"القهر" في رسالة قصيرة: "لأنك صمّاء بكماء"
تاريخ النشر : 2023-01-26 14:12

مرّت الأيام رتيبةً بعد أن تقدّمت هبة لامتحان التوظيف الأخير. كانت شبه متأكدة من نجاحها هذه المرة، فهي مملوءة بقدراتها، وتفيض. ذات صباحٍ تكسّر قلبها على عتبة الأمل، ونبتت أشواك اليأس بين كلمات رسالةٍ وصلتها بقرارٍ من لجنة تقييم مدى موائمة الإعاقة للوظيفة: "هبة محمد كامل الفرا، نود إعلامكم بتعذر منحكم الامتيازات الخاصة بتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة".

تقول لـ"نوى": "لم أطالب بأكثر من حقي، فقررتُ تقديم شكوى للمراجعة، ليأتيني الرد أبرد وأقسى: هبة محمد كامل الفرا، بالإشارة إلى الشكوى المقدمة منك، وبعد عرض الموضوع على اللجنة المختصة، فقد تبين أنك غير لائقة لوظيفة معلمة، لأنك صماء وبكماء".

ضربتان مؤلمتان على رأس "الإنسانية"، فتحتا الباب لعشرات الأسئلة في ذهن هبة، تلك الشابة التي لم تشعر مرةً أنها من ذوات الإعاقة، لأنها كانت قادرة على إنجاز ما لا يستطيعه الأصحاء. تعقب: "لكن اليوم، وبفضل قرار ديوان الموظفين العام، أيقنت أن لا مكان للأشخاص ذوي الإعاقة في الوظيفة العامة، وتأكدتُ بما لا يدع مجال للشك بأن ما يقال عن 5% من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة، ليس إلا ذرًا للرماد في العيون".

هبة كانت طوال فترة دراستها الجامعية، متميزة وناجحة ومتفوقة، حتى أنها نجحت في امتحان التوظيف، "فهل يعقل أن أُحرم من الوظيفة لأنني وُلدت صماء وبكماء؟".

تكمل بصوتٍ يرتجف: "أن أُترك هكذا، أنتظر شفقةً أو صدقةً من هنا أو هناك، هل هذه هي العدالة؟ نثابر ونحاول ونتحدى الظروف، لكننا نحرم من حقنا المنصوص قانونًا، حقنا في العمل"، مردفةً: "فعلتُ كل ما يجب، درستُ وتخرجتُ ونجحتُ واجتزتُ الاختبار الأول للوظيفة بعد تخرجي. ماذا يجب أن أفعل أكثر كيف يقتنعوا بقدراتي؟ وإمكانية نجاحي؟".

"بعد أربع سنوات من الدراسة الجامعية، في كلية تنمية القدرات ين أشخاص طبيعيين، تمكنت من التخرج بتفوق، ولم أشعر بأي فرق بيني وبين غيري من الأشخاص، إلى أن جاءت تلك الرسالة التي حطمت كل أحلامي وكانت بمثابة الضربة القاتلة" تزيد هبة بقهر.

لم تكتفِ هبة ببكالوريوس التربية الخاصة، لكنها درست دبلوم الإبداع في الجامعة الإسلامية أيضًا. كانت طوال الوقت تسير بعزيمةٍ وإرادة، وترى أن المستقبل يحمل الأفضل، تعلق بالقول: "ما حدث، عثرة لي ولغيري من ذوي الإعاقة، نحن رفضنا أن نكون عالةً على المجتمع، لكن ما يحدث معنا لا يرحم".

كل ما تطلبه هبة اليوم أن تكون في المكان الذي يناسب دراستها وتخصصها، وقدراتها أيضًا، وأن تحصل على حقها في الوظيفة كغيرها ما دامت نجحت في الاختبار، مشددةً على أن من واجب الجهات المختصة موائمة الوظيفة للأشخاص ذوي الإعاقة، وليس العكس.

طريق لم تكن سهلة، وكان محفوف بالصعوبات اجتازتها هبة حتى تمكنت من الحصول على درجة البكالوريوس، "ومن الإجحاف أن أُكافأ بالحرمان من الوظيفة التي أستحق".

"في الوقت الذي عرفت أنني أعيش في مجتمع لا يعطي كل ذي حق حقه، قررت أن استمر في المطالبة بحقي، حتى أحصل عليه" تختم.