شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 مايو 2024م13:27 بتوقيت القدس

"نوى" تكشف: محطات كبرى أنشأت بعضها!

نقاط الغاز "العشوائية".. صواعق "موت" في كل حي

18 اعسطس 2021 - 11:00

غزة- شبكة نوى :

حركة الناس لا تتوقف، المحال التجارية للملابس والأقمشة والمنظفات تتناثر على مد البصر بمخيم الشاطئ، تحديدًا في شارع حميد، وبينها تختبئ أربع نقاطٍ عشوائية لتعبئة اسطوانات الغاز.

المشهد بات أقرب إلى "ظاهرة" في معظم مناطق قطاع غزة، وليس في "حميد" وحسب. وجود نقطة تعبئة للغاز بين منازل السكان، تجعل كل العناصر التي أدت إلى حدوث كارثة حريق سوق مخيم النصيرات قبل عامٍ ونصف تجتمع.

شبكة نوى، فلسطينيات: استعنا بالشاب خالد، وهو اسم مستعار لشابٍ من سكان المخيم، وطلبنا منه دخول إحدى النقاط لتعبئة اسطوانة غاز فارغة.

أحضرها من منزله، ثم دخل، ودخلنا معه، وهناك رصدنا في الداخل "الضيق" نحو 100 أنبوبة، بينها قرابة 13 واحدة سعة 48 كغم، أي ما يفوق نصف طن في حال كانت ممتلئة، أما الباقيات فكن بسعة 12 كغم.

وضع "خالد" اسطوانته على الميزان، فأوصلها صاحب المصلحة بأنبوب جهاز التحويل الذي يتصل باسطوانة سعة 48 كغم، وما أن انتهى حتى قبض عن كل كيلو 5 شواقل. هنا، اصطفت أمام المحطة العشوائية" سيّارة، ترجّل سائقها، وطلب تعبئة اسطوانةٍ نزعها من الجيب الخلفي لمركبته.

تقرع وكالة "نوى" في هذا التقرير جرس الإنذار أمام الجهات المسؤولة بغزة، وتكشف عن ملفٍ يهدد حياة عشرات الآلاف من المواطنين، وعن تواطؤ شركات كبرى في تغذية نقاط تعبئة أسطوانات الغاز العشوائية، أو إنشاء بعضها بطريقة غير مباشرة، وعدم قدرة الجهات الحكومية على انهاء المشكلة، وإبطال مفعول الخطر.

الدفاع المدني ضبط 200 جهاز لتعبئة الغاز وسلمهم للنيابة العامة

مواطنون يبررون

يقر خالد والعديد من أهالي المخيم الذين قابلناهم، بأن تعبئة اسطوانات الغاز من هذه النقاط يتضمن مخاطر كبيرة، "لكننا في نفس الوقت مضطرين كسبًا للوقت"، مستدركًا: "لكن من الأفضل أن نعود إلى الآلية السابقة حيث تأتي سيارة نقل وتجمع الأسطوانات الفارغة، لتعبئتها من المحطة الرئيسية مباشرةً، ثم تعيدها إلى المنزل".

ويتابع حديثه بينما يتجول في أزقة المخيم: "حريق النصيرات ما حدا توقعه، ولو حدث انفجار هنا، سيمتد الحريق لنصف مخيم الشاطئ، وستحدث كارثة أكبر من ما حدث في النصيرات"، مشيرًا بيده إلى أعداد المنازل المنتشرة خلف المحال، والكثافة السكانية العالية التي تضم كل متر في المخيم.

ورغم إقرار السكان –قابلتهم "نوى"- في كل من منطقة "أبو سكندر"، وشارع "الجلاء"، بخطر نقاط التعبئة العشوائية بين منازلهم، إلا أنهم يلجؤون إليها لتعبئة اسطوانات الغاز، ويعزون هذا إلى سهولة وسرعة الحصول على الغاز، وهو ما لا توفره الآلية التقليدية.

70% من النقاط العشوائية موجودة بمدينة غزة

عدد منهم، أكدوا أنهم قدموا شكاوى للجهات المختصة، التي اقتصر تدخلها على مصادرة أجهزة التحويل والتعبئة، ليعود صاحب المصلحة لفتح محله بعد شراء جهازٍ جديد، لا تزيد تكلفته عن ألف شيقل.

ومن داخل "محطة عشوائية" في شارع الجلاء كُتب على بوابتها عبارة "مسرح لإحياء المناسبات الشعبية"، تواجدت أكثر من 13 اسطوانة غاز سعة 48 كغم، يقول صاحبها إنه حصل على رخصة موزعٍ للغاز من الجهات المختصة (دفاع مدني، بلدية غزة، وزارة الاقتصاد)، وهذه الرخصة تفيده بأخذ "حصة من هيئة البترول حينما ينقطع الغاز، أو عندما يعيش قطاع غزة أزمة في توافره".

ويقر صاحب المصلحة بأن الدفاع المدني صادر ثلاثة أجهزة لتحويل الغاز، قائلًا: "ورغم تكلفتها العالية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي العام، إلا أنني اشتريت جهازًا في كل مرة"، معللًا مخاطرته: "فش بديل.. هاي رزقتنا".

نظام على ورق

وحسب النظام الحالي المعمول به في جهاز الدفاع المدني داخل قطاع غزة، فإنه يمنع تواجد أكثر من 10 أسطوانات بسعة 12 كغم في مكان واحد، وخلاف ذلك يعد مخالفة للإجراءات، ويتم سحبها، لكننا وجدنا 13 أسطوانة بسعة 48 كغم، وفي محلٍ آخر أكثر من هذا العدد بكثير.

وتظهر الإحصائيات التي حصلت عليها "نوى" من الدفاع المدني، وجود نحو 689 موزعًا مسجلًا رسميًا، جزءٌ منهم يمتلك نقاطًا عشوائية لتعبئة الأسطوانات.

إحدى الشركات ضخت 2000 اسطوانة غاز سعة 48 كغم لدى الموزعين والنقاط العشوائية

وخلال العام الماضي ضبط الجهاز 200 جهازًا لتعبئة الغاز وسلمهم للنيابة، وضبط لدى أحد الموزعين 9 أجهزة تحويل.

وبحسب مدير الأمن والسلامة في الدفاع المدني د.محمد المغير، فإن قرابة 70% من النقاط العشوائية موجودة في غزة، "والسبب حركة السير الكبيرة، ومركزية المدينة".

ويقول لشبكة "نوى": "الموضوع خطرٌ جدًا، وسجلنا العديد من حوادث الاحتراق في النقاط العشوائية، وهناك العديد من الدراسات تتحدث أنه في حال اشتعال اسطوانة بحجم 48 كغم فإن دائرة الخطر تكون بدائرة قطرها عشرة أمتار".

ويحظر قانون الدفاع المدني رقم (3) لسنة 1998 -وفق المغير- تعبئة الغاز بين المواطنين، وفي حال جرى ضبطها، فإنه يتم التحفظ عليها وتسليمها للنيابة.

مدير هيئة البترول: أوقفنا خمس محطات لمدة عشرة أيام لتعاملها مع النقاط العشوائية

إحدى الشركات الكبيرة العاملة في استيراد الأسطوانات، بحسب المغير، ضخت 2000 اسطوانة غاز سعة 48 كغم في السوق خلال الفترة الأخيرة، ووزّعتها على الموزعين في النقاط العشوائية، وهناك أربع شركات كبيرة تتعامل مع الموزعين، ولها نقاط عشوائية.

وأطلع المغير "نوى" على تسجيلات مصوَّرة لعملية تحميل الاسطوانات من النقاط العشوائية إلى المحطات، ومحاضر ضبط اسطوانات الغاز وأجهزة التحويل، فيما أظهرت بعض المحاضر أن صاحب المحطة هو الموزع نفسه، لكن المسؤول في الدفاع المدني، يؤكد أن المسؤولية وحدها ليست ملقاةً على عاتق جهازه.

مقتضيات قانونية نافذة

وبينما يؤكد مدير عام الإدارة العامة للبترول إياد الشوربجي، ما ذهب إليه المغير بوصف القضية بـ"الشائكة" و"المعقدة" نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، شدد على أن حل هذه القضية يحتاج إلى تضافر جهود جميع الجهات ذات العلاقة"، ويقول: "إنه تم إيقاف تزويد عدد من المحطات بالغاز، بعد ثبوت مخالفة التوزيع، وتغذيتها بنقاط تعبئة عشوائية".

مدير مباحث التموين: لا توجد أي محطة تعبئة غاز كبيرة ليس لها نقاط عشوائية

ويفيد بأن هذه المحطات بلغ عددها خمس، وتراوحت مدة الإيقاف بين خمسة وعشرة أيام، وسيتم مضاعفة المدة في حال تكرار المخالفة، وصولًا للإغلاق الكامل، وتحويل الملف إلى مكتب النائب العام.

ويلفت الشوربجي إلى أن متابعة المحطات يعتمد على الزيارات الميدانية، حيث يوجد في القطاع 45 محطة، وقد أُخذت تعهدات مشفوعة بعقوبات على جميع أصحابها، في حال خرقوا قرارات الإدارة العامة للبترول، ومن بينها اعتماد النقاط العشوائية لتزويد المواطنين بالغاز.

في حين يؤكد مدير مباحث التموين المقدم أحمد قنيطة، أنه لا توجد أي محطة كبيرة لتعبئة الغاز، ليس لها نقاطًا عشوائية! عازيًا السبب إلى طبيعة المرحلة التي أدت لشح الإقبال على المحطات.

 فمنهم من عالج الأمر بإنشاء نقاط عشوائية توفر عائدًا ماديًا أكبر، "فبيع التجزئة بخمسة شواقل للكيلو الواحد، في ظل ارتياد السائقين والمواطنين، يحقق ربحًا وفيرًا".

المغير: اشتعال اسطوانة بحجم 48 كغم يحدث خطرًا بقطر 10 أمتار

ويشير قنيطة إلى إغلاق أكثر من 150 نقطة عشوائية بقرار من النيابة العامة، اختلفت عقوبتها من نقطة إلى أخرى حسب تكرار عملها في هذا المجال، "بعضها ارتقت للحبس والتوقيف عبر النيابة، واتخاذ الإجراءات القانونية، ومصادرة أجهزة التحويل، وإحالة بعضهم للمحاكم".

قانون متعثر

عند آخر نقطة، يتوقف رئيس قسم المهن والإعلانات في بلدية غزة، فؤاد شلح، الذي لفت إلى "قانون متعثر" لضبط عمل نقاط التعبئة العشوائية.

وأوضح شلح أن نقاط الغاز العشوائية كانت متابَعة قبل أربعة شهور، من قبل لجنة مشتركة، تضم البلدية، والدفاع المدني، ووزارة الاقتصاد، والمباحث، "وأُبلغنا أن هناك نظامًا وقانونًا قيد الدراسة في وزارة الحكم المحلي، وقد جرى عقد ورشة عمل لجميع الجهات، خرجت بتوصيات، وقدمنا ملاحظاتنا".

يحظر قانون الدفاع المدني رقم (3) لسنة 1998 تعبئة الغاز بين المواطنين

عن طبيعة هذا القانون الذي يجري إعداده، يضيف: "القانون سينظم عملية ترخيص المحال، بحيث تصبح مركزًا لتجميع أسطوانات الغاز فقط، وملاحظتنا كانت تتعلق بشروط الهيئة المحلية، وتواجد أسطوانات معبئة بالمكان، وحتى الآن لم يتم المصادقة على النظام"، مشيرًا إلى أن القانون قيد النقاش من أجل الإقرار.

ويلفت شلح إلى أن صلاحية متابعة نقاط الغاز العشوائية تقع على عاتق الدفاع المدني، ومن واقع عمله حدد قرابة 280 نقطة عشوائية لتعبئة الغاز في مدينة غزة فقط.

ورغم ما أدلى به المسؤولون والجهات المختصة، فإن النقاط العشوائية تتسع، ووتختبئ بين بيوت السكان، وفي كافة الأحياء، وتفتح أبوابها من الصباح والمساء على "عينك يا تاجر"، ما يؤكد أن تلك الإجراءات لم تُعالج المشكلة حتى اللحظة، أو أنها لم تكن رادعة من الأساس، وأن خطر حدوث كارثة إنسانية، "محتمل في أي وقت".

 

كاريكاتـــــير