"مقلوبة" في شوارع قطر.. والرسالة "فلسطين"
تاريخ النشر : 2023-01-22 13:57

الدوحة:

لا يكاد يمرّ يومٌ في سوق "واقف" بالعاصمة القطرية الدوحة، منذ انتهاء المونديال، دون أن تفوح في جنباته رائحة "المقلوبة".

مقلوبةٌ فلسطينية "مُعتبرة" يُعدّها شابٌ يقف مبتسمًا أمام جموع الحاضرين. يغطّي "طنجرة" الطعام بصينيةٍ، ثم يقلبها وسط تصفيقٍ عالٍ.

من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، إلى قطر، تمكّن صانع المحتوي الفلسطيني الشاب محمد أبو رجيلة، من إيصال عراقة النكهة في المطبخ الفلسطيني إلى مختلف الجنسيات هناك، عبر إعداده الطعام على الملأ وبين الناس مباشرةً.

ورغم أن رحلة أبو رجيلة إلى قطر، كانت بهدف تغطية مونديال 2022م، إلا أنه قرر البقاء هناك لمدةٍ إضافية، من أجل التعريف بأهم ملامح الهوية الفلسطينية: المقلوبة، والسلطة الغزّاوية، والدُقة والزعتر مع زيت الزيتون، والسماقية، وغيرها من الأكلات الفلسطينية الشعبية.

مقاطع فيديو مليئة بالإثارة والضحك، نشرها محمد لأجانب يحاولون تقليده بنطق كلمة "رِقَاق" أي الخبز المصنوع على الصاج، أو كلمة دُقّة، وغيرها من الكلمات التي حاولوا نطقها بعد أن تناولوها وأعجبتهم، والألطف هو ذلك الفيديو الذي ظهر فيه رجل يقول له: "هاتها، سآخذ الطنجرة إلى البيت، فغداء عائلتي اليوم من صنع يديك".

الطريق إلى هناك لم تكن سهلة بالنسبة للشاب العشريني، الذي لم يحظَ كثيرًا بفرصة مغادرة قطاع غزة الذي تحاصره "إسرائيل" منذ نحو 17 عامًا، "فالواقع صعب، والسفر حلم" يقول لـ"نوى".

ويضيف: "تجربة السفر عندنا صعبة، الكثير من دول العالم لا تعطينا الفيزا للمرور أو الإقامة وهذا مؤلم. نحن مثل كل شعوب العالم نريد أن نتحرك بحرّية، ونسافر، ونعرف العالم بثقافتنا".

حين سافر محمد، لم يكن قد خطط لكل هذا، وكان يظن أنه سيكتفي برفع الكوفية الفلسطينية والعلم، "لكنني سألتُ نفسي: لماذا لا يمتد الموضوع إلى تفاصيل أكبر، وأقرب للقلب؟ لا سيما بالنسبة للفلسطينيين المغتربين الذين تواجدوا هنا وقت المونديال".

"هناك أشياء يجب أن يحملها المغترب الفلسطيني معه عندما يغادر قطاع غزة: الزبدية، والمدّقة"، كلماتُ قالها محمد في أحد مقاطع الفيديو التي نشرها عبر صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي من داخل قطر، قبل أن يضع فيها بعض البندورة، والفلفل الأخضر، والملح، والثوم، ليحضّر السلطة الغزاوية.

يكمل: "أعجبتهم كل الأكلات، بعضهم تذوق المقلوبة لأول مرة، وأما الدُّقة فحدّث ولا حرج. كنتُ حريصًا قبل تقديم أي وصفة على التعريف بنفسي، وأنني من فلسطين، وأن هذه إحدى مأكولاتنا الشعبية"، والأهم من هذا كله تذكيرهم بأن فلسطين تحت احتلال.

هناك، واجه محمد الكثير من العقبات، وكان أحدها وأهمها رفض الكثيرين التصوير رغم إعجابهم الشديد بالطعام، "ثانيًا أنا لم أجد من يصوّرني، فلستُ ضمن طاقم، أعملُ بمفردي، وقد اضطررتُ في بعض الأحيان لتصوير نفسي من عدة زوايا، وتكرار المشاهد مرارًا لأخذ أفضلها من أجل النشر".

يمتلك محمد قناعة، بأن الطعام مهم في الوصول إلى قلوب الناس. يُعقّب ضاحكًا: "في الحقيقة، إن الوصول إلى الناس عبر التراث غير المادي -الأكلات الشعبية- أمرٌ مهم، عبر هذه الأطباق تعرفوا إلى أكلاتنا الموروثة، وفي الوقت ذاته فهموا رسالة شعبنا الفلسطيني".

ويرى محمد أنه موجود لصنع البهجة عبر التراث الفلسطيني، يكمل : "كل من شاهدنا ونحن نمارس الدبكة الشعبية، ونغني الأغاني التراثية، لن ينسانا. أوقات البهجة من الصعب أن تُنسى، كل من تناول طعامًا فلسطينيًا وأعجبه لن ينسى مذاقه، بل ربما يجرّبه لاحقًا. وهذا شجعني على المواصلة وأسعدني جدًا، وأشعرني بأنني بلغتُ الهدف".

يستعد محمد حاليًا لحزم أمتعته والعودة إلى قطاع غزة عبر طريقٍ صعبٍ طويل، لكنه سوف لن ينسى أبدًا ما حدث معه. الرسالة التي أوصلَها كانت عميقة، مطعّمة بالحب لوطنٍ يتلهّف للحرية والمساندة أيما كان نوعها.