شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 30 ابريل 2024م14:54 بتوقيت القدس

ظلال الحرب الثقيلة..

مشاهد تغزو بقسوتها نفوس أطفالنا.. ماذا نفعل؟

23 نوفمبر 2023 - 20:44

شبكة نوى، فلسطينيات: بقلم يافا سيف

ماجستير علم نفس

في كل لحظة تمضي، تتوالى الأخبار والمشاهد القاسية، معلنةً عن مأساة جديدة تلتهم الأرواح بلا رحمة، صور مروعة تعرض لنا حجم الدمار، حيث الدماء والأشلاء تغطي ملامح البراءة والشيخوخة على حد سواء، لا تتوقف الصور البشعة عن اقتحام وجداننا، فكل مشهد دامٍ يعقبه آخر أشد قسوة.

وسط هذا الواقع المؤلم الذي نعايشه كبالغين على تراب فلسطين، حيث الحياة تدور في فلك الأخبار المستمرة، وشاشات التلفاز لا تعرف الصمت، وألسنتنا لا تتوقف عن نسج التحليلات والتعليقات، ودموعنا لا تجف، هل توقفنا للحظة لنتساءل: كيف يعيش أطفالنا هذا الواقع؟ وكيف تؤثر فيهم هذه الشاشات التي لا تهدأ، وهذه الأحاديث التي لا تنقطع؟ هل فكرنا بصحتهم النفسية والجسدية والعقلية؟ وبواجبنا تجاههم؟ ربما هذه الأمور لم ترد على بال الكثيرين منا!!

"أصبحت تزوره الكوابيس ليلا، وأحيانا يبلل فراشه، وشهيته على الأكل لم تعد كما كانت"، هكذا قالت عبير أم للطفل محمد، وهو بعمر خمسة سنوات، يتابع محمد الأخبار ليلا ونهارا مع عائلته عبر التلفاز، ويستمع لكل ما يدور من حديث عن الاحتلال وجرائمه.

 تقول عبير :"لا أدري كيف لم أنتبه أنا أو والده الى خطورة هذا الامر على إبني، كنا مأخوذين بالأحداث غير مدركين لاحتياجات طفلنا، وخطورة ما نقوم به عليه".

أما مها فهي أم لطفلين،  وهما شادي بعمر العاشرة،  وماسة بعمر الثانية عشر، تقول :"تأثر ابني وابنتي بالأحداث كثيرا، أراهم يبكون عند مشاهدتهم للأخبار، يسألونني هل سيحصل لنا هذا أيضا؟ واذا متنا نحن أو متم أنتم كيف سيعيش كل منا بلا الآخر؟".

هذه الأسئلة جزء من هواجس كثيرة خطرت على بال هذين الطفلين، وهذا أمر طبيعي اذا كنا نضع أطفالنا تحت كل هذه الضغوط غير مراعين لحالتهم النفسية، وما سينتج عن ذلك من مشكلات واضطرابات نحن بغنى عنها.

بصوت قلق تكمل مها حديثها: "طفلي شادي أصبح يقضم أظافره، ولم يكن يفعل هذا من قبل، أما ماسة فتأتيها كوابيس وأراها أحيانا تنتف شعرها، وأيضا هذه العادة لم تكن لديها من قبل، ولا أدري ما أفعل؟".

عبير ومها حالتان تمثلان وضع معظم أمهات وآباء فلسطين وأبنائهم خلال هذه الأيام، لذا من الضروري الحديث عن الأضرار النفسية التي تقع على أطفالنا في مراحل نموهم المختلفة، حال بقينا متسمرين وراء شاشات الهاتف والتلفاز لمشاهدة الأخبار، غير آبهين بما يسمعونه أو يشاهدونه، ومن أبرزها شعور الطفل بالقلق والخوف من أن يحدث شيء مماثل له أو لعائلته، وما قد ينتج عن هذا الخوف والقلق من مشكلات عديدة مثل التبول اللاإرادي، وقضم الأظافر، وغيرها.

وقد يصاب الطفل باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وقد يلجأ الى تبني السلوكيات العنيفة التي يراها، مما يؤدي إلى مشاكل في التفاعل مع الآخرين.

ولا نستطيع إغفال إمكانية حدوث مشاكل النمو لديهم أيضا، لأن التعرض لمثل هذه المشاهد قد يسبب اضطرابات في النوم، مثل الأرق أو الاستيقاظ المتكرر، ما ينعكس على صحتهم الجسدية.

كما قد يعاني بعض الأطفال من تغييرات في الشهية سواء بالزيادة أو النقصان، وتمتد هذه الاثار لتشمل مشكلات في التركيز والتعلم نتيجة للتوتر والقلق، ولا تستغرب أن يمارس بعضهم الانسحاب والعزلة عن الأصدقاء والأنشطة الاجتماعية، وأن يصبح مهووسا بما يشاهد ويفكر به باستمرار دون توقف.

كما وأننا ككبار نشعر أحيانا بالعجز واليأس والإحباط نتيجة لما نراه، فإن هذه المشاعر أيضا تنتقل لأطفالنا سواء عن طريقنا أو مباشرة مما يشاهدونه ويتابعونه معنا، خاصة إذا كان الطفل واعيا ليدرك عدم قدرته على فعل شيء لتغيير ما يحدث على الأرض، وعدم امتلاكه لأية قوة ليدافع بها عمن يتعرضون للإبادة، فهذا سيكون محبطا جدا له. 

كيف نحمي أطفالنا من كل هذه التأثيرات النفسية؟

لا بد أن نلفت النظر الى أنه من الضروري أن نشرح للطفل بطريقة بسيطة تناسب عمره ما نواجهه من ظروف حتى يتفهم ما يحدث، فهذا سيساعده على تقليل مستوى الخوف والقلق الذي يشعر به.

ومن المفيد توضيح الوضع له أكثر عن طريق اللعب أو الرسم أو حتى عن طريق قصة قصيرة مفهومة تناسب سنه.

وعلينا كمربين وأولياء أمور أن نبذل كل جهد ممكن في تقديم أنشطة تعليمية وترفيهية تثري عقول أطفالنا، وتشغل أوقاتهم بشكل بنّاء ومفيد، كما يجب علينا إيلاء اهتمام خاص بالابتعاد عن تلك المشاهد المؤلمة والصور المؤذية، لما لها من أثر سلبي على صحتهم وصحتنا النفسية نحن الكبار أيضًا، فتلك المناظر قد تثير فينا مشاعر العجز والغضب، ومن الضروري الوعي بخطورتها وضرورة ضبط النفس لتجنب تفريغ هذا الغضب بشكل غير لائق أو عنيف تجاه أطفالنا.

كما أن علينا تعزيز التواصل بيننا وبين أطفالنا، والاستماع لمشاعرهم ومخاوفهم، وتشجيعهم على مشاركة هذه المخاوف والمشاعر مع أفراد العائلة، ما يزرع في قلوبهم الطمأنينة أكثر، ويشجعهم على العمل بشكل جماعي مع أفراد الأسرة.

ومن الضروري أن يحمل الحديث معهم التفاؤل والأمل، فنتحدث معهم عن مستقبل أفضل ونشجعهم على البقاء أقوياء ومتفائلين، ومن المهم أن نذكر أطفالنا دائما أننا عائلة نحمي بعضنا البعض، وسنوفر لهم الحماية والأمان دائما قدر استطاعتنا.

 وإذا كنتم كعائلة تعيشون في منطقة خطرة من الضروري توعية الأطفال بالمخاطر التي تحيطهم لكن بدون ترويعهم، وبدون مبالغة وتهويل، ومن الضروري تحذيرهم من الأماكن أو السلوكيات التي قد تعرضهم للخطر، وتعليمهم كيفية طلب المساعدة في حال الحاجة إليها، ما سيشعرهم بالثقة والتمكين  أكثر.

 ماذا إذا تعرض أطفالنا بالفعل لاضطرابات بسبب مشاهد الحرب الصعبة؟

التعامل الأمثل يكون بتقديم الدعم العاطفي المتمثل بالتواصل والحديث مع الأطفال بطريقة تناسب أعمارهم لتوضيح ما يحدث بطريقة لا تثير الخوف والقلق، وبث الطمأنينة في نفوسهم، وإظهار التعاطف، وفهم مشاعرهم والاستماع لها، وتشجيعهم بالتعبير عنها بطرق صحية، وتقديم الدعم والتأكيد على توفير الأمان لهم.

وحتى نتجنب تفاقم الوضع لديهم علينا أيضا حمايتهم من مشاهدة المحتويات المزعجة والمؤلمة على التلفاز والانترنت، ومراقبة استخدامهم لوسائل التواصل، وأن نشرح لهم أهمية تجنب هذا المحتوى.

ولعل من الأمور المهم مراعاتها هو توفير الروتين اليومي المنظم الذي يشعرهم بالاستقرار والأمان، وتشجيعهم على القيام بالأنشطة الهادئة والمريحة خاصة قبل النوم.

وكما نحتاج نحن الكبار الى ممارسة تمارين الاسترخاء، سيكون هذا مفيدا جدا لأطفالنا أيضا في مثل هذه الظروف، فنعلمهم كيف نقوم بتمارين التنفس العميق، ونشجعهم بالتعبير عن مشاعرهم بالرسم والتلوين، ونزوّدهم بالقصص المناسبة لأعمارهم، والتي من شأنها أن تساعدهم على الابتعاد ولو قليلا عن الواقع المرير.

وللعلاقات الاجتماعية أثر هام أيضا في تحسين الحالة النفسية للأطفال، كقضاء وقت مع الأصدقاء والعائلة في بيئة داعمة، وممارسة الرياضة والأنشطة الاجتماعية، مما يؤثر في تحسين الحالة المزاجية لهم.

وعلينا الاهتمام بمحاولة تزويد الأطفال بالغذاء الصحي المناسب، وترغيبهم به، وأن نتأكد من حصولهم على النوم الكافي والهادئ.

لكن في حال وجود أعراض صعبة وشديدة يتعرض لها الطفل، فمن الضروري عدم التردد في البحث عن منظمات إغاثية أو مؤسسات محلية قريبة تقدم المساعدة للأطفال في مناطق النزاع.

أخيرا، فإن التعامل مع الأطفال في حالات الحرب أو التعرض للإبادة، يتطلب صبرًا وحنانًا، ويجب أن نكون قادرين على التكيف مع احتياجاتهم المتغيرة، لما له من أثر على صحتهم النفسية والجسدية.

آملين السلامة لكل الاطفال.

كاريكاتـــــير