فُتِح باب السجن لكن والدة كريم توفيت
تاريخ النشر : 2023-01-05 14:39

وادي عارة:

"حمّلت والدتي فوق طاقتها وهي اختارت أن تراني من السماء ".

جاثيًا على ركبتيه أمام قبر والدته في بلدة عارة، صدح صوت الأسير الفلسطيني المحرر كريم يونس "66 عامًا" بهذه الكلمات، أمام جموع الناس الذين رافقوه إلى هناك.

فبعد أربعة عقود أمضاها بين جدران زنزانةٍ باردة تنسّم كريم يونس الحرية، اختلطت مشاعره بين حنينٍ لذكرياتٍ انقضت وأملٍ في أيامٍ تنتظره في مواجهة الحياة التي تغيرت ملامحها بعد كل هذه الرحلة الطويلة بين برزخ السجن وبساتين عارة.

صباح اليوم، وبشكل مفاجئ، أفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير يونس الذي توفيت والدته قبل ثمانية شهور فقط دون أن تراه حرًا، وتركوه وحيدًا في محطة للباصات بمنطقة تسمى رعنانا، وتبعد ساعة عن مكان سكناه في منطقة وادي عارة، حيث حرموه حتى من حقه في استقبال عائلته له، ما اضطره للاستعانة بهاتف أحد العمّال للاتصال بعائلته.

من وسط جموع الناس الذين توفدوا لمرافقته مبتهجين بحرّيته، اتجه كريم يونس إلى منزل والدة ابن عمه ماهر الذي ما زال معتقلًا في سجون الاحتلال، يقضي محكومية 40عامًا مثله تمامًا، وقال لوالدة ابن عمه: "خرجت لاستكشاف الواقع خارج السجن".

سرعان ما عمّت الزغاريد أرجاء منطقة وادي عارة، وتوافدت جموع المهنئين بسلامة كريم، الذي قضى كل مرحلة شبابه خلف قضان السجون، وقال حديثه لوسائل الإعلام :"الفرحة منقوصة بوجود أكثر من 4500 أسيرًا في سجون الاحتلال تركتهم خلفي وهو يصرون ألا يرفعوا الراية البيضاء".

ويكمل يونس: "المقاوم ليس موظفًا كي يتقاعد، المقاوم يحمل قضية شعب مناضل، وأنا خرجت من السجن لأكمل المشوار مع أبناء شعبي وانشد معهم نشيد بلادي"، ووجه يونس التحية لكل أبناء الشعب الفلسطيني المناضل في الداخل وقطاع غزة والضفة الغربية والشتات.

ولم يتمكن المناضل كريم من الحديث عن تفاصيل ليلته الأخيرة بالسجن، لكن تحدث كيف فوجئ بالجنود الذين أخرجوه من السجن إلى سيارة عسكرية، ونقلوه إلى سيارة أخرى، بطريقة عسكرية، ومن ثم تركوه في محطة باصات وحيدًا دون أن يعرف أهله بخبر الإفراج عنه حينها، وكأنهم أرادوا منعه بالشعور بالانتصار حتى وإن كان أمضى كل شبابه خلف القضبان.

ظهر اليوم تناول كريم أول وجبة غداء جماعية مع عائلته، فهو لم يحظَ بفرصة هذه اللمة منذ أربعين عامًا، والأقسى أنه لأول مرة منذ ذلك الحين يتناول اللحم المشوي، فهذا الخيار محرّم على الأسرى والأسيرات في عُرف إدارات السجون التي تتحكم حتى فيما يأكلون وما يشربون.

"لحظات لا توصف، أحاسيسي تكلّست، غير قادر على التعبير، هذه أول مرة أرى فيها الفضاء بعد أربعين عامًا"، هكذا رد يونس على صحفية سألته عن مشاعره لحظة الإفراج عنه، لكنه أصرّ على نقل رسائل الأسرى في سجون الاحتلال واذلين يؤكدون على الصمود والوحدة الوطنية.

أما شقيقه نديم فقد ابدى سعادته بمشهد الجموع التي حضرت للاحتفال بالإفراج عنه شقيقه كريم، وقال بعيون دامعة: "أظن أن الصوان الذي حضرناه لن يكفي لكل هؤلاء الناس، لكننا سنحمل زوارنا لنتمكن من استقبال الجميع".

لكنه عاد ليؤكد إن فرحتهم ستكتمل بعد 12 يومًا حين يتم الإفراج عن ابن عمهم ماهر الذي بقي خلف القضبان، واصفًا ما حدث مع كريم لحظة الإفراج عنه بأنه عملية شبه عسكرية هدف منها الاحتلال تنغيص فرحته، لكن هذه العودة المعنوية لكريم تعني أن السجن لا يُغلق فهو عاد بمعنويات عالية كي يكمل النضال، وهو رغم كل شيء لن ينسى الأسرى.

وكانت شرطة الاحتلال اقتحمت يوم أمس منزل عائلة كريم واستولت على الإعلام الفلسطينية ورايات حركة فتح التي ينتمي لها، ومنعتهم من تعليق البوسترات أو فتح الأغاني الوطنية.

وُلد كريم يونس في نوفمبر 1958 في بلدة عارة بالداخل المحتل، وهو الابن الأكبر لعائلته، ودرس في مدارس بلدته، تخرج من جامعة بن جوريون تخصص الهندسة الميكانيكية، وتم اعتقاله على خلفية مقاومة الاحتلال وحكم بالسجن أربعين عامًا عام 1983، ولاحقًا تم اعتقال ابن عمه ماهر على ذات الخلفية، ورغم حدوث نحو 18 عملية تبادل أسرى خلال هذه السنوات لكن قوات الاحتلال كانت ترفض دومًا الإفراج عنه.

عند اعتقاله تعرض كريم لتحقيق قاسٍ وطويل، وحكم عليه بداية بالإعدام، ومن ثم حكمًا بالسجن مدى الحياة ولاحقًا أربعين عامًا، توفي والده عام 2013، وتوفيت أمه قبل ثمانية شهور من الإفراج عنه.

وفي أول رسالة له بعد وفاة والدته، قال: "أمي زارتني في السجن ما يقارب الـ700 زيارة، كانت تقاتل لتصلني إلى السجن، لم تكل رغم ما نثره المحتل من أشواكٍ في دربها".

وأضاف: "برغم الألم والفقدان إلا أنني شعرت بسعادة وفخر عندما علمت أنَّ الحاجة لُفت بالعلم الفلسطيني الذي غُرز أيضًا على أرض مقبرة قرية عارة".

ها هو اليوم كريم حرّ، ولكن ثمة أسرى وأسيرات في سجون الاحتلال تذوب أعمارهم خلف القضبان دون أن يتدخل العالم من أجل إنقاذهم.