شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 مايو 2024م13:53 بتوقيت القدس

لم أكتب نصًا في حياتي عن الأرانب

22 يونيو 2023 - 10:51

يُصر أستاذ اللغة على أن اقرأ ما كتبته مُدونة بلجيكية عن أرنبها الصغير أثناء الشتاء، يقول: هناك هدف أخلاقي وراء النص، وأرد أنا أنه مكتوب ساعة الفراغ، بلا هدفٍ حقيقي ولا غاية أخلاقية.

فما معنى أن تتحدث الكاتبة عن أرنبها الصغير المسكين الذي يعيش في حديقة المنزل ويأكل الجزر طوال النهار، ويختبيء إن أمطرت السماء كما تفعل هي؟ ثم ما الهدف من استحسانها لحياة الأرنب المتحللة من المسؤولية الإجتماعية والمالية إن كانت تقول صراحة إنها تُحب حياتها ولا تستبدلها رغم كل أعبائها.

"لم أقتنع بالنص"، قلت لأستاذي واستهجنَ متسائلًا عن السبب، كأنه من اللازم أن أقتنع بكل ما يكتبه غيري!

أجبته "أنا جئت من بلاد تسقط فيها الصواريخ الإسرائيلية فوق رؤوس سكانها وحيواناتهم فيموتون جميعًا، جئتكم من مكان يتساوى فيه الخطر، فإن خطوت خارج المنزل أو تحصنت به تعرضت للموت.

شتاؤنا وصيفنا متطرفين يا عزيزي، وحال أرانبنا كحالنا عرضة للموت في الفصول الأربعة جميعها إن اعلن الاحتلال أن موعد حصادنا قد حان. ربما نحن ندللها أكثر فنخشى عليها من الحسد فلا ترى صغارها عين غريب، وكلابنا كذلك مختلفة إذ تعيش حياتها بشكل طبيعي خارج المنازل وفي جماعات صغيرة في الحواري الضيقة وتهرب قبلنا إن إن اطلقت مدافع العدو قذائفها نحو منازلنا، وعصافيرنا كذلك مختلفة. إنها تصرخ كل صباح لا تشدو.

الهدف الأخلاقي في نصوصي يختلف عن الهدف الأخلاقي في نصوص المرتاحين، تقريبًا هناك تباين بين مصطلحي (الأخلاق) بين ثقافتينا الأدبية".

لم يقتنع ماثيو -استاذ اللغة- وطلب أن أقرا النص بعينٍ بلجيكية، فابتسمت وقلت مازحة "لا أملك عيونًا زرق".

وانتهى جدالنا على لا شيء.

لماذا أكتب هذا النص اليوم؟ تحفزت ذاكرتي بالأمس ليلًا على وقع الأخبار التي أسمعها عن هجمات المستوطنين في الضفة على الناس، وصواريخ الاحتلال التي اغتالت المقاومين في جنين. وأرادت -ذاكرتي- أن أتذكر أصوات كل الصواريخ وطلقات الرصاص التي سمعتها في حياتي، فأعادتها كتسجيل صوتي بجودة عالية، حتى أصوات الشظايا وركام المنازل الذي يتهاوى على الأرض لم تنسه تلك الذاكرة اللا أخلاقية. وفي لحظة صمتٍ لم يقطعه أي صوت تذكرت ارنب المُدونة البلجيكية، وحسدته وحسدتها على حياتهما، وتمنيت لو أنني من كتبت نصًا عن الأرانب وتجادل فيه أستاذ لغة ما مع طالبة ما في مكان ما.

كاريكاتـــــير