شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 04 مايو 2024م08:23 بتوقيت القدس

شكاوى من تعامل بعض الزبائن..

"ديلفري" تحت شمس آب: "لا حمدًا ولا شكورًا"

07 اعسطس 2023 - 14:39

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ما إن تأكد الشاب محمد الوحيدي من أن الطلبات كلها موجودة داخل صندوقه، حتى انطلق بدراجته النارية نحو العنوان الذي أملاه له للتو زبون. اخترق الشاب عباب "الحر" ومضى يغرقه عرق جبينه! يومذاك كانت درجات الحرارة أعلى من معدلها السنوي بمرات، وكان الرجل على شفا "إغماءة" لولا أنه كان يتوقف بين حينٍ وحين ليغسل رأسه بقليلٍ من الماء البارد. "الكارثة حين يلاقيك الزبون بغضبٍ لأنك تأخرت قليلًا.. هنا تشعر وكأن العذاب الذي كابدته تحت الشمس ذهب أدراج الرياح" يقول لـ"نوى".

تصب شمس الصيف لهيبها على المحاصرين هنا. في غزة، لا عزاء لمن يعملون تحت ألسنتها في آب! عمال البناء، والتوصيل، وتمهيد الشوارع، كلهم تحتها سواء، سقفهم السماء وقبعة.

ويقضي عمال التوصيل نهارهم كله على دراجاتهم النارية، يتصببون عرقًا في الطرقات. معظمهم من خريجي الجامعات الذين خانتهم ظروف الحصار، وجعلتهم يبحثون عن لقمة عيشهم في حرفٍ بعيدةٍ عن تخصصاتهم.

منذ عامين تخرج الوحيدي من كلية "أصول الدين"، فالتحق بركب البطالة كغيره من شُبّان المدينة المحاصرة. لم يجد أمامه حلًا سوى شراء دراجةٍ نارية، والعمل كمندوب توصيل للطلبات المختلفة، لكنه لم يكن يعرف ما ينتظره من شقاء في هذه المهنة.

"ليست المشكلة في الكسب المحدود، فذلك يهون مقابل تعامل البعض معنا. هناك من يظنون أننا عبيد عندهم"

يخبرنا: "ليست المشكلة في الكسب المحدود، فذلك يهون مقابل تعامل البعض معنا. هناك من يظنون أننا عبيد عندهم، أو أنه يحق لهم الصراخ في وجوهنا أو الاستعلاء علينا"، موضحًا أن بعض من يفعلون ذلك هم مراهقين وأصغر منهم سنًا، وأن بعضهم لم يكمل تعليمه أيضًا.

يؤمن الوحيدي بشرف كل المهن، وأن لكل مهنة احتياج وقيمة، ولهذا لم يرَ مشكلة في اختيار أن يكون مندوبًا للتوصيل طالما أنه يأكل لقمته بعرق جبينه وبأمانة، لكن نفسه أحيانًا (والحديث له) لا تهون عليه عندما يقابله أحدهم بعنجهية، وهو الذي أفنى من عمره أربع سنوات في الدراسة الجامعية، وحصل على شهادته بشق الأنفس. "البعض يأخذ منا الطلب ولا حمدًا ولا شكورًا، هذا يشاحننا، وهذا يتعامل بفوقية، وذاك يصب جام غضبه ومزاجيته على مسامعنا في الهاتف، هذا ناهيكم عن استغلال مكاتب التوصيل التي تفرض نفقات خدمة عالية".

يشير الشاب العشريني إلى يديه اللتان أحرقتهما الشمس، ويكمل: "في بادئ الأمر ظننت أن الجلد اكتسب لونًا أغمق بسبب حرارة شمس آب الحارقة، لكن ما أن ذهبت لطبيب جلدية حتى أخبرني بضرورة الابتعاد عن الشمس، واستخدام علاجٍ طويل الأمد قد يمتد لسنة". يردف بابتسامة قهر: "حينها سألت نفسي كيف! كيف سأبتعد عن الشمس وهي رفيقة الطريق؟ فتركته ومضيت موقنًا أن لا فائدة حتى من شراء العلاج".

محمد الحلو أيضًا، يعمل موصلًا للطلبات (ديلفري) منذ 5 سنوات، "عندما لم يكن هذا العدد من عمال التوصيل موجودًا في غزة" يقول.

يرى الشاب أن التنافسية بين موصلي الطلبات صارت عالية بسبب ارتفاع أعداد الملتحقين بالمهنة يوميًا، منبهًا إلى أن عددًا كبيرًا منهم، هم من خريجي الجامعات.

وأضاف: "كثرة العدد جعلت مكاتب التشغيل تنتهج بحقنا سياسات مجحفة، أبرزها رفع الخدمات من 15% إلى 25% دون وجود مياه نظيفة في بعض الأحيان".

لا ينكر الحلو، أن تلك المهنة قد تكون مجدية في بعض المواسم كالأعياد، وعند نزول رواتب الموظفين، لكنها بالمقابل ذات تكلفة عالية لا سيما لو تعلق الأمر بـ"تصليح الدراجة، خصوصًا لو كانت تحتاج لقطع غيار غير متوفرة، فهنا ندفع الطاق طاقين" على حد تعبيره.

ويرى الشاب أن تخفيض بعض المكاتب ثمن التوصيل لـ 3 شواقل، يمثل مشكلة حقيقة بالنسبة للشبان الذين هربوا من شبح البطالة بتملك دراجة نارية.

أُصيب الشاب الحلو بمرضٍ في إحدى عينيه بسبب مكوثه تحت الشمس لفترةٍ طويلة يوميًا، لكن لا مجال أمامه لترك العمل.

أنهى الحلو تخصصان جامعيان، الأول دبلوم الطاقة الشمسية، ثم درس بعدها العلاقات العامة، ملفتًا إلى أنه كان على استعداد لدراسة المزيد فيما لو وفرت إحداها وظيفةً كريمةً له، خاصة بعدما أُصيب بمرضٍ في إحدى عينيه بسبب مكوثه تحت الشمس لفترةٍ طويلة يوميًا. "وهنا وجدتُ الحل في العمل بورديتين صباحية ومسائية، والابتعاد عن العمل وقت الظهيرة" يعلق.

ويفيد عمر الشوا، مالك أحد مكاتب خدمات التوصيل، بأنه خلال عمله في هذه المهنة، منذ عدة سنوات، تنقل بين عدد من المكاتب المختلفة سواءً كإداري أو كسائق، وتصادم مع كافة المشكلات السابق ذكرها، ولذلك كان حريصًا عندما افتتح مكتبه الخاص، على تلافي تلك الأزمات عبر سياسة تقضي بخفض الرسوم على الخدمات، وتثبيت التسعيرة للطلبات.

وبين أن مخاطر تلك المهنة ترتفع عن غيرها، سواءً في الصيف أو الشتاء، ولهذا يستلزم العمل بها الكثير من التجهيزات الخاصة، كالملابس الملائمة، وصيانة الدراجات بشكل مستمر للتأكد من توصيل الكهرباء بشكل سليم، وتوفير النظارات والقبعات للصيف، وفي الشتاء الحصول على زي من النايلون الكامل، مع تقسيم العمل لورديتين بين 30 سائقًا بهدف توفير الراحة التي تمكنهم من استكمال عملهم.

ويقول: "لا أؤمن بمبدأ أن الزبون دائمًا على حق، فغالبية من يعملون معي في المكتب هم من خريجي الجامعات، وفي حال حدثت إشكالية بين أحدهم وبين زبون، نجمع الاثنين عبر الهاتف ونستمع منهما معًا، ثم يتم حل الإشكالية بصورة مرضية للطرفين، خصوصًا في ظل التنافسية العالية بين المكاتب".

بعض المكاتب تفرض على العامل توقيع ورقة غير محددة المبلغ، أو شراء الزي الموحد، أو صندوق الطلبيات.

ويأخذ الشوا على بعض المكاتب، بعض السلوكيات التي وصفها بـ"المجحفة" تجاه العاملين معهم من عمال التوصيل، كأن يفرضوا عليهم التوقيع على ورقةٍ بيضاء غير محددة المبلغ، أو أن يدفعوا ثمن الكماليات كالزي الموحد، والصندوق الذي يفترض أن يكون ملكًا للمكتب، ولا يحق لصاحب الدراجة تملكه، ناصحًا الشباب بعدم الخضوع لأي من تلك الشروط "فهذا استغلال لحاجة الشباب، وخروج عن أخلاقيات العمل الإنساني" يختم.

كاريكاتـــــير