"قَمعة" عوفر تنكأ جراح أسرى محررين
تاريخ النشر : 2021-07-05 19:04

غزة:

"كان يوم شديد البرودة حين أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي قنابل الغاز السام داخل غرف سجن هشارون حيث تُعتقل الأسيرات الفلسطينيات، وسرعان ما اقتحموها بعنف، كنت حاملًا بطفل حينها وتعرّضت للإغماء بسبب الاختناق".

قالتها الأسيرة الفلسطينية المحررة فاطمة الزق، ثم أغمضت عيناها بقوّة لتخفي غصة ألم باغتتها، ثم اعتدلت وفتحت عيناها وهي تستعيد مشاهد اقتحام وحدات القمع الإسرائيلية للسجون، في اعتداءات تُعرف بين الأسرى والأسيرات باسم "القَمْعة"- أي القمع-.

تقول:"حدث ذلك أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، حين اقتحمت وحدات القمع السجن بعد إطلاق قنابل الغاز، واعتدت على الأسيرات اللواتي تعرّضت بعضهن للإغماء وتم تكسير أشياءنا البسيطة، بهدف منعنا من القيام بأي تحرّك ضد جرائمهم في قطاع".

اقرأ/ي أيضًا: الغضنفر يقاوم بأمعائه الخاوية منذ 62 يوم

كانت الزق التي اعتقلت عام 2008 وهي حامل، وتحررت عام 2011 خلال صفقة وفاء الأحرار، تستذكر تفاصيل الاقتحامات، وهي تتابع أخبار اقتحام وحدات القمع لسجن عوفر صباح اليوم، وهو ما أعاد لذاكرتها كل تفاصيل عملة "القَمعة".

عمليات الاقتحام والتفتيش دائمة ومستمرة ومؤذية للأسيرات والأسرى، لكن "القَمعة" هي أقسى ما يتعرضون له، حيث يتم اقتحام السجون بقنابل الغاز والعصي والهراوات والكلاب البوليسية وإطلاق الرصاص المطاطي، وتكسير كل متعلقات الأسرى التي يبتكروها من أشياء متوفرة في غرفة السجن، حتى إن الزق كانت قد كسرت قطعة بلاستيك من غطاء "ابريز" الكهرباء لاستخدامه في حفر الكوسا، لكن تمت مصادرتها ضمن الأشياء المُصادرة والمُكسّرة.

الزق: المحررون والمُحرَرات هم الأكثر تألّمًا عندما تتردد أخبار اقتحام السجون

لا راحة في السجن وهذا ما يريده الاحتلال، تقول الزق: "حتى بعد ولادتي لطفلي يوسف في السجن، تعرضنا للقمع مرة أخرى، وتسببوا في حالة فزع شديدة له، وصرت أصرخ محاوِلة حمايته"، كل ما يحدث أثناء القَمعة هو تهديد حقيقي لحياة الأسيرات والأسرى، ويجعلهم يعيشون حالة قلق وتوتر دائم وانعدام للأمان، فهم يتحسّبون الاقتحام والقمعة في كل لحظة".

المحررون والمُحرَرات هم الأكثر تألّمًا عندما تتردد أخبار اقتحام السجون كما تقول الزق، فهذه الأخبار كفيلة بأن تعيدهم إلى كل التفاصيل المرعبة التي عاشوها، قنابل الغاز والتكسير، الضرب بالعصي والهراوات وإطلاق الكلاب البوليسية.

 تضيف:"أتخيل تمامًا ما يحدث مع الأسرى وأعيشه معهم رغم مرور 10 سنوات على تحرري، أشعر بكمّ عدم الأمان الذي يعيشوه الآن، كل هذه الآثار لا يمكن أن تزول من ذاكرتي ولا أنساها أبدًا، إنها تعيش معي وتوجع قلبي وستظل كذلك".

اقرأ/ي أيضًا:الإهمال الطبي ..سلاح الاحتلال القاتل ضد الأسرى الفلسطينيين

أما المحرر إبراهيم البيطار، فيقول إن القَمعة تحدث في السجون كثيرًا، وفيها تُهاجم وحدات القمع الأقسام بأعداد كبيرة، بعد ضرب قنابل الغاز السام بهدف شلّ حركة الأسرى، ومن ثم الاعتداء عليهم بسلاح يسميه الأسرى "الفلفل" وهو عبارة عن طلقات مطاطية يتم ضرب عدة طلقات منها مرة واحدة، وعكس ما يتوقع الناس فهي مؤذية جدًا وتسببت باستشهاد الأسير محمد الأشقر عام 2007.

لا أسباب محددة للقمعة كما يؤكد البيطار الذي اعتقل عام 2003 وتحرر العام الماضي بعد قضائه 17 عامًا في السجن، فالاحتلال يريد دومًا إشعارهم بحالة من عدم الأمان، يستعينون بعناصر بأجساد ضخمة يغطون وجوههم ومحصنين بالخوذات والجُعب، يقتحمون الأقسام بالكلاب البوليسية، ويستخدمون الضرب بالعصي والهراوات ويكسرون كل شيء، حتى المعلبات وزيت الطهي كله يتم سكبه وإتلافه.

البيطار:تحررت حديثًا، لكني أستعيد منذ بداية العام كل التفاصيل المؤلمة لعمليات القمع

عام 2018، تم اقتحام سجن نفحة الصحراوي، حيث كان يُعتقل البيطار، أراد الاحتلال أخذ أحد الأسرى من بينهم في يوم العيد، وقتها كان بداية مباريات كأس العالم، ضربوا قنابل الغاز وأطلقوا الكلاب البوليسية نحو الأسرى، وسرعان ما باشروا بالضرب والتكسير وأخذوا الأسير بالقوة، بعد أن أتلفوا كل أمتعتهم.

يضيف البيطار: "القَمعة يتبعها عقوبات ضد الأسرى مثل الحرمان من زيارة الأهل والحرمان من الفورة -أي الفسحة وهي نصف ساعة في ساحة السجن- والحرمان من الأجهزة الكهربائية والذهاب إلى الكنتين- أي المقصف-".

البيطار الذي تزوج قبل نحو شهر، يعيش تفاصيل القَمعة كلما حدثت اعتداءات على الأسرى، يقول بينما يتابع أخبار ما يجري في عوفر :"تحررت حديثًا، لكني أستعيد منذ بداية العام كل التفاصيل المؤلمة لعمليات القمع".

قمع عوفر اليوم، أعاده لتفاصيل ما حدث معه أول مرة عايش فيها تجربة القمع عام 2003 في سجن الرملة، بعد خمسة شهور من اعتقاله حين كان مصابًا ويمرّ بوضع نفسي وصحي سيء.

اقرأ/ي أيضًا:طفلٌ ينزِف.. أمام قضاء "إسرائيل"!

يقول :"ضربوا قنابل الغاز في السجن واقتحموا الغرف بقوة وكبّلوا أيدي المعتقلين واصطحبوهم إلى مكان آخر، كنت معتقل حديثًا، وعليّ تقبل فكرة أنني سأقضي 17 عامًا خلف القضبان، لم أكن قد تعوّدت بعد، وهذا زاد الوضع النفسي سوءًا، وحتى ما أتابعه من أخبار حول الأسرى الآن يعيدني إلى كل هذه التفاصيل وأعيش معهم الأحداث المؤلمة".

في تفاصيل الخبر الذي يعيشه كل من الزق والبيطار، وغيرهم من المحررين والمحررات الذين جربوا القَمعة، فإن وحدات القمع التابعة لإدارة سجون الاحتلال اقتحمت غرف الأسرى في معتقل عوفر.

وقالت أماني سراحنة الناطقة باسم نادي الأسير الفلسطيني لنوى، إن وحدات القمع الإسرائيلية المعروفة باسم "درور"، و"اليماز"، التابعتان لإدارة سجن "عوفر" اقتحمت قسم "21" في سجن عوفر ونقلت الأسرى إلى قسم 18 وسط حالة من التوتر الشديد.

وأضافت سراحنة إن هذا القسم يعتبر أكبر أقسام السجن، ويضم 120 أسيرًا من مختلف التنظيمات الفلسطينية حتى أطلق عليه قسم الوحدة الوطنية، بينما تضم الأقسام الأخرى نحو 70 أسيرًا، تعرض هذا العام فقط لخمس عمليات اقتحام في تصاعد خطير لظاهرة اقتحام السجون.

لا معلومات حول ما يجرى حتى الآن، تقول سراحنة- لكن سجن عوفر من أكثر المعتقلات التي يتعرض الأسرى فيها للاقتحامات والقمع، فهذا العام فقط حدثت 5 عمليات اقتحام أعنفها في يناير حين اقتحمت وحدات من المتسادا غرف السجون بعد ضرب القسم بالغاز السام.

سراحنة:هذه السياسة التي تعتمدها إدارات السجون، في التعامل مع الأسرى، تهدف إلى إبقائهم في حالة عدم استقرار

وأضافت أن هذه السياسة التي تعتمدها إدارات السجون، في التعامل مع الأسرى، تهدف إلى إبقائهم في حالة عدم استقرار، وضع السجن عمومًا غير مستقر، ولكن كلما شعر الأسرى أنهم رتبوا أمورهم ونظموا بعض الأدوات لاستخدامها، تحدث الاقتحامات ويتم تكسير كل مقتنياتهم وهذه تضرب أي حالة استقرار للأسرى، بما فيها عملية نقل الأسرى من قسم إلى آخر.

تضيف: "كمؤسسات نرصد منذ عام 2019 تصاعدًا كبيرًا في عمليات الاقتحام، التي تتم بشكل مباغت، مثلًا في يناير تم اقتحام السجون بينما الأسرى يستعدون لتناول طعام الإفطار".

وتضيف إن وحدات قمع السجون متعددة لكن أبرزها وحدات المتسادا وهي عادة مسلحة، وسلاحها تسبب في استشهاد الأسير محمد الأشقر عام 2007، وتم منعها بعد الجريمة من دخول السجون لكنها عادت منذ عام 2019، كل فرقة مسلحة بأسلحة معينة لكن أعنفها هي المتسادا.