شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 17 مايو 2024م16:22 بتوقيت القدس

لتُعيل أسرتها النازحة..

حرب.. وطفلةٌ هَرِمت أمام "طشت" غسيل!

28 ابريل 2024 - 18:05

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تُمعن الطفلة مها السرسك النظر في قميصٍ كانت تغسله داخل وعاءٍ مملوءٍ بالماء والصابون. تلاحظُ بقعةً فتفركها من جديد، ثم تغسله بالماء وتضعه في "طشت" الغسيل الجاهز للنشر على الحبل، وتبدأ بقطعةٍ جديدة.

لقد اهتدت مها إلى العمل في غسيل ملابس وأواني النازحين/ــات من أجل كسب بعض المال؛ لإعالة والدتها وشقيقاتها الخمس (وبينهن اثنتان مريضتان)، وشقيقين صغيرين (عمرهما 4 سنوات).

تقول لـ"نوى" بعينين دامعتين: "الشمس أكلت راسي" (وهو تعبير عامي متداول تعبيرًا عن شدة حرارتها)، مردفةً بحسرة: "والله تعبت، بس ما باليد حيلة".

هذه هي التجربة الأولى لمها في العمل، إذ كانت قبل النزوح من شارع المنصورة بحي الشجاعية شرقي قطاع غزة إلى مدينة دير البلح في الوسط، طالبةً في الصف الحادي عشر، قبل أن يدمر الاحتلال مدرستها ومئات المدارس الأخرى.

تقيم مها (15 عامًا) برفقة أسرتها -التي هجرها الأب- في خيمةٍ صغيرةٍ ممزقة القماش داخل ساحة مستشفى شهداء الأقصى، وهي طوال الوقت تحاول الحصول على أي دخل لقاء خدمات تقدمها للنازحين في المشفى. تخبرنا: "أغسل الأواني والملابس للعائلات النازحة، وأقدم خدمات التنظيف لكل من يطلب ذلك".

وتتابع بقهر: "لازم كل يوم أبحث عن عمل لكسب بعض المال من أجل توفير احتياجات أمي وأخوتي. أنا على هذا الحال منذ خمسة أشهر".

وتضيف: "في الحرب لا أشعر أنني طفلة (..) أنا تغيرت كثير وحتى شكلي تغير. الشمس أكلت راسي وحرقت وجهي". 

ويبدأ نهار مها يوميًا مع شروق الشمس، وتقول: "لا أهدأ طوال اليوم.. أخرج من الخيمة بحثًا عن الماء وأحيانًا لا أجده داخل المستشفى أو في الأقسام، فأضطر للمشي مسافة كبيرة من أجل تعبئة الغالونات، سواءً للشرب أو للغسيل".

وليست مها الطفلة الوحيدة التي قلبت الحرب حياتها رأسًا على عقب، فالحرب تركت آثارها الثقيلة على حياة الكثير من الأطفال، خاصة من ذوي النازحين، الذين فرضت عليهم الحرب ظروفًا قاسية ووجدوا أنفسهم مضطرين للعمل الشاق يوميًا من أجل إعالة أسرهم.

وبعدما اضطرت مها وأسرتها للنزوح من منزلها الذي دمره الاحتلال بمدينة غزة، عملت لفترة في بيع الخبز الجاهز، الذي كانت تحصل عليه بصعوبة بالغة بعد الوقوف لساعات طويلة في طوابير أمام أحد المخابز بمدينة دير البلح، وتتحصل في نهاية اليوم على مبلغ لا يزيد على 30 شيكلًا. تعقب: "تراجع العمل في بيع الخبز، وفكرت في العمل بالغسيل اليدوي".

تكرر مها كثيرًا عبارة "الشغل مش عيب ومش حرام"، لكنها في الوقت نفسه تشعر بطعم المرار في حلقها، وقد أنهكها العمل منذ ساعات الصباح الأولى وحتى مغيب الشمس.

وتتمنى لو تنتهي الحرب وتعود إلى مدرستها وحياتها الطبيعية، وتكمل مشوار حلمها للالتحاق بكلية الشرطة فتصبح شرطية تحفظ أمن المجتمع وأرواح الناس وممتلكاتهم.

ووفقا لبيانات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فقد التحق في أغسطس/آب 2023م أكثر من 625 ألف طالب وطالبة بمقاعد الدراسة في القطاع، قبل أن يتوقف العام الدراسي في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي بسبب الحرب الإسرائيلية.

وتشير بيانات منظمات دولية إلى أن نحو نصف مليون طفل في قطاع غزة كانوا يحتاجون إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي قبل اندلاع الحرب، في حين تشير التقديرات اليوم إلى أن جميع أطفال غزة بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية جراء أهوال ما عاشوه.

وتركت الحرب آثارها الدامية والقاسية على حياة أطفال غزة، وبحسب آخر تحديث صادر عن جهات رسمية فلسطينية فقد استشهد 14 ألفًا و800 من الأطفال ذكورًا وإناثًا بنيران الاحتلال، في حين استشهد 30 طفلًا نتيجة المجاعة، وفقد 17 ألف طفل إحدى الوالدين أو كلاهما.

وباتت مشاهد الأطفال مألوفة وهم يقفون في الشوارع والميادين العامة على "بسطات" بيع متواضعة، أو يعملون باعة متجولين من أجل توفير مبالغ زهيدة تسهم في توفير بعض احتياجات أسرهم، في ظل واقع معيشي متدهور فرضته الحرب المصحوبة بحصار إسرائيلي مشدد.

أحد هؤلاء الأطفال وديع بربخ (6 أعوام)، يجلس أمام بسطة صغيرة لبيع عبوات المياه العذبة، قرب خيمة ملاصقة لمدرسة في مدينة رفح جنوبي القطاع، أوى إليها مع أسرته إثر نزوحهم من مدينة خان يونس هربًا من ويلات الاجتياح البري الإسرائيلي قبل نحو 5 شهور.

وكان والد وديع عاملًا داخل مناطق الخط الأخضر، وفقد عمله مع آلاف آخرين إثر هجوم طوفان الأقصى، وتدهورت أوضاعه المعيشية جراء الحرب واضطراره للنزوح مع أسرته المكونة من 7 أفراد.

لكن حياة أهالي القطاع لم تكن مزدهرة قبل اندلاع الحرب، حيث كانوا يعانون من حصار مطبق منذ منتصف عام 2007م، تسبب في رفع معدلات الفقر والبطالة، ورغم ذلك قال تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في مطلع فبراير/شباط الماضي: "إن استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل الحرب على القطاع ستستغرق عقودًا من الزمن، في إشارة لنتائج الحرب الكارثية وما أحدثته من دمار هائل".

وتشير تقديرات هيئات ومنظمات دولية إلى أن الحرب المدمرة التي طالت مختلف مناحي الحياة في القطاع جعلت 80% من الغزيين يعتمدون في معيشتهم على المساعدات الإنسانية.

وتسود مخاوف من أن التدهور الذي تسببت به الحرب، وأثر على حياة الأطفال في غزة، قد يدوم لسنوات طويلة، خاصة مع الدمار الهائل في البنية التحتية التعليمية.

صــــــــــورة