شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025م03:30 بتوقيت القدس

جلبه لشقيقته الصغرى من "فم الموت"..

قذيفةٌ اغتالت "وعدًا صغيرًا".. وصَلَ "المُكمّل" ورحل "عز الدين"!

29 يوليو 2025 - 10:13

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

باكيت مكمل غذائي وبعض النقود، هذا كل ما وجدوه في جيب الطفل الشهيد عز الدين السلطان (13 عامًا)، الذي ذهب إلى حدود الموت لبيع المياه، بعدما وعد شقيقته بجلب المكمل الغذائي لها!

تقول والدته هبة السلطان: "انكسر ظهري باستشهاده، لحق بوالده الذي استشهد في الشهر الأول من الحرب، وتركنا دون معيل نواجه أعباء الحياة وحدنا. وبعدما كنا أبناء عز، ذاق أولادي ذلّ اليُتم والنزوح وضيق ذات اليد".

"عز الدين ابني كان سابقًا لسنّه، هو الأكثر تعلقًا بوالده، ومع ذلك كتم حزنه عليه كي لا يزيد همومي، لكنني كنت أشعر ببكائه. ابني كان متفوقًا في المدرسة، ووالده كان شديد الفخر به".

داخل خيمةٍ ضيقة على شاطئ بحر غزة، تقيم السيدة هبة مع أبنائها الأربعة وابنتها، تتجرّع مرارة فقدان طفلها عز الدين. تقلّب في هاتفها ذكرياتٍ كانت تملؤها ضحكته، وتبدأ بسرد الحكاية: "نزحتُ مع أبنائي من بداية الحرب إلى خيمةٍ في النصيرات وسط قطاع غزة، وظلّ والدهم في بيتنا بمنطقة التوام شمالًا، حيث استُشهد أثناء قصف الاحتلال للمنطقة".

عانت هبة، المكنّاة "أم فادي"، مرّ النزوح من مكانٍ لآخر، عشر مرات جربت النزوح وحدها مع صغارها الذين لم يستوعبوا بعد رحيل والدهم المفاجئ، وبقائهم في الحياة دون سند. "كنتُ أدّخر ما يتوفر لي من مال من أجل تكاليف النزوح، فضّلت النزوح إلى خيام ومراكز إيواء (مدارس) من أجل ضمان وجود تكيات تساعدنا على توفير الطعام ولو بالحد المعقول"، تقول.

تتحسر السيدة على أيام كانت هي وزوجها وأبناؤها يعيشون في بيتهم وسط أرضهم، بينما يمتلك زوجها مزرعة للمواشي. كلّه خسروه خلال الحرب، وبعدما كانوا يعيشون في حياة رغيدة، باتوا بحاجة إلى ما يوفر الحد الأدنى من سبل الحياة.

تقول هبة: "عز الدين ابني كان سابقًا لسنّه، هو الأكثر تعلقًا بوالده، ومع ذلك كتم حزنه على أبيه كي لا يزيد همومي، ولكن كنت أشعر ببكائه. ابني كان متفوقًا في المدرسة، حتى أبيه كان شديد الفخر به، ويقول لي إن عز الدين مميز وسيكون له شأن عندما يكبر".

مع دخول الهدنة حيّز التنفيذ في يناير 2025، عادوا إلى بيتهم نصف المدمر. هنا يقول جدّه، أبو وسام: "كان الطابقان الثالث والرابع مدمرين تمامًا، وأول طابقين تدمير جزئي، استخدمنا بعض الشوادر من أجل العيش في البيت. عز الدين كان ساعدي الأيمن، يجمع الحطب لي، ويساعد في كل شيء".

يبكي الجدّ وهو يتابع: "أتحسر عليه، مثلما كان متفوقًا في دراسته كان موهوبًا في لعب كرة القدم". يفتح الجد هاتفه النقال، ويعرض صورًا لعز الدين، ويكمل: "هذه صورته مع مدربه. استُشهد منذ الأيام الأولى لاستئناف الحرب، هو قريبنا ويسكن قرب بيتنا".

عايش الطفل الصغير مرارة الحرمان من الطعام مع دخول المجاعة مرحلة متقدمة، حتى فقد من وزنه الكثير، إلا أن أكثر ما آلمه هو أن أخته الصغيرة جنى اشتهت المكمل الغذائي.

تكمل هبة: "عز الدين كان يساعدني في جمع الحطب، وإشعال النار، وتعبئة جالونات المياه. نشيط ويحب مساعدتي في كل صغيرة وكبيرة، حتى أيام عشنا في خيمة، كان يرتبها معي".

عايش الطفل الصغير مرارة الحرمان من الطعام مع دخول المجاعة مرحلة متقدمة، حتى فقد من وزنه الكثير، وهو الذي حُرم من لعب كرة القدم والسباحة طوال فترة الحرب. إلا أن أكثر ما آلمه هو أن أخته الصغيرة جنى اشتهت المكمل الغذائي، الذي ارتفع سعره، ولم تملك أمهما المال لتوفيره.

تقول هبة: "أخبرني أنه سيبيع المياه المثلجة مع جارنا. في ظل موجة الحر وعدم وجود ثلاجات أصبح لهذه الصنعة سوق. رفضت كونه صغيرًا، لكنه أصر، وهنا قلت له ألا يبتعد عن شارع الجلاء. في اليوم الأول كسب بعض المال، وفي اليوم الثاني طلب من شقيقه براء، الذي يرافقه، الذهاب إلى نقطة توزيع المساعدات زيكيم شمالي قطاع غزة، لبيع ما تبقى من باكيتات مياه".

عما حدث يروي شقيقه براء (15 عامًا): "بعنا أغلب أكياس المياه، وبقي معنا 10، اقترح عز الدين أن نبيعهم في زيكيم، وبالفعل ذهبنا وبعناهم سريعًا للشبان الذين ذهبوا لحمل أكياس الدقيق. بعدها طلب مني أن نذهب إلى بيتنا في التوام لحمل بعض الأشياء لأمي، فنحن نزحنا تحت القصف ولم نحمل شيئًا. وضعنا أكوابًا وأدوات ومطبخ وغاز في الجالونات البلاستيكية التي كنا نبيع فيها".

أثناء عودة الطفلين، فوجئا بدبابة تطلق نحوهما قذيفة، وهنا قفز براء وصرخ على عز الدين: "اترك ما في يدك واجرِ!"، لكن فات الأوان. حين نظر براء إلى شقيقه وجده قد سقط في حفرة مضرجًا بالدماء، ولم يتمكن من حمله.

يتابع: "رأيت شابًا يجري، ساعدنا في حمل عز الدين إلى أقرب نقطة بعيدًا عن الخطر، وتركنا وعاد لينتشل شقيقه الشهيد. بقيتُ أنا نصف ساعة بانتظار سيارة تنقلنا، وهناك تجمّع حولنا شبّان، وأوقفوا سيارة بالقوة لتنقلنا. وصلنا المستشفى، وكان وضع شقيقي صعبًا، واستشهد هناك".

"اشتهت جنى المكمل، ووعدها عز الدين بأن يشتري لها باكيت حين يكسب المال. كان بالفعل أول شيء اشتراه، رغم أنه اشتهى الطعام وتمنى أن يتناول الخبز قبل استشهاده، لكنه مات جائعًا".

تبكي هبة وهي تكمل: "إصابته صعبة، القذيفة ضربت ظهره ورقبته ورأسه، ولم يكن هناك أمل في نجاته. لكن المشكلة أن الإمكانات الطبية أيضًا معدومة، ما يؤلمني وأبكي كلما تذكرته أنه طلب المياه، ولكن نظرًا لخطورة إصابته طلبوا من براء ألا يسقيه الماء كي لا تسوء حالته".

هنا تدخلت الطفلة جنى (11 عامًا)، وأحضرت معها باكيتًا فيه المكمل الغذائي الذي اشتراه عز الدين من أجلها. قالت: "سوف يبقى معي مدى الحياة، لن أفرّط فيه أبدًا".

تختم هبة: "اشتهت جنى المكمل، ووعدها عز الدين بأن يشتري لها باكيتًا حين يكسب المال، كان بالفعل أول شيء اشتراه، رغم أنه اشتهى الطعام وتمنى أن يتناول الخبز قبل استشهاده، لكنه مات جائعًا، لم يحصل على الطعام".

كاريكاتـــــير