شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 مايو 2024م23:22 بتوقيت القدس

الشاب سحوَل يروي قصة الهجرة عبر الغابات

20 اكتوبر 2019 - 13:56

غزة:

صورة تداولها نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، حين كان يعبر غابات البوسنة والهرسك برفقة مهاجرين آخرين متجهًا إلى إيطاليا، وبين من اعتبر الشاب يخاطر بطريقة غير قانونية من أجل الوصول إلى فرصة محتملة في أوروبا، رأى آخرون أنه وغيره لجأوا إلى ذلك مرغمين.

بعيدًا عن اختلاف الآراء لا يقبع في ذاكرة الشاب حسين سحوَل "29 عامًا"، صاحب الصورة الذي كان يعاني الفقر والبطالة سوى ذكريات حملها معه من أمه التي ودعته باكية، مهنة يحبها هي منتج للأعمال الفنية لم يجد فرصة تحتويه، وشقيقته آمنة صاحبة موهبة الغناء التي يطمح أن يؤسس لها مستقبلًا أفضل.

الشاب سحوَل من مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، والبالغ عدد سكانه نحو 35 ألفًا يعيشون على مساحة نصف كيلو متر مربع، في بيوت بسيطة من الكرميد والزينكو، يروي قصة 21 يومًا من الهجرة برفقة مجموعة من المهاجرين أغلبهم سوريين وفلسطينيين، ممن اضطرتهم ظروف بلادهم للهجرة، حتى وصل هو إلى إيطاليا التي يعيش فيها الآن برفقة أصدقاء يعرفهم مسبقًا ويخطط للبقاء فيها فترة قبل الانتقال إلى بلجيكا.

بصوت ضعيف متقطع يروي لنوى قصته مع الهجرة: "مش مشتاق لشي غير صوت إمي، وإني أطمّن عليها، كل الوقت حاولت أخفي عنها إنها هاجرت من الغابات ولكن هي كانت تشعر أن في شي مش صح، بالنهاية اضطريت أخبرها".

مُكره أخاك لا بطل، هكذا يلخص سحول حاله، كان يعيش في بيت بسيط معيل رئيسي لأسرته المكوّنة من خمسة أفراد بينهم شقيق يحتاج إلى العلاج، وبينما يضيق الحال أكثر عليه كما 62% من الشباب الذين يعانون البطالة في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عام 2006، بقي أمله الوحيد في فرصة يغادر فيها القطاع المحاصر نحو عالم مفتوح.

يضيف سحول: "الخروج من غزة لم يكن سهلًا، احتجت لتنسيق مدفوع 850 دولارًا بعد فشل محاولة السفر العادية، غادرت بعد شهر رمضان بشكل شرعي وصولًا إلى تركيا"، حاول سحول نسيان معاناته مع السفر من غزة إلى القاهرة والتي يغلب عليها الإهانة، والتحقيق غير المبرر في مطار القاهرة، ومنذ اليوم الثاني لوصوله تركيا التحق بالعمل كي يوفّر مالًا يمكّنه من الوصول إلى ألمانيا.

تعرض للاعتقال في تركيا برفقة مهاجرين آخرين، وللضرب من قِبل شرطي تسبب في مضاعفات له ولشاب سوري، فتم الإفراج عنهم دون غرامات منعًا لتطور المسألة، هاجر بالقارب صوب جزيرة كوس في اليونان وأقام في خيام اللاجئين هناك عدة أيام محاولًا إيجاد طريقة ليس فيها مخاطرة للوصول إلى ألمانيا، ولما أقفلت في وجهه السبل اضطر للجوء إلى الغابات برفقة مهاجرين آخرين.

يكمل: "البر كان آخر خَيار، اتجهت صوب ألبانيا بعد أن عبرت مع مهاجرين آخرين ومعنا الدليل مدة سبع ساعات تحت المطر المتواصل، كان معنا مهاجر فلسطيني وزوجته وطفلته تبلغ عامين تعرضت لمضاعفات صحي بسبب البرد الشديد، بعض من كانوا مه فلسطينيين وسوريين أما الرجل وطفلته فهم ممن كانوا يعيشون في ليبيا ولكن يحملون جواز سفر فلسطيني".

الطريق ليست سهلة والمهاجرون تعرضوا لضغط نفسي شديد، فحين الوصول إلى صربيا عانوا من المعاملة العنصرية، والتعامل معهم كمشردين، جربوا النوم في الشارع، أما في البوسنة والهرسك فكان عليهم السير لخمسة أيام بين الغابات، وهي الصور التي نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول: "كان علينا صعود عدة جبال، لم تكن التجربة سهلة، استغرق منا الأمر خمسة أيام متواصلة حتى وصلنا، الرحلة كلها كانت 21 يومًا"، بالنسبة للفلسطينيين من قطاع غزة، الأمر ليس سهلًا فهم لم يجربوا غابات من قبل، ولم يعرفوا ربما طبيعة الجبال خاصة لشباب مثل حسين لم يسبق له أن غادر القطاع.

يضحك حسين بألم ويخفي غصة وهي يقول: "كل ما كنت أفكر فيه ليس خطورة هذه الخطوة على حياتي، بل كيف أؤمّن مستقبلًا لأسرتي، الهجرة أمر غير شرعي ولكن أسعى لتسوية وضعي بشكل قانوني كي أتمكن من العيش كإنسان يبني مستقبله بشكل صحيح".

ويكمل: "كان أقسى ما عانيناه هو عند محاولة قطع نهر البوسنة، حذرنا منه كثيرون، فيه توفي الشاب صالح حمد وتوفي مهاجرون آخرون، استخدمنا قارب للانتقال إلى الضفة الأخرى من النهر كي يكون أكثر أمانًا.

ويشرح سحول سبب خطورة هذا النهر الذي يبلغ عرضه 12 مترًا، بأن مياهه عذبة لا ترفع من يغرق إلى أعلى، وهو عميق جدًا وجريانه سريع بدرجة كبيرة، ولونه أسود داكن، وبالعموم فهو شكله مخيف جدًا.

في غزة كان الشاب سحول يمتلك موهبة العمل كمهرج، له بعض المحاولات الفنية، لكنه يعتقد أن إنجازه الأكبر سيكون في قدرته على اصطحاب شقيقته آمنة وهي ذات موهبة في الغناء، فربما يجد لها مستقبل أفضل.

تجربة غير قانونية لشاب أراد أن يعيش حياته وفق القانون، ولكن هي ظروف دفعته مكرهًا إلى خوض تجربة عرضت حياته للخطر، لا يرى فيها بطولة، ولكنها محاولة للهروب من الفقر، يسعى خلال أيامه المقبلة لتسوية أوضاعه القانونية ليعيش بشكل صحيح، لكن الذي يخفف عليه هو أن للمهاجرين حقوق، فهم ليسوا مجرمين وإنما ضحايا ظروف لا ذنب لهم فيها، وبكل الأحوال فإن من يتحمل وزر هذه المحاولات هم المسؤولين الفلسطينيين الذي أغلقوا نوافذ الحياة أمام الشباب الفلسطيني.

كاريكاتـــــير