شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 مايو 2024م23:07 بتوقيت القدس

الصحافيات في جنين.. تغطية و"اليد على القلب"

05 يوليو 2023 - 12:40

جنين:

"ليس سهلًا أن تكوني صحافيةً وجزءًا من الحدث في ذات الوقت. نحن هنا نقوم بدورٍ مزدوج، ونعاني معاناةً مزدوجة"، بهذه الكلمات بدأت الصحافية الفلسطينية دينا جرادات تلخيص حالها أثناء تغطية العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين.

دينا، صحافية تعيش على أطراف المخيم، ومنذ اللحظة الأولى للعدوان الذي شنّته آليات الاحتلال الحربية فجر الاثنين، لم تتوقف عن التغطية لكن بظروفٍ مختلفة عن تلك التي تكون في الوضع المعتاد.

صباح اليوم، انسحب الجيش وانقشع غبار المعركة كاشفًا حجم الدمار الذي ألحقه بالبنية التحتية لمخيمٍ لا تتجاوز مساحته نصف كيلو متر، بعد يومين من عدوانٍ خلّف 12 شهيدًا، خمسة منهم دون سن الـ (18)، ومئات الإصابات والمشردين، وفاقدي البيوت.

تقول دينا لـ"نوى": "لم أتمكّن من مغادرة البيت، فكل المنطقة المحيطة بنا يعتليها القناصة. أي حركة قد تُعرّض حياتنا للخطر حتى لو كانت في فناء المنزل. الكلُّ هنا كان هدفًا مباحًا لجنودٍ متعطشين للدم".

إطلاق نارٍ متواصل، وتجريفٌ تامٌ للشوارع، وتدميرٌ للبنية التحتية وانقطاعٌ للكهرباء. أمام كل هذا، كان على دينا أن تتجاوز لمواصلة نقل الأحداث. تعقب: "اعتمدتُ على التغطية عبر الهاتف، وهذا جعلني أستغرق وقتًا طويلًا للتأكد من دقة الخبر وصحة معلوماته، وهذه لم تكن سهلة. ثانيًا انقطاع الكهرباء تسبب بأزمةٍ كبيرة، خاصة في ظل عدم وجود البدائل، وهذا أثّر أيضًا على شبكة الإنترنت فزادت المعاناة في التغطية".

خطورة الوضع الذي تعيشه دينا داخل المخيم لم ينعكس فقط على كيفية التغطية، بل إنها كشابة تعيش فيه كان عليها استقبال أقارب فرّوا من قلبه إلى بيتها، رغم أنهم جميعًا في دائرة الخطر.

تعقب: "البيت مليء بالأطفال الذين فروا من قلب المخيم مذعورين. حالتُهم النفسية سيئة وعليّ تجاوز الواقع النفسي الذي أعانيه كي أساعدهم وأخفف جزءًا من خوفهم. أخبروني أنهم خلال الفرار سقطوا أكثر من مرة في الشارع المجرّف بالكامل. لقد تعرّض الشارع المقابل لنا للضرب بقنابل قلبته رأسًا على عقب".

كان يتوجّب على دينا التماسك في ظل كل هذه الظروف المعقدة، والموت الذي يحيط بها من كل جانب، من أجل مواصلة التغطية ونقل ما يجري، وأيضًا لتهدئة من لجأو إلى بيتها مذعورين.

أما زميلتها الصحافية شادية بني شمسة، من مدينة نابلس، فحَضَرت إلى جنين من أجل التغطية، لكنها لم تتمكن أبدًا من دخول قلب المخيم الذي حاصرته آليات الاحتلال من كل جانب حتى جوًا، فاكتفت بالبقاء في مستشفى ابن سينا القريب من المخيم.

تقول: "أنا الآن في قلب مدينة جنين، وعلى مرأى عيني تحوم طائرات الموت. ما دفعني للقدوم رغم خطورة الوضع ليس أن هذا مطلوب مني، بل يقيني بضرورة أن أشارك في نقل الصورة وفضح جرائم الاحتلال بحقنا".

كان انتقال شادية وزملائها من مدينة نابلس صوب جنين محفوفًا بالمخاطر. لم يدخلوا المخيم فظلّوا بدايةً في مستشفى جنين الحكومي، ومن هناك كانت عدسات الكاميرات ترصد الكثير من المشاهد عبر بنايةٍ مجاورة للمستشفى مرتفعة نسبيًا، "لكن الصحافيين والنشطاء الذين يعتمدون الهواتف الذكية في التغطية لم يتمكنوا أبدًا من التغطية" تضيف.

تعرّض صحافيون لإطلاق نار مباشر أثناء محاولتهم التغطية، تمامًا مثلما حدث مع طاقم التلفزيون العربي الذي أطلق الاحتلال باتجاهه وابلًا من الرصاص، ما أدى لاحتراق كاميرا البث المباشر التي كان أفراده يستخدموها، وانقطع البث، واحتُجز الطاقم حينها داخل المخيم إلى أن خرج بمساعدة سيارة إسعاف بعد أكثر من ساعتين.

تكمل شادية: "بسبب هذه الانتهاكات لم نتمكن من دخول المخيم فبقينا خارجه، على وقع أصوت القنابل التي تهزّ المخيم في كل لحظة كنا نواصل التغطية، وننام هنا أيضًا، عايشت الكثير من التغطيات لاعتداءات سابقة، لكن هذه هي المرة الأولى التي نعيش فيها عدوانًا بهذا الحجم. جيشٌ كاملٌ يقتحم المخيم، وطائرات حربية، وقنابل، وانفجارات، ورصاص لا يتوقف. هذا وضع مرعب شكّل خطورة كبيرةً علينا".

أكثر الكلمات التي أحدثَت أثرًا قاسيًا في نفس شادية، ما قاله الناس وهم يفرون من المخيم: "شرّدونا من بلادنا إلى المخيم، والآن يشردوننا حتى من المخيم".

القاسم المشترك بين دينا وشادية أنهما صغيرتا السن. لقد كانتا في سن الطفولة إبان معركة جنين عام 2002م، وهي بالنسبة لهما رواية يحكيها الأهل. أما الآن فقد عايشت الاثنتان ما سمعتاه عن تفاصيل تلك المجزرة، التي حفرت أحداثها بالتفصيل في العقل الجمعي لكل سكان المخيم.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير