شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م18:17 بتوقيت القدس

الثقافة 2022.. الاحتلال يعزل فلسطين والمثقفون في المواجهة

07 يناير 2023 - 09:32

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة-

لطالما اعتبر الفلسطينيون هويتهم الثقافية داعمًاً أصيلاً لصمودهم ومحركاً مهمًا لنضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول باستماته عبر السنوات الماضية أن يطمس الهوية ويحاصر المثقفين والفنانين؛ من خلال تقييد حريتهم ومنعهم من التواصل الجسدي بين شطري الوطن، كما يتعمد أيضًا نَصب مصائد التطبيع الإسرائيلية بالتمويه من خلال مسميات مختلفة كالترجمة ومهرجانات السينما.

إلا أن مراكز ثقافية في قطاع غزة أطلقت العام المنصرم عريضة للتوقيع على "ميثاق الشرف" لمقاطعة كل من يشتبه في اتصاله بالتطبيع، ونجحت حملة "موسيقيات وموسيقيون من أجل فلسطين" بحشد توقيع أكثر من 1500 فنان وفنانة.

غزة منذ مطلع عام 2022 تبذل محاولات عرجاء في استعادة الوقوف على قدميها، بسبب التدمير الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي الأخير

وكانت غزة منذ مطلع عام 2022 تبذل محاولات عرجاء في استعادة الوقوف على قدميها، بسبب التدمير الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي الأخير، لقد فقدت العديد من المراكز والمؤسسات الثقافية التي تُعنى بالشباب والمسرح.

جائزة غسان كنفاني

"كان العام 2022 هو بمثابة استذكار للذكرى 50 لاستشهاد غسان كنفاني، وذلك من خلال أطلاق جائزة "غسان كنفاني للرواية العربية" قال عبد السلام عطاري مدير عام الآداب والنشر والمكتبات بوزارة الثقافة الفلسطينية، وكانت الجائزة الأولى من نصيب الروائي السوري المغيرة الهويدي عن روايته "قماش أسود"، إضافة لإقامة ملتقى الرواية العربية الذي شارك فيه العديد من الكتاب والأدباء العرب.

ولفت عطاري إلى أهمية إقامة معرض فلسطين الدولي للكتاب والذي شارك فيه ما يقارب 40 دار نشر عربية ودولية، وتخلل المعرض 35 فعالية وتم تنفيذ 75 نشاطًا للأطفال

كما أعادت الوزارة إعادة طباعة ما يقارب 100 عنوان للمؤلفات التي كتبت في العام 1943، إضافة للموسوعة الثقافية قبل النكبة والتي تكتنز بتفاصيل الحياة الفلسطينية، كما أصدرت موسوعتي السينما والفن التشكيلي قبل النكبة، وعلق عطاري خلا حديثه لـ "نوى": "لقد أسس العام المنقضي لأن يكون العام 2023 للتأكيد على الهوية الفلسطينية والاحتفاظ بالتراث والتركيز على الدور الإبداعي بجوانبه المختلفة".

الحصار في مبني للمعزول

مما لا شك فيه أن الثقافة في فلسطين اتخذت صبغتها من الأحداث الجارية، فبالنسبة لفناني غزة تجد وكأنما الحصار يكاد يحجر على مخيلتهم، فهم متأثرون من ثقل القيود التي فرضت على 2 مليون إنسان منذ ما يزيد عن 15 عامًا، وقد عبر عن ذلك بشكل جماعي 13 فنانًا في معرض للفنون البصرية نظمه الصليب الأحمر في شهر أكتوبر الماضي يعكس الحصار المفروض على قطاع غزة وانعكاساته على الحياة العامة في قطاع غزة.

وبرز في المعرض العمل الفني الذي يصور قطاع غزة على أنه "علبة سردين" محكمة الإغلاق، يتكدس السردين داخلها كما فعلت الكثافة السكانية، وتتفاقم معاناة المواطنين كالبطالة وتقييد الحركة، إغلاق المجال البحري، يعود العمل للفنان محمد جحلش 41 عامًا، الذي قال لـ "نوى" مؤكدًا على حالة العزلة التي يعيشها الفنان في غزة "لقد منعت من السفر إلى الضفة الغربية للمشاركة بأعمالي، وبعض الأعمال تمكنت من المغادرة وحدها بينما بقيت أنا"، وأضاف "شعور منقوص أن تصل الأعمال الفنية وحدها بمعزل عن الفنان الذي ينفق عليها من جهده وفكره".

وهو ما اختصره الروائي شفيق التلولي بجملة "العزلة تضرب فلسطين أحيانا وبخاصة قطاع غزة"  واصفًا الحصار بأنه الحاجز الذي يحول دون تواجد المثقفين بحرية في الفعاليات المختلفة، ويشير إلى معرض الكتاب الأخير في رام الله "لم يتمكن عدد كبير من الكتاب والكاتبات حضور المعرض وبخاصة المحافظات الجنوبية لأنهم لم يحصلوا على التصاريح"، وحُرم كتّاب غزة أيضًا من حضور ملتقى القصة السنوي الذي يعقد في رام الله وملتقى الرواية العربية.

"الفعاليات الثقافية على اختلافها كانت كثيرة لهذا العام ومؤثرة، أضافت الحيوية للمشهد العام ورفعت مستوى الاهتمام بالثقافة وأجناسها المختلفة ولكن..

"الفعاليات الثقافية على اختلافها كانت كثيرة لهذا العام ومؤثرة، أضافت الحيوية للمشهد العام ورفعت مستوى الاهتمام بالثقافة وأجناسها المختلفة" قال الكاتب والروائي الدكتور عبد الله تايه في حديث خاص لـ "نوى" مثمنًا الدور الذي لعبته وزارة الثقافة لهذا العام من خلال تشجيع الكتّاب والإعلان على جوائز الدولة التقديرية.

هذا التفاؤل يتبعه بـ "لكن" التي تجمع بين النقيضين وتصف تباين الحال، يقول "لكن الكثير من الدعوات تصل إلى الكتاب الفنانين في غزة لحضور الفعاليات الثقافية والمؤتمرات في الضفة الغربية أو الخارج وثمة صعوبة في التنقل والحصول على التصاريح"، مبينًا أنهم يلجؤون إلى الشاشات ومواقع التواصل للالتحاق بزملائهم وإثبات حضورهم.

وكان تايه قد تَسلم درع شخصية العام الثقافية للعام 2022، وحائز على وسام رئيس الدولة للإبداع.

طغيان الهم الوطني والسياسي على الإنتاج الأدبي والنقدي في فلسطين؛ من خلال ما حملته الإصدارات الأدبية

من اللافت خلال عام 2022 طغيان الهم الوطني والسياسي على الإنتاج الأدبي والنقدي في فلسطين؛ من خلال ما حملته الإصدارات الأدبية، طفولتي حتى الآن" لإبراهيم نصر الله والذي يؤرخ لمسيرة شعب منذ 60 عامًا، و"غسان كنفاني إلى الأبد" لمحمود شقير، "كمين غسان كنفاني" لمحمد فرحات، "أبناء النجاة" شيماء أبو منديل، وحوّل الكاتب وليد سيف عمله الدرامي "التغريبة الفلسطينية" بجزأيها الاثنين إلى رواية.

في حين صدرت مجموعة أعمال لكُتّاب أسرى، منها: "حكاية جدار" للأسير ناصر أبو سرور، و"قناع بلون السماء" لباسم خندقجي، و"القدّيس والخطيئة" لخليل أبو عرام، وديوان "أنا قلت لي" لناصر الشاويش، و"الخزنة" للأسير المحرّر عصمت منصور، و"ترانيم اليمامة" مذكّرات لأسيرات محرّرات.

وأصدرت وزارة الثقافة الفلسطينية حوالي 20 كتابًا تنوع بين القصة والرواية، أدب الأطفال، الشعر، وصدر عن دور نشر محلية في غزة ما يزيد عن 60 اصدارًا وهي نفسها دور النشر التي كانت ضمن من شاركوا في معرض فلسطين الدولي للكتاب في نسخته 12 للعام 2022، تمكنت كتبهم متأخرة من اجتياز الحواجز واللحاق بالمعرض بينما لم يتمكن أصحاب دور النشر جميعهم من المشاركة.

وشهد الشهر الأخير من العام توقيع وزير الثقافة الدكتور عاطف أبو سيف سبع اتفاقيات لتمويل مؤسسات ثقافية وفنانين أفراد في قطاع غزة، وتغطي الاتفاقيات الموقعة نشاطات وتدخلات في نواحي ثقافية مختلفة من المسرح للفن التشكيلي.

قضايا المرأة حاضرة في الأعمال السينمائية، كالعنف ضد المرأة والميراث، معاناة الأسيرات، هجرة الأزواج

ومع قرب انتهاء العام رُفِع الستار عن "مهرجان غزة للمسرح" بدعم من الاتحاد العام للمراكز الثقافية، المهرجان الذي استمر على مدار ثلاثة أيام متتالية، عرض مجموعة مسرحيات تسلط الضوء على قضايا العنف الموجه ضد المرأة وأحداث القتل على خلفية الشرف.

وبمناسبة الحديث عن العنف، فقد دأب الفنانون في السينما على تناول قضية العنف ضد المرأة وغيرها من القضايا كالميراث، معاناة الأسيرات، هجرة الأزواج، ودأب مركز شؤون المرأة منذ 8 أعوام على تنظيم مهرجان يحمل اسم "بعيون النساء" حيث يعرض مجموعة من الأفلام التي تسلط الضوء على معاناة المرأة الفلسطينية والعربية، وكان من اللافت للمهرجان في نسخته لعام 2022 هو اتساع نطاق الأفلام، فقد شاركت أفلام من العراق، المغرب والأردن.

ومما يدعو للفخر استمرار مهرجان "السجادة الحمراء" لأفلام حقوق الانسان بالانعقاد ووصوله إلى النسخة السادسة، وحمل المهرجان وسم "شوفونا" ساعيًا إلى لفت أنظار العالم لمحاولات اسرائيل عزل القضية الفلسطينية واغتيال الصحفيين كما حدث مع الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والتي أصبحت أيقونة للعديد من الفعاليات والمناسبات الوطنية في الضفة وغزة، وتمكن المهرجان من عرض 43 فيلمًا بين روائي طويل وقصير ووثائقي.

حضور  أدبي لافت للمرأة

وعلى صعيد المشاركة الأدبية للمرأة، يلاحظ مؤخرًا غنى الأرفف في المكتبات المحلية، بالكتب التي تحمل أسماء الكاتبات الفلسطينيات من غزة، تقول الكاتبة فتحية صرصور لـ نوى: "يوجد حضور فاعل للمرأة في المشهد الثقافي بتنوعه، سواء الكتابة، الفن التشكيلي والمشاركة في حضور الفعاليات الثقافية والتخطيط لها"، وركزت في حديثها على صالون نون الذي أسسته بالمشاركة مع الدكتورة مي نايف منذ 21 عامًا، وقالت الأستاذة فتحية "نحن ملتزمون بعقد جلستين شهريًا يتم فيها تناول قراءات نقدية ومراجعات كتب من قبل متخصصين، حتى إذا ما انتهت الجلسة عبّر الحضور عن أنهم يشعرون وكأنهم قد قرأوا الكتاب بالفعل".

ولعل أشد ما أسعد الفلسطينيين نهاية العام 2021 هو اعتماد "اليونسكو" فن التطريز بشكل رسمي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني العالمي، وشهدت غزة العديد من الفعاليات التي تزينت بالثوب الفلسطيني واقامة معارض المطرزات والمنتجات اليدوية، وقدم "المتحف الفلسطيني" في بيرزيت قدّم مجموعة أنشطة ومعارض، من بينها "غزْل العروق" الذي احتفى بفن التطريز الفلسطيني والثوب التقليدي عبر عرض أثوابٍ بتصميمات قديمة، في محاولة لاستكشاف غزل العروق ورموز الثوب، وأهميته التاريخية التي كان يكتسيها قبل عام 1948.

جوائز محلية ودولية

فيما يخصّ الجوائز الأدبية التي نالتها الأعمال الفلسطينية؛ كان أبرزها فوز الشاعر نجوان درويش بـ"جائزة سارة ماغواير للشعر" التي يمنحها "مركز ترجمة الشعر" في لندن، عن ديوانه "تَعِب المُعلَّقون" وهي تعتبر أبرز جائزة للشعر العربي المترجم، وفي لندن أُعلن عن أسماء الفائزين بـ"جوائز كِتاب فلسطين"، والتي تُمنَح سنوياً، منذ عام 2012، لـ"أفضل الكُتب الصادرة بالإنكليزية حول فلسطين والشعب والفلسطيني". شملتْ دورة هذا العام خمس فئات، فازت فيها أعمال لكل من: مصعب أبو توهة، وساري مقدسي، وسارة روي، وهبة حايك، ومحمد سباعنة، وأشجان عجور، ولارا شيحا، واسطفان شيحا، ولين ولْشمان.

أما "جوائز فلسطين في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية" ذهبت جائزة فلسطين التقديرية عن مجمل الأعمال إلى الكاتب والشاعر والناقد وليد سيف، بينما حصل الروائي وليد الشرفا على جائزة فلسطين للآداب عن رواية (أرجوحة من عظام)، مناصفة مع الشاعر والكاتب خالد جمعة عن مجموعته الشعرية (قمر غريب فوق صانع النايات).

وفاز بجائزة فلسطين للفنون المخرج المسرحي غنام غنام عن أعماله المسرحية؛ ومنها: مسرحية (بأم عيني عام 1948)، مناصفة مع الفنان التشكيلي محمد الجالوس عن معارضه الثلاثة الأخيرة من 2019 إلى 2022.

وذهبت جائزة فلسطين للدراسات الاجتماعية والعلوم الإنسانية إلى الكاتب الصحفي عمر نزال عن كتابه (كباسيل: منافذ الاتصال والتواصل لدى الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي)، مناصفة مع الباحثة نور محمد جبر (نور بدر) عن كتاب (هندسة الاضطهاد: سياسة التحكم بالأجساد الصامتة)

كما شهد العام توزيع "جائزة محمود درويش" التي تمنحها المؤسّسة التي تحمل اسمه، وذهبت هذا العام بالتزكية لأصدقاء الراحل في فئة الفائز العربي، حيث ذهبت إلى الناشر فاروق مردم بك والكاتب صبحي حديدي، في حين ذهبت إلى الناقد فيصل درّاج عن فئة الفائز الفلسطيني، والمؤلّف الموسيقي والمغني روجرز ووترز عن فئة الفائز العالمي.

وودعنا خلال 2022 العديد من الشخصيات الثقافية؛ فقد غادرنا الروائي فاروق وادي في لشبونه، والشاعر حنا أبو حنا في حيفا، والروائي غريب عسقلاني في غزة، وفي القاهرة المخرج غالب شعث، والتشكيلية لطيفة يوسف، وفي جينيف الكاتب فيصل حوراني، وفي مدريد المترجم محمود صبح، والناقد حسام الخطيب في الدوحة، والتشكيلي عيسى عبيدو في الخليل وفي الشهر الأخير من السنة رحلت الشاعرة المقدسية أنيسة درويش.

وعند كل نهاية وبداية يجد الفنان الفلسطيني نفسه أما تحديات مادية ومعنوية يتعين عليه اجتيازها سواء بالمواجهة أو الانسحاب، غير أن الفنان والمثقف عادة يعتبر نفسه مسؤولا عن اشعال فتيل الضوء الذي يظهر في آخر النفق.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير