صوت المطر.. عندما يضغط على جرح "المواءمة"
تاريخ النشر : 2021-11-19 10:32
صورة تعبيرية

غزة:

تنصت ياسمين إلى صوت المطر الذي يطرق نافذة غرفتها بشغف. "إنه الشتاء فصل الخير والرحمة" حيث لمة العائلة في ليالي البرد، وأحاديث السمر التي لا تنتهي.

تبتسمُ لا إراديًا، ثم سرعان ما تفيق على ما يعنيه الشتاء في واقع "ذوي الإعاقة"! الشابة العشرينية التي وُلدت بإعاقةٍ بصريةٍ كاملة تعشق هذا الفصل الذي يُحيي الأرض، ويعيد للحياة رونقها وللجو نقاءه، لكنها تعترف: "إنه يحمل في طيات أيامه الكثير الكثير من الألم".

تقول لـ "نوى": "ليست المشكلة في فصل الشتاء؛ إنما في عدم قدرتي على مغادرة البيت بسبب غرق الشوارع وصعوبة السير فيها، يتبدل فرحي بصوت المطر إلى حزن عندما أتذكر أنني عندما أخرج من البيت سأمشي في شوارع غارقة".

درست الشابة التي تسكن مدينة غزة تخصص الشريعة الإسلامية، وتكمل دراستها حاليًا بتخصص دبلوم التربية، إلا أن واقع غرق الشوارع شتاءً يعيق مسيرتها التعليمية، بل حياتها عمومًا على حد تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: ذوو الإعاقة.عيون تنشد التغيير عبر قبة البرلمان

تضيف: "في ظل عدم حلّ بلديات قطاع غزة لهذه المشكلة، المعاناة مستمرة، ليس بالنسبة لي وحسب، بل لدى كل ذوي الإعاقة. المشكلة الأكثر تعقيدًا هي المنخفضات، التي يزخر بها الشتاء حيث يشتد المطر، وتزداد العواصف التي تحول دون قدرتي على الخروج".

كانت ياسمين تستعين بصديقتها عند الخروج، وهي أيضًا ذات إعاقة بصرية بسيطة، وتتولى شقيقتها المهمة إن غابت الصديقة، وهذا يجبرها على إلغاء "مشاوير كثيرة تخصها"، تختم: "أمنيتي وجود أماكن توائم احتياجاتنا كذوات إعاقة، وألا نعاني كل هذا".

ووفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة في قطاع غزة، تجاوز 48 ألف نسمة، أي ما نسبته "2.4%" من سكان القطاع البالغ عددهم 2 مليون نسمة تقريبًا، يعيشون على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا جنوب فلسطين.

ولا تختلف معاناة الشاب علاء أبو اصليح (21 عامًا) شتاءً، وإن اختلف نوع الإعاقة، فالشاب الذي يسكن في منطقة وادي السلقا على الحدود الشرقية لجنوب قطاع غزة، يعاني أيضًا عدم القدرة على الخروج بكرسيه المتحرك في طرق غير معبّدة، وهي معاناة تتفاقم مع المطر.

اقرأ/ي أيضًا:المواءمة وفرص العمل.. أغلالٌ تكبّل ذوي الإعاقة بغزة

يقول لـ"نوى": "فصل الشتاء قاسٍ جدًا علينا كأشخاص من ذوي إعاقة، أسكن في منطقة حدودية والشوارع كلها ترابية، أعيش معاناة لأكثر من نصف ساعة حتى أصل إلى الشارع الرئيسي في الأيام العادية، والأمر أصعب شتاءً".

يدرس علاء تخصص الوسائط المتعددة في كلية تقنية بمنطقة دير البلح، كما أنه يعمل متطوعًا في مؤسسة لذوي الإعاقة في منطقة النصيرات، أي أن المناطق التي يتحرك إليها يوميًا، تعد بعيدةً نسبيًا عن منطقة سكنه.

يقول: "اضطررت للتوقف عن مواصلة التعليم مؤقتًا لأسباب مادية، فالوضع صعب، لكن عادةً كنت أعاني شتاءً من أجل الذهاب إلى الجامعة بسبب وعورة الطريق الرملية التي تصبح لزجة طينية تلتصق فيها عجلات السكوتر الذي أستخدمه"، مردفًا بالقول: "أحتاج إلى أكثر من ضِعف الوقت المعتاد كي أصل للشارع الرئيسي، وهنا تكون قوتي استنزفت، وإن كانت الشتاء غزيرًا لا أستطيع الخروج أصلًا".

وكما غيره من ذوات وذوي الإعاقة، يأمل علاء أن يتم تعبيد الشوارع التي يستخدمونها، وأن يكون ذلك أولوية بالنسبة للبلديات، التي ورغم مطالباتهم المتكررة عبر المؤسسات التي يتطوعون أو يعملون فيها، إلا أن الإجابة التي تصلهم دائمًا تتلخص بـ"لا يوجد موازنة".

ويرى علاء أن هذه المشكلة، تضاف إلى قائمة المعوقات التي يعانيها ذوو الإعاقة في حياتهم نتيجة عدم مواءمة الأماكن العامة لاحتياجاتهن، "ناهيك عن مشاكل أخرى، مثل عدم مواءمة المواصلات العامة لهم".

يعلق بالقول: "حتى إن السائقين لا يقفون لنا أصلًا، مقابل ضعف توفر أدوات المساعدة، والارتفاع الكبير في ثمن البطاريات التي نستخدمها للسكوتر الذي أتحرك بواسطته، حيث يصل سعر البطارية الواحدة إلى 1000 شيكل (330 دولارًا)، وأحتاج إلى تبديلها كل 6 أشهر، وهو مبلغ يفوق قدرتي بصراحة".

وتعاني الشابة دعاء قشلان (31 عامًا) ذات المشكلة، إذ تسكن منطقة السوارحة غرب النصيرات وسط قطاع غزة، وهي الأخرى ذات إعاقة حركية، وكثيرًا ما اضطرت لإلغاء عملها شتاءً أو الذهاب للجامعة وحتى الامتحانات.

اقرأ/ي أيضًا:"لائحة" تتيح رفض توظيف ذوي الإعاقة.. وبالقانون!

تقول دعاء وهي متطوعة في إحدى الجمعيات العاملة في مجال دعم الأشخاص من ذوي الإعاقة: "في الشتاء يكون الخروج من سابع المستحيلات، تقريبًا تتعطل الحياة عندي تمامًا، ليس فقط بانتظار توقف المطر، بل أيضًا بانتظار أن تجف الأرض".

تسكن الشابة دعاء في شارع فرعي ترابي، وهي تحتاج لأكثر من نصف ساعة في الأيام العادية كي تتمكن من الخروج إلى الشارع الرئيسي، وحتى وإن تمكنت اجتياز ذلك بكل صعوباته فإن الشارع الرئيسي المرصوف أيضًا ليس مناسبًا تمامًا.

تقول: "لدينا مشكلة في كل البنية التحتية، فحتى الشوارع المرصوفة تتجمع فيها مياه الأمطار بما يجعلنا لا نستطيع استخدامها، مشكلة المواءمة عمومًا واحدة من أكبر المشاكل التي تعانيها، فما بالك في فصل الشتاء"، وإن وصلت هناك، تواجه أيضًا مشكلة وهي عدم توقف السائقين لهم وفق تأكيده.

وتستخدم دعاء سكوتر كهربائي، لكنها قبل عدة سنوات اضطرت لاستخدام سكوتر واحد هي وشقيقتها التي تعاني ذات إعاقتها نتيجة عدم وجود آخر.

وعادة تضطر واحدة منهن أن تتنازل للأخرى وفقًا لأهمية المشوار، "وبهذا، السكوتر إن كان عمره الافتراضي 5 سنوات، تنخفض إلى أقل من النصف بسبب الشوارع غير المعبدة".

لطالما طالب ذوو الإعاقة البلديات بتبعيد الشوارع التي يسكنوها دون جدوى، والحجة الدائمة: "التمويل"، وبذلك تبقى الأمنية الأسمى بالنسبة لهم مواءمة الشوارع، وتوفير مواصلات آمنة ومناسبة،  وزيادة التوعية بمشاكلهم كخطوةٍ أولى نحو حلها.