الإعلام الفلسطيني 2022... تفاصيل كُتبت بالدم
تاريخ النشر : 2023-01-04 10:45

ينهي الصحفيون الفلسطينيون عاما ثقيلا على الروح، كتبوا تفاصيله بالدم، وتكبدوا فيه خسائر لا تُعوض، فقدوا فيه الزملاء، وتعرضوا فيه لسلسلة طويلة من الاعتداءات والانتهاكات بشتى أشكالها، كانوا فيه بمرمى القناص الإسرائيلي، مستهدفين بالقتل والاعتقال والاعتداء المباشر، منتقلين إلى عام آخر، مليء بالتحديات الصعاب، والمهام الثقال.

وتطغى صورة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والشهيدة غفران وراسنة على المشهد الإعلامي الفلسطيني لعام 2022، وهما اللتان اغتالتهن قوات الاحتلال الإسرائيلي، ليرتفع عدد شهداء الحركة الصحفية الفلسطينية في فلسطين منذ العام 2000 حتى 2022 إلى 48 صحفي/ة بحسب توثيق مركز مدى للحريات الإعلامية.

لقد تحول الصحفيون في عام 2022 إلى أهداف مباشرة لرصاص جنود الاحتلال خلال تغطيتهم الميدانية، وما حدث مع شيرين أبو عاقلة من استهداف مباشر برصاص قناص، رغم تعريفها بهويتها الصحفية واتخاذها لكل الاحتياطات الواجب اتباعها أثناء التغطية الصحفية، وما جرى مع غيرها من الطواقم الصحفية خلال التغطية الإعلامية يدلل أن الصحفيين تحولوا إلى أهداف مباشرة، نظرا ًللدور الذي يقومون به في التغطية الصحفية وكشف جرائمهم.

إن اغتيال شيرين أبو عاقلة يعتبر نموذجا واضح الدقة لما يتعرض له الصحفيون الفلسطينيون على يد قوات الاحتلال، وقد أدينت تلك الجريمة على كل المستويات الإعلامية والسياسية، ودحضت وسائل الإعلام الدولية عبر تحقيقاتها التي أجرتها في مكان استهدافها كل محاولات الاحتلال إفلاته من جريمته والتنصل منها، وأكدت أن شيرين قتلت برصاص الاحتلال المتعمد

ودفعت جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، نقابة الصحفيين إلى تسلّيم ملف الشكوى القانونية الرسمية بقضية اغتيالها، لمكتب النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية في مدينة "لاهاي" الهولندية، يتضمن كذلك إصابة الزميل علي سمودي، واستهداف الزميلة شذى حنايشة، أثناء تغطيتهم لاقتحام قوات الجيش الإسرائيلي لمدينة جنين، في الحادي عشر من أيار الماضي، استكمالا للبلاغ الذي جرى التقدم  به للجنائية الدولية في نيسان/ أبريل 2022 لفتح تحقيق في الاستهداف الممنهج للصحفيين الفلسطينيين (بمن فيهم أحمد أبو حسين، ياسر مرتجى، ومعاذ عمارنة، ونضال اشتية)، والبنية الإعلامية من قبل قوات الجيش الإسرائيلي.

عام ثقيل

وقالت القائم بأعمال مدير مركز مدى شيرين الخطيب لـ"نوى" إن 2022 كان عاما ثقيلا على الإعلاميين والحريات الإعلامية بشكل عام، فقد استشهدت في الشهور الأولى منه وقبل انتصافه صحفيتين من خيرة إعلاميين الوطن، وهما الصحفية شيرين أبو عاقلة والصحفية الشابة غفران وراسنة بفارق أقل من شهر أثناء توجهها لعملها في إذاعة "دريم" في الخليل.

وقالت الخطيب "تم اغتيال الصحفيتين بدم بارد، ولا يدل إمعان قوات الاحتلال في ارتكاب المزيد من الجرائم والاعتداءات الجسيمة بحق الصحفيين/ات إلا على أن الهدف الأساسي من وراء ذلك هو حجب جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني عن الرأي العام العالمي".

 وتابعت الخطيب "أن إفلات مرتكبي جميع هذه الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية ضد الصحفيين ووسائل الإعلام في فلسطين هو الذي يشجع الاحتلال في ارتكاب المزيد منها، لذا يجب ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة لوضع حد لجرائم قتل الصحفيين والاعتداءات الجسيمة التي ترتكب ضدهم."

صحفيات رهن الاعتقال

لا يكاد يمر عام دون أن تعتقل سلطات الاحتلال الصحفية بشرى الطويل من مدينة البيرة، التي تحول دائما للاعتقال الإداري نظرا لعدم وجود تهمة واضحة ضدها، الأمر الذي يؤثر على عملها الصحفي، كما طال الاعتقال الإداري أيضاً الصحفية دينا جرادات لمدة 4 شهور ونصف، قبل أن يفرج عنها نهاية العام، ويعد هذا الانتهاك سيفا مسلطا تلجأ له قوات الاحتلال لملاحقة الصحفيين نظراً لعدم وجود لائحة اتهام حقيقية ضدهم.

تقول الصحفية المحررة بشرى الطويل لـ"نوى"، إن الاعتقال الأخير كان الأقسى بالنسبة لها، وخاصة في مجال العمل الصحفي وتنقلهم من مدينة إلى أخرى، فالاعتقال هو هاجس يلاحقهم عبر الحواجز، وهو ما جرى معها، حيث اعتقلت في المرتين الأخيرتين على حاجز احتلالي خلال تنقلها بين المدن خلال عملها الصحفي.

ولفتت الطويل أن الانتهاك الأبرز الذي نتعرض له هو الاعتقال الإداري، والاحتلال يتذرع بحجج واهية وزائفة، منها توتر الوضع الأمني الخارجي واتهامنا بممارسة التحريض، وأنه لا يجوز أن نكون أحرارا وهناك توتر في الخارج، رغم أن عملنا يقتصر فقط على التغطية الصحفية، مشيرة أن اعتقالها الأخير جاء بعد 4 شهور فقط من تحررها من السجون، وهي مدة لم تسمح لها باستئناف حياتها العملية.

وتابعت الطويل " أن الاعتقالات تعيق الحياة العملية والأكاديمية، وحتى مع تحرر الصحفي أو الصحفية من الاعتقال يواجه صعوبة كبيرة في العثور على عمل جديد، وللأسف هناك شروط كثيرة من أجل التوظيف تعيق العثور على وظيفة جديدة، ولذلك لا يتبقى لنا سوى خيار العمل بشكل منفرد، إضافة لما أتعرض له منذ 5 سنوات، من حرمان من راتبي كأسيرة محررة".

وتعرضت الطويل خلال الاعتقال الأخير لانتهاكات خطيرة أسوة ببقية الأسيرات في الفترة الماضية، إضافة لسوء الحالة النفسية لبعض الأسيرات داخل القسم، وعدم استقرار الأوضاع، واستنزافنا نظرا لاحتضان تلك الحالات والمتابعة معها، واستشهاد الأسيرة سعدية فرج الله، وكانت سابقة مؤلمة للأسيرات أن تستشهد بين الأسيرات.

ولفتت أن التحقيق تركز على عملها الصحفي في تغطيتها لقضايا الأسرى، وبعض القضايا الداخلية مثل انتخابات بلدية البيرة، مشيرة أن الاعتقالات المتتالية التي تتعرض لها تعيق تطورها الصحفي وعملها، قائلة " الاعتقال يحرمني من تطوير مهاراتي وعملي الصحفي، وقد توفر لي عمل جيد خارج فلسطين لكن بسبب منعي من السفر حُرمت منه، وفي أحيان كثيرة نعمل مع مؤسسات في الخارج سواء إعلامية أو حقوقية والاعتقال يتسبب بانقطاع ذلك العمل، وكل مرة حين يتم الإفراج عني اتفاجأ بالتطور في العمل الإعلامي وعلي مواكبته، إضافة إلى حرماني من إدخال الكتب الإعلامية إلى السجن".

تصاعد الانتهاكات

لم تنته المؤسسات الحقوقية والإعلامية من إعداد تقاريرها السنوية في رصد اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته للعمل الصحفي، لكن المؤشرات والمعطيات تشير إلى ارتفاعها مقارنة بالعام الماضي، ويبقى الاحتلال هو السبب الأول في معظم الانتهاكات.

وقال مدير وحدة الحماية القانونية للصحفيين في بيت الصحافة عبد الله شرشرة لـ"نوى" أن انتهاكات الحريات الإعلامية بحق الصحفيين الفلسطينيين والعاملين في وسائل الإعلام خلال الفترة الزمنية من 1 يناير 2022م حتى نهاية نوفمبر 2022، قد بلغت 1327 انتهاكا، تتمثل في 879 انتهاكا ارتكبت بواسطة قوات الاحتلال الإسرائيلي، و 78 انتهاكا داخليا، و 370 انتهاكا للحقوق الرقمية للصحفيين، كما بلغ عدد الصحفيين الذين انتهكت حقوقهم خلال العام 2022 ما يقارب (969) صحفيا، من بينهم 736 صحفي، و 233 صحفية.

ولفت شرشرة أن أبرز أنماط انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للحريات الإعلامية خلال العام 2022 كانت القتل، الاعتقال، الإصابة بالرصاص المطاطي، الاختناق بالغاز المسيل للدموع، المنع من التغطية، ومصادرة المعدات الصحفية.

وأشار شرشرة إلى تعرض الصحفيون لانتهاكات من جهات داخلية مختلفة في كل من الضفة وقطاع غزة، من أهمها أجهزة الأمن وبعض شركات القطاع الخاص ومواطنين، وقد بلغ عددها من يناير وحتى نوفمبر (78) انتهاكا (55) انتهاكا في الضفة، (23) في قطاع غزة، وكان من أبرزها الاعتقال والاستدعاء، التهديد والتخويف، مصادرة المعدات الصحفية، انتحال صفة مؤسسة إعلامية.

 وإلى جانب كل تلك الاعتداءات، فإن سلطات الاحتلال لا تزال تعيق حق الصحفيين في الحركة والتغطية، وهو حق أقرته المواثيق الدولية، إذ تعرقل تحركات الصحفيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتمنع تحركهم كما تفرض ما يعرف بالمنع الأمني الذي يحرمهم من المشاركة في المؤتمرات أو الدورات في الخارج.

ويمتزج المشهد الإعلامي للصحفيين المليء بـ الانتهاكات والاعتداءات خلال عام 2022، بواقع صعب على الأرض يعد جزءا من المشهد وكذلك من احتياجات الصحفيين، ومنها على سبيل المثال عدم إقرار قانون حق الحصول على المعلومات، والتي تجاهلت السلطة إقراره على الرغم من المطالبات المتكررة من المؤسسات الحقوقية والقانونية والإعلامية.

ويعد عدم إقرار هذا القانون جزءا من السيطرة التي تفرضها السلطة التنفيذية في التضييق على العمل الصحفي، خاصة أن قوانين أخرى أقرت همشت مساحة العمل الصحفي، مثل قانون الجرائم الإلكترونية، وكل ذلك بسبب غياب السلطة التشريعية وضعف القضاء.

وفيما يتعلق بممارسات الاحتلال لفتت الخطيب أن الصحفيين خلال العام 2022 واجهوا معوقات عدة، في إجراءاته وقوانينه التي ما زالت تعرقل وتعيق الصحافة، فما زال الاحتلال يقتل الصحفيين، ويعتقلهم ويصيبهم ويمنعهم من السفر والتنقل بحجج واهية ويمارس ضدهم أقسى الإجراءات القمعية، إضافة إلى غياب استقلالية وفعالية وقوة القضاء الفلسطيني الحامي لكافة الحريات والمدافع عن الحركة الصحفية أمام التغول الرسمي وأحيانا الشعبي على الصحفيين، مما يدفع بالصحفيين نحو التراجع وعدم تأدية الرسالة على الوجه الكامل.

وختمت الخطيب بأن المشهد الصحفي العام يتطلب ضرورة تحديث القوانين الناظمة للعمل الصحفي، مثل قانون المطبوعات والنشر، تعديل قانون العقوبات الفلسطيني والذي يجيز حبس الصحفيين والمواطنين على خلفية آرائهم بعكس الاتجاه العالمي السائد. كما أن هناك حاجة لإقرار عدة قوانين، كقانون حق الحصول على المعلومات، قانون المجلس الأعلى للإعلام، قانوني المرئي والمسموع، وتفعيل دور نقابة الصحفيين بشكل أكبر.

وفيما يتعلق بنقابة الصحفيين، فقد ساد الجسم الصحفي تفاؤلا نسبيا خلال العام 2022 بإجراء انتخابات عامة للنقابة بعد أن قررت الأمانة العامة للنقابة عقد أعمال المؤتمر العام في التاسع والعاشر من كانون الأول 2022م، وإجراء الانتخابات، والتي تم تأجيلها والدعوة لعقد مؤتمر استثنائي، تماشياً مع مبادرة مؤسسة فلسطينيات، بالتوافق مع الكتل الصحفية ونقابة الصحفيين من المقرر عقده في يناير الحالي، والتي دعت لتشكيل لجنة مستقلّة للإشراف على عملية انتخابات النقابة، بمهام محددة في المبادرة، وفتح ملف العضوية، وإشراف اللجنة المستقلة إلى جانب اللجنة المركزية للانتخابات على انتخابات النقابة، التي ستُعقد بشكلٍ متوازٍ في الضفة والقطاع، على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، وهو ما لاقى ترحابًا من قبل نقابة الصحفيين، والكتل والأطر الصحفية كافة.

ينجلي العام 2022 بينما تنبعث بارقة أمل لدى كثير من الصحفيين بأن يحمل معه 2023 بشرى إجراء انتخاباتٍ تعيد الحياة النقابية الصحفية إلى مسارها الصحيح بعد تعطيلها ما يزيد عن عشرة أعوام مضت، تكون قوية بما يكفي لإحداث تغييرات جذرية في واقع الحريات الإعلامية والدفع نحو إقرار قوانين حامية للصحفيين في فلسطين.