مواسم "القهر" بغزة.. "عروض وفش فلوس"
تاريخ النشر : 2023-01-18 11:21

قطاع غزة:

"كل البلد عايشة على العروض!" جملةٌ كفيلةٌ بأن تخبرك عن حال الناس في قطاع غزة. إعلاناتٌ وعروضٌ على المأكل والملبس تغزو المنازل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، "فأهلًا بك في عالم التوفير" وفق ما يُروَّج. 

"خدعة" هكذا وصفتها إيمان نعيم "وليس لأن العرض كاذب، بل لأنها تجعل المرء يُقبل على شراء ما يحتاجه وما لا يحتاجه! يرى العرض مغريًا، وأسعار المعروضات فرصة لا تُفوّت، وينطلق" تقول ضاحكة.

وتضيف: "أرى إعلانات العروض أمامي عند موعد الراتب فلا أفوّت الفرصة. أذهب للتبضع دون تردد، لكنني بعد العودة أندم، وهذه هي الحقيقة".

إيمان أمٌ لخمسة أطفال، وزوجة عامل بناء، تعمل معلمةً في مدرسةٍ حكومية، وبمدخولهما الشهري تظن أن وضعها "مستور"، إذ تلبي احتياجات منزلها، وتسدد ما عليه من ديون، "وهذا أقصى ما يتمناه المرء في غزة!

بالنسبة لسماح الكفارنة "موسم العروض هو موسم قهر" هكذا تصفه! فهي ربة منزل منذ تخرجت من الجامعة قبل 9 سنوات، بينما زوجها يعمل باليومية في سوقٍ شمال المدينة.

"أشاهد الإعلانات وأبكي حالي، فحتى تلك الأشياء التي أحتاجها فعلًا، وقد تصل أسعارها إلى النصف في مواسم العروض لا أستطيع اقتناءها" تقول بحرقة، متابعةً: "أحاول إشعار زوجي بأن كل شيءٍ موجود، وأنني سعيدة، لكن هذا الموسم تحديدًا يحرق قلبي.. ملابس الأطفال المميزة، وأدوات المطبخ، والمنتجات الغذائية كمرطبانات الشوكولاته، وغيرها، كلها تدخل ضمن قائمة التخفيضات لكنها بالنسبة لي حلم حتى وهي رخيصة".

ولعلّ الأمر المثير للسخرية؛ أن الأطفال أيضًا باتوا يرقبون "التنزيلات" هذه بفارغ الصبر. يلمحونها في المحلات التجارية، ويشدون أثواب أمهاتهم قائلين "ماما، في عروض هنا تعالي نشوفها.. فرصة!" وهذا ما حدث فعلًا مع مروة عليان في آخر مرةٍ اصطحبت فيها ابنها إلى السوق قبل شهر.

تتساءل باستنكار: "كيف لطفلي الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، أن يقدّر وجود "فرصة"؟ كيف له أن يفهم أن هذه العروض ستوفر على عائلته وتقنن من مصروفاتها الشهرية؟". تبتلع ريقها وتصمت دقيقة ثم تقول: "يااااه، ألهذا الحد يكبر أطفال غزة قبل أوانهم؟".

ترى مروة أن المستفيد الأكبر من العرض هو البائع وليس المستهلك، "كونه صرّف منتجاته بسعر الشراء على الأقل، ولم يخسر في المقابل". 

وقصة "التنزيلات" هذه بنظر المواطن أيمن طعمة مثيرة، تشجّعُ على الشراء، ووتعيد الناس إلى بيوتهم فرحين للغاية وكأنهم تقاضوا راتبًا جديدًا، "ويا ليت الأمر يقف هنا، بل إنه يمتد لإخبار أفراد العائلة واحدًا واحدًا بالعرض، ليلحق بالفرصة ولا تفوته" يزيد ويضحك.

ويكمل: "أنا بكيّف حتى لو الخصم بسيط! المنتجات غالبًا جودتها ليست سيئة، وتنفعنا بشكل جدي"، مردفًا: "غالبية المنتجات الغذائية تكون أقرب لانتهاء الصلاحية، لكن الباعة يشجعوننا بتخفيض أسعارها، ونحن بدورنا نستهلكها قبل انتهائها بالفعل".

ولعل المدقق في فكرة "العروض" داخل بقعةٍ محاصرة، يفهم سبب تهافت الناس عليها حتى وإن لم يكونوا بحاجتها اليوم، حيث بلغت نسبة الفقر خلال العام 2022م في قطاع غزة حوالي (64%)، فيما تعاني أكثر من نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي.

ووفق مركز الإحصار الفلسطيني، فقد وصلت نسبة البطالة إلى ما نسبته (51%)، وهي واحدة من بين أعلى معدلات البطالة في العالم، وهذا ما يفسر اعتماد (80%) من الغزيين -وغالبيتهم من اللاجئين- على معوناتٍ إنسانية تقدمها منظمات محلية ودولية، وفي مقدمتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).