حاتم.. تدريب كمال الأجسام بلغة الإشارة
تاريخ النشر : 2023-01-30 12:03

خانيونس :

هل سبق وأن اجتمعت بشخص من ذوي الإعاقة السمعية في اجتماع عمل، نادٍ رياضي، أو حتى فعالية دون أن تجد برفقته مترجمًا من السامعين؟ الإجابة غالبًا: لا، لكن شابًا أصم كسر هذا الحاجز، بل وأصبح مدربًا في رياضة كمال الأجسام دون مترجم!

صور أبطال كمال الأجسام معلّقة في كل مكان، إضاءات بيضاء وصفراء خفيفة، وعشرة آلات رياضية مدهونة باللون الأحمر، موزّعة بطريقة عشوائية داخل "جيم" حاتم الأسدي المتواضع في حي الأمل بمدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة.

نظرة عامة على المكان تميّز من خلالها بوضوح بساطة الإمكانيات، ومحدودية الشباب الذين يقبلون على بناء أجسامهم بطريقة صحيحة، وبتكلفة ليست عالية.

يجلس حاتم (28 عامًا) على مقعد أسود في منتصف الصالة الرياضية، ويجهّز نفسه للبدء بعمله كمدرب كمال أجسام. يرتّب بملابه ويلبس حذاءه الرياضي بجدّية تامة تظهر ملامح وجهه وهو يحرّك يديه بلغة الإشارة مناقشًا أحد متدربيه عما سيقوم به اليوم.

ابتسم حاتم لـ"نوى" تلقائيًا، وأومأ برأسه مرحبًا، ثم أشار بإصبعه نحو صورةٍ كبيرة معلّقة على الحائط لرجل ذو عضلات قوية، ليعبّر بلغة الإشارة قائلًا: "أنا كالموجود في الصورة لدي عضلات مفتولة ألعب الرياضة بانتظام". يلف ظهره مستعرضًا، ويرفع يديه للأعلى بحركة شهيرة لاستعراض العضلات، ثم يضحك ويكمل:" لكنني فريد من نوعي لأني من ذوي الإعاقة السمعية".

حاتم شاب أصم أبكم، قرر التغلب على ما يمر به ويتجه إلى شغفه في عالم الرياضة. يقول لـ"نوى": "شعرت أن هناك طاقة مدفونة داخلي ولا أستطيع البوح بها عن طريق الكلام، فوجدت برياضة كمال الأجسام ما يريحني، وأدمنت ممارستها على مدار 6 سنوات".

هل تستطيع التواصل مع الناس بلغة الإشارة؟، يجيب حاتم وهو يحكّ رأسه: "لغة الإشارة غير منتشرة بين الناس. في بعض الأحيان أفقد أعصابي بسبب عدم فهمهم لما أريده، ولذلك اضطررت لفهم لغة الشارع وتطبيقها بإشارات قريبة للمستخدمة لدى الأشخاص الناطقين، لا تنفع في الكثير من الأحيان لكنني ما زلت أحاول".

ويضيف عن بدايته:" كنت أمر بأوقات صعبة، حتى شجعني بعض أصدقائي لألتحق بالنادي الرياضي. في بداية الأمر كنت أخشى ألا يفهم عليَّ الجميع؛ ولكن مع مرور الوقت أصبح التواصل في غاية السهولة".

وعن سبب اختياره أن يكون مدرب كمال أجسام، يضيف:" أتقنت رياضة كمال الأجسام، وبت ُّلا أقدر على مشاهده أقراني السامعين يمارسون رياضة حمل الأثقال بشكل خاطئ، فأساعدهم على اختيار الأوزان المناسبة لأجسامهم، وأعلّمهم الطريقة الصحيحة لحملها، وبناءً على ذلك قررت أن أصبح مدرب كمال أجسام معتمد".

عانى حاتم من المتدربين الذين لا يعطونه الثقة من البداية، فالصورة النمطية عن قدرات الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية ما زالت قائمة، لكن مهارته في التدريب وكفاءته في إعطاء التعليمات أجبرتهم على احترام قدراته ليصبح مدرب كمال أجسام موثوق لدى الأشخاص الناطقين.

يقف الشاب عريض المنكبين، ثم يمشي باتجاه أحد متدربيه وهو يحمل أثقالًا، يضع إصبع السبابة على صدر المتدرب ليثبت جسمه على آلة رفع الأثقال، ويعطيه بعض التعليمات، ثم يكمل حديثه لـ"نوى": "بعد فترة من العمل لقيت ترحيبًا كبيرًا من الأشخاص السامعين، ما جعلني أشعر بالدمج والمساواة أثناء تدريبهم".

يأخذ حاتم نفسًا عميقًا ثم يكمل المشي في صالة الرياضة الصغيرة المليئة بآلات الرياضة القديمة، يجلس على إحداها ليسند ظهره، ويكمل: "أنا مولود بإعاقة سمعية تامة، لكنني استطعت أن أدرس من الابتدائية حتى الجامعة، فقد حصلت على معدل 75% في الثانوية العامة، ثم درست دبلوم تكنولوجيا إبداع في الجامعة الإسلامية".

يشير حاتم إلى أنه لم يعمل بشهادته مطلقًا، حيث تلقى فرصة وحيدة للعمل "بطالة"، لمدة ستة شهور في إحدى مستشفيات قطاع غزة، وأن عمله في النادي جعله قادرًا على تحمل مسؤولية نفسه وبيته.

يزمُّ الشاب الأشقر عينيه، ثم يعلق على حالته الاجتماعية: "أنا متزوج من فتاة صماء مثلي، أنجبت طفلة أسميتها سالي وأحبّها جدًا، والمفاجأة الكبرى أنها من الأشخاص السامعين".

وعن نظرة المجتمع له يوضح "لابد أن أرى نظرات استغراب أو عطف أو إحباط من قبل بعض الناس الجاهلين بنوعية إعاقتي؛ لأن أغلبهم يتوقعون عدم فهمي للحياة، ويشككون في قدرتي على بناء حياة جيدة؛ لكنني أثبت العكس، الآن الجميع سعيد لرؤيتي أحقق هدفي كوني أول شاب في فلسطين من ذوي الاعاقة السمعية يمارس هذه الرياضة ويصبح مدربًا لها".

يبتسم الشاب الذي غلب على كلامه طابع الجدية، ويوجه رسالة إلى كل من اختبره الله بإعاقة معينة عبر إيماءات جسده ولغته الخاصة: "الإعاقة ليست حاجزًا. بادر وأثبت أنك تستطيع أن تصنع المستحيل بإرادتك".

حاتم كغيره من الشباب يحلم بوظيفةٍ رسميةٍ إلى جانب عمله كمدرب كمال أجسام، ليؤمن حياة كريمة له ولعائلته، ونظرًا لما يحدث في غزة من تجاهل توظيف الأشخاص من ذوي الإعاقة بما نسبته 5% في المؤسسات، والوزرات، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وذلك تطبيقًا لقانون العمل الفلسطيني، قرر دراسة برنامج الفوتوشوب بشكل معمق حتى تتاح له فرصة العمل عن طريق الإنترنت، باعتبارها أحد وظائف العصر الحالي ولا تحتاج للنطق بالكلام لأدائها.

 لكن يبقى السؤال: إلى متى سيواجه الأشخاص من ذوي الإعاقة مر الحياة، دون أي دعم يضمن أن تكون حياتهم أكثر سهولة؟