حرب غزّة.. "إبادة" بالذكاء الاصطناعي!
تاريخ النشر : 2025-05-25 11:18

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن توظيف كل إمكانياته في حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م.

لقد تعددت أشكال الهجوم العسكري وأدواته بين القصف العشوائي، والتجويع، وتعطيل المنظومة الصحية بالاستهداف المباشر للمشافي والطواقم الطبية، ومنع دخول الأدوية، وصولًا إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالشراكة مع كبرى شركات التكنولوجيا والتخزين السحابي، على غرار جوجل، وأوبن إيه آي، وأمازون، وغيرها.

تعتمد تقنية "مصنع النار" على خوارزميات تحدد أولويات الأهداف، وحساب الذخيرة المحتملة، مع إمكانية جدولة الغارات ضمن جدول زمني بإشراف المشغلين البشريين.

وتشير آلاء المدهون، الباحثة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم تقنيات عدة في حربه على قطاع غزة، ومنها ما يُعرف باسم "مصنع النار"، التي تعتمد على خوارزميات تقوم بتحديد أولويات الأهداف للطائرات المقاتلة، والطائرات المسيّرة، وحساب الذخيرة المحتملة، مع إمكانية جدولة الغارات ضمن جدول زمني بإشراف المشغلين البشريين على فحص الأهداف وخطط الغارات والموافقة عليها.

أما التقنية الثانية الأكثر خطورة -بحسب تقدير المدهون- فتسمى "غوسبل"، وتكمن خطورتها في كونها تعتمد بشكل مباشر على بيانات مجمَّعة من مصادر متعددة، كالأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار ووسائل التواصل الاجتماعي، وتخضع جميعها لعمليات تحليل معقدة؛ لتحديد الأهداف المحتملة، ثم إرسالها بقائمة تحمل الأهداف وتقييمها بالدرجات بناءً على الأهمية والإلحاح، بحسب معايير وأولويات تصنيف الأهداف لدى مستخدمها، ثم تُرسَل إلى القادة العسكريين للموافقة عليها وتنفيذها.

ويعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي على تقنيات أخرى للذكاء الاصطناعي، ومنها تقنية "الخيميائي" التي وتقوم على تحليل المحادثات وإشارات الهواتف المحمولة، بما يساهم في تسريع عملية إنشاء الأهداف المحتملة للقصف، بالإضافة إلى تقنية "لافندر" التي تمثل قاعدة بيانات تحتوي على بيانات أشخاص مرجح استهدافهم، وبالتالي تولد أهدافًا جديدة ومستمرة لعمليات القصف والاغتيال.

ضحايا من المدنيين

وبرغم تنوع تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تدخل في خدمة الأعمال العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها جميعها تشترك في غاية المساعدة بتحديد أهداف لعمليات القصف الجوي من خلال التتبع الإلكتروني وتقنيات التحليل الفائق للصور والأصوات والرسائل والمنشورات، الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر كبيرة على حياة المدنيين.

وتتعلق أخطر أشكال توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات القصف على غزة في جدولة عمليات القصف وإعطاء الأوامر المسبقة باستهداف مصادر الإشارات اللاسلكية، كإشارات الهواتف الخلوية، التي سجلت منها عشرات حوادث القصف لنقاط الشحن، وأوقعت مئات الضحايا من المدنيين.

ويقدم محمود النعيزي، وهو مصابٌ نجا من استهداف إحدى نقاط الشحن بحي الشجاعية، شهادته على ما يؤمن أنها كانت إحدى حوادث القصف المجدولة، المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فيقول: "كان أحد الهواتف داخل النقطة يشحن بشكل بطيء، وقد حاول أحد الموجودين أن يشغله لإزالة وضع توفير الطاقة الذي يعيق عملية الشحن السريع، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تم قصفنا".

كما تعرض الطفل أحمد أبو دقة، 11 عامًا من شرقي خان يونس، جنوب قطاع غزة، لهجوم من طائرة "كواد كابتر" خلال محاولته جمع الأخشاب للنار، قامت خلاله بإلقاء عدد من القنابل وإطلاق الرصاص تجاهه فور ظهورها في المكان، مما أدى إلى إصابته بشظايا وطلقات في الكبد والصدر نجا منها بأعجوبة، بما يوحي أن المسيرة كانت مبرمجة مسبقاً على مهاجمة أي هدف متحرك في المنطقة دون اعتبار للعمر أو النوع أو حتى لكونه طفلًا أعزل يقوم بجمع الحطب.

تهرب من المسؤولية

وتدين عدة تقارير حقوقية الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأعمال العسكرية؛ نظرًا للمخاطر الكبيرة التي تحملها على صعيد إيقاع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، خاصة تلك التي تعتمد على تشغيل آلي بالكامل لعمليات تحديد وتتبع وقصف الأهداف.

"عملية التحقق من أهداف الذكاء الاصطناعي تتم بطريقة سطحية جدًا، وبسبب حجم وتعقيد النماذج التي تشغلها، يصبح من المستحيل تتبع قراراتها أو تحميل أي طرف المسؤولية عنها".

مخاوف عبرت عنها هايدي خلاف، مهندسة سابقة في شركة "أوبن إيه آي"، وخبيرة في الذكاء الاصطناعي، خلال تصريحات  أشارت فيها إلى أن بعض التقنيات المستخدمة في الأعمال العسكرية قد تتهاوى نسبة دقتها إلى "25%" فقط، مشددة على أن قصف شخص واحد بالذكاء الاصطناعي دون الخضوع لاعتبارات احتمالية وقوع ضحايا من المدنيين لا يختلف عن القصف العشوائي.

وأوضحت أن عملية التحقق من أهداف الذكاء الاصطناعي تتم بطريقة سطحية جدًا، وبسبب حجم وتعقيد النماذج التي تشغلها، يصبح من المستحيل تتبع قراراتها أو تحميل أي طرف المسؤولية عنها، وهذا يجعلنا أمام تخيل سيناريو يُستخدم فيه الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف؛ للتهرب من المسؤولية عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.

وخلال الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة، رُصدت عشرات حالات إلقاء القنابل وإطلاق الرصاص على المواطنين وخيام النازحين، وبشكل عشوائي، من قبل طائرات إسرائيلية مسيرة "كواد كابتر" المعروفة باعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أصابت تلك الطائرات مدنيين من النساء والأطفال في قلب التجمعات السكانية والأسواق البعيدة عن مربع العمليات العسكرية البرية، بما لا يدع مجالًا للشك بأن الضحايا لم يكونوا عنصر تهديد بأي حال من الأحوال، ويفتح باب الشكوك حول مدى دقة تقنيات التشغيل والتوجيه وأوامر الإطلاق، ويبرز وجهًا خطيرًا لجرائم الإبادة الإسرائيلية ضد الآمنين العزّل.