دبابةٌ دهست "إلهام حنّا".. معلمة الحياة و"الموسيقى"!
تاريخ النشر : 2025-07-24 16:58

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"قناص طخني برجلي.. حاول تساعدني مش قادرة أتحرك"، حاول هاني فرح تمالك أعصابه، وقد وضع يده على رأسه: "عمتي، حاولي تزحفي 50 متر، بجوارك طبيب يمكنه أن يساعدك".

عبر الهاتف جاء صوتها متقطّعًا: "يا عمتي مش قادرة، جسدي مثبت بالأرض. حاول أن تجد وسيلة أسرع"! لم تكن هناك فرصة نجاةٍ أسرع من الموت! نعم، هكذا كُتبت نهاية حكاية إلهام حنّا فرح، السيدة الثمانينية التي اختزلت في صوت أنفاسها الأخيرة وجع غزة كله، بعد 12 ساعة من النزيف، و6 أيام من الانتظار تحت الأنقاض، إلى أن دهستها دبابة!

إلهام، أول معلمة موسيقى في قطاع غزة، وابنة الشاعر الفلسطيني الرائد حنّا فرح، ولدت في الناصرة وتخرجت من دار المعلمات في غزة. تعلمت الموسيقى بالاستماع، وكانت تعزف على الأورغ، والبيانو، والكمان، ولكن عشقها الأكبر كان للأكورديون. مارست التعليم 30 عامًا، جمعت بين مادتي الرياضيات والموسيقى، وتركت أثرًا إنسانيًا وثقافيًا في مدارس عديدة كالقاهرة وصفد والرصافي.

يروي ابن شقيقها، هاني، ملامح من روحها: "كان طلبتها ينادونها الست إلهام، أو أم الأرجواني بسبب لون شعرها المميز. تلاميذها أحبّوها بشدة، كانت مرحة ومُحبة للحياة، وملتزمة بكنيستها ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى".

نجَت إلهام فرح في عدوان 2014م عندما استُهدفت عمارة المهندسين بحي الرمال وسط مدينة غزة، حيث شقتها هناك، لكن ذلك لم يحدث في الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023م.

أدّت إلهام صلاتها في كنيسة دير اللاتين بحيّ الزيتون، ثم قررت العودة إلى شقتها لتأخذ ملابس شتوية. ما إن اقتربت من العمارة، حتى باغتها قنّاص إسرائيلي بطلقة في ساقها. اتصلت بهاني، حاول إنقاذها، نسق مع طبيب على مقربةٍ منها، لكنها لم تستطع الزحف إليه. لم تستطع الوصول وغابت شهيدة.

"حاول الجيران المحاصرون مساعدتها. مدّوا لها حبلًا، لكن القنّاص كان يطلق النار عليهم"، يقول هاني بصوت يملؤه القهر، ويردف بحسرة: "ما عرفت أوصلها. انقطع الاتصال بعد أن نفدت بطارية هاتفها".

في اليوم التالي -وفق ما أخبره شهود- تقدمت دبابة إسرائيلية ودهست جسدها. بقِيت مكانها لأيام حتى تمكن طاقم الإسعاف من الوصول إليها ودفنها في مقبرة كنيسة الروم الأرثوذكس.

يختم هاني: "القناص رأى أنها سيدة كبيرة، مشيتها بطيئة، واضحة الملامح، لكنه أطلق النار.. المحتل لا يفرق بين كبير أو صغير أو مسن. إنه يقتل كل الوجود الفلسطيني". يصمت قليلًا قبل أن يكمل بتأثر واضح: "قتل عمتي إلهام.. عمتي التي لطالما عزفت لحن الحياة والأمل بغزة".