: عائلتها مجتمعة حول أكواب الشاي، يبتسمون بعد أول رشفة حلوة منذ شهور. لكن الطعم لم يكن كما توقعت. "كنت سعيدة جدًا بعد ما اشتريت المُحلى خاصة أننا نعيش في مجاعة ونريد طاقة تسندنا، ولكن لم يكن طعمه مقبولًا"، تقول دينا، مشيرة إلى أن أهلها "لم يكملوا كاساتهم، شعرت كأنني وقعت في الفخ".
لم تتوقف القصة عند الطعم، فقد أصيبت هي وشقيقها بمغص شديد وإسهال استمر لأيام، ولم يخطر في بالها بدايةً أن المُحلى هو السبب، فالمياه الملوثة كانت متهمة دائمة. لكن عندما حاولت مجددًا، هذه المرة على كعكة منزلية صنعتها بدون بيض أو حليب، تكرر الألم والإسهال عند أفراد العائلة، هنا ربطت بين المادة البيضاء في الكيس وبين العوارض. لاحقًا، أكدت تحذيرات على مواقع التواصل، نشرتها وزارة "الصحة"، أن المشكلة تكمن في ذلك "المُنقذ" الصناعي.
اليوم، وبعد وقتٍ قصير مرّ على تلك الحكاية، تغيّر المشهد قليلًا. دخلت أخيرًا شحنات من السكر إلى قطاع غزة، ومعها شاحنات محملة بالبضائع للتجار، في إطار كميات محدودة سمحت بها "إسرائيل" بعد ضغوط دولية. ورغم أن الكميات ما زالت أقل بكثير من حاجة السوق، وتوزيعها لا يزال غير متوازن، فإن عودة السكر الطبيعي رفع عن الناس جزءًا من العبء، وأعاد لهم مذاقًا كانوا قد نسوه. لكن ذاكرة "السكرالوز" وما جلبه من أوجاع تبقى حاضرة، كتذكير مرّ أن البدائل في زمن الحصار ليست دائمًا خلاصًا، بل قد تكون فخًّا قاتلًا.
وزارة الصحة في غزة كانت قد حذّرت من انتشار مادة محلاة صناعيًا تعرف بين العامة باسم "سكر اللوز"، وهي في الحقيقة "السكرلوز" (Sucralose)، ولا علاقة لها باللوز، ولا تحمل أي قيمة غذائية.
يعقوب مطر كان يظن أنه أكثر حذرًا. منذ إغلاق المعابر خزّن السكر لعائلته، لكن المخزون نفد. نصحه صديقه بشراء "بديل السكر" الذي يستخدمه في العصائر التي يبيعها، فاشترى ما يكفي ليصنع الشاي لأطفاله. بعد ساعات، امتلأ البيت بصراخهم وبكائهم من ألم المغص. "نقلتهم إلى المستشفى، فتبين أن السبب هو المُحلى، وحذرني الأطباء من استخدامه مرة أخرى"، يروي يعقوب، متسائلًا بمرارة: "كيف يتجرأ الباعة على عرض منتجات مضرة؟ إلى متى سنبقى دون رقابة؟".
وزارة الصحة في غزة كانت قد حذّرت قبل ذلك من انتشار مادة محلاة صناعيًا تعرف بين العامة باسم "سكر اللوز"، وهي في الحقيقة "السكرلوز" (Sucralose)، ولا علاقة لها باللوز ولا تحمل أي قيمة غذائية، ويُمنع بيعها دون بطاقة بيان واضحة، لكن الفوضى في السوق جعلت التحذيرات تصطدم بالواقع.
شهد المجدولاي، المصابة بالسكري، كانت ترى في أي بديل للسكر فرصة للبقاء بعيدًا عن غيبوبة قد تقتلها. "شعرت وكأنني في الجنة بعد سماعي عن بديل السكر"، تقول، وابتكرت حيلة بتخزين كعكة صغيرة بالمحلى لتأكل منها قطعة كل ليلة. لكنها اكتشفت سريعًا أن الطعم "كالدواء غير المحبب"، فتركت الكعكة للقطط في الشارع. حتى هذه التجربة المحدودة تسببت لها بمغص وإسهال استمرا أيامًا. ومن قلب المعاناة، وجهت نداءً: "على وزارة الاقتصاد أن تراقب السلع وتصادر هذه البدائل المضرّة".
الأطباء يرون أن المشكلة أعمق من مجرد طعم أو عارض مؤقت. د.صالح الطويل، أخصائي تحاليل أدوية وسموم، يوضح أن المحليات الصناعية هي مواد كيميائية أحلى من السكر، لكنها بلا قيمة غذائية، وأكثرها شيوعًا السكرلوز. استخدامها اليومي والمفرط قد يؤدي إلى أضرار تصيب الأعصاب والكلى، واضطرابات عصبية كالصداع وقلة التركيز.
"إن استمر استخدامها عشوائيًا سنشهد حالات تسمم مزمن واضطرابات صحية، وسيكون عبء العلاج ثقيلًا على القطاع الصحي".
ويحذر من إعطائها للأطفال، والحوامل، ومرضى الكلى، وكبار السن، مشددًا على أن البدائل الطبيعية مثل التمر والعسل، رغم غلائها، أكثر أمانًا. "إن استمر استخدامها عشوائيًا سنشهد حالات تسمم مزمن واضطرابات صحية، وسيكون عبء العلاج ثقيلًا على القطاع الصحي"، يقول الطويل، داعيًا إلى منع بيع البودرة الخام غير المعلبة كضرورة صحية وأخلاقية.
كما أسلفنا، فإن عودة السكر الطبيعي -رغم أسعاره العالية- رفعت عن الناس جزءًا من العبء، لكن ذاكرة "سكر اللوز" وما جلبه من أوجاع تبقى حاضرة. نحن الآن نُذكّر بأن البدائل ليست دائمًا خلاصًا، بل يمكن أن تكون فخًا قاتلًا.























