أطفال "حوارة".. لهيب "الخوف" لم ينطفئ بعد
تاريخ النشر : 2023-02-27 14:31

"شعرت بأنه آخر يوم لي في الحياة. كانت النيران تلتهم كل شيءٍ حولي، ولا مكان آمن، كان المستوطنون يحرقون كل شيء يقابلونه، لم يسلم منهم شجرٌ ولا حجر" يقول الطفل إياس ضميدي الذي يحاول حتى اللحظة ابتلاع غصة ما حدث في بلدته "حوارة" جنوبي نابلس، أمس.

لم يكن إياس وحده الذي صُدم من عدد المستوطنين الذين هاجموا بلدته ليلًا، فمئات الأطفال في البلدة قضوا ليلتهم يبحثون عن الأمان بين أحضان أمهاتهم. ذاك يصرخ وهو يرى لون الليل أحمر لأول مرة في حياته، وذاك يبكي وهو يرى الموت يقترب منه بينما الكل من حوله خائف، يبحث عن الأمان فيجد النار قد التهمت كل الطرق التي تؤدي إليه.

يضيف: "بمنتهى الهمجية هجموا على منازلنا، حاولوا فتح أبوابها وحرقها. كانوا يشعلون النار في كل شيء وبالقرب منهم تقف قوات الاحتلال لتحميهم، وتعرقل وصول سيارات الدفاع المدني التي حاولت الوصول لإطفاء الحرائق".

استجمع إياس قواه مغالبًا نعاس ليلةٍ لم يذق فيها للنوم طعمًا، وتابع: "كانوا يحاولون إيقاع الأذى بكل من يصلون إليه من سكان البلدة". وأردف: "بدهم إيانا نرحل. بيحلموا، هاي بلدتنا وما بنتركها عالموت".

لا ينسى الطفل المضايقات التي لا تتوقف، التي تعرض لها على الطريق العام، أثناء ذهابه وعودته من وإلى المدرسة، ومنها "يوم أخافني مستوطن، فتعمد أن يحاصرني بسيارته، أثناء مروري بالشارع، أذهب يمينًا فيلاحقني، وشمالًا كذلك. بقي قرابة الساعة ولم يمل، ولم يتوقف حتى تمكنتُ من الفرار منه".

 أما والد زياد فيصف ما حدث الليلة بقوله: "كان أمامنا خياران، الموت خنقًا وحرقًا داخل المنزل، أو الموت  بطريقة أخرى أبشع إن فكرنا بالخروج. لقد كانوا يحاولون حرق المنزل من الخارج، شعرنا بالدخان ينتشر في المنزل".

ويستمر في سرد روايته فيقول: "بعد أن تمكنتُ من إطفاء النيران التي بدأت تصل للستائر عبر النوافذ بالماء، حاولت تأمين أطفالي وعائلتي في بلكونة تطل على شارع داخلي، ليتنفسوا الهواء، لكن حتى الهواء كان ملوثًا بالدخان الذي غطى سماء البلدة. كان الأمر مخيفًا جدًا بالنسبة للأطفال، فالمستوطنون يواصلون إلقاء الحجارة على المنزل، ونيرانهم تحاول التهامه. كانت ليلة عصيبة، وساعات مرت لم يتوقف خلالها أطفالي عن البكاء ولا لدقيقة. كان الموت على بعد خطوات، وصدقًا لم نتوقع أن نخرج أحياء".

طفلةٌ أخرى من حوارة، حدّثت صحفيين عما حدث مع عائلتها فقالت: "اختبأتُ وشقيقتي في الحمام، وذهبت جدتي لتحضر لنا البصل، كانت تحاول أن تحمينا من الموت بالدخان الذي كان ينبعث من كل مكان في الخارج. كنا خائفين، ولا نعرف لماذا يفعلون بنا ذلك! ولا أعرف أن كان الأمر سيتكرر ثانيةً، هل سنبقى على قيد الحياة هنا؟".

"لم يكن لدي خيار سوى أن أحاول منع وصول النيران التي تحاصر المنزل من كل جانب لأطفالي بأي شكل"، يقول المواطن حسن عودة بدوره لأحد المراسلين، ويضيف: "كادت النيران أن تأتي على منزلي بعد استهدافه بهجومٍ من المستوطنين".

لدى حسن أربعة أطفال أصغرهم عمره بضعة شهور، أمضى الليلة في محاولة منع النيران من الوصول إليهم، ويزيد: "وضعتهم في أكثر غرفة آمنة، لكن المستوطنين لم يتوقفوا عن رجم النوافذ بالحجارة، ومحاولة إلحاق الأذى بكل من يتحرك خلفها".

"حوارة تحترق"، وهذا ما حدث بالفعل -يردف حسن- فأدخنة النيران ما زالت تنبعث من بعض المنازل التي طالها الحريق، بعد ليلةٍ قاسية عاشها الأطفال والكبار على حدٍ سواء.