المونديال... مشاركة معنوية أصابت كبد احتلالٍ قتل لاعبًا حالمًا
تاريخ النشر : 2023-01-03 14:57

غزة:

"قُتل صاحب الأهداف المميزة"، بهذه العبارة تفاعل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي يوم 22 ديسمبر 2022، عندما قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي لاعب كرة القدم الفلسطيني أحمد دراغمة.

الشاب دراغمة "23 عامًا" هو لاعب خط وسط في نادي ثقافي طولكرم، هدّاف فريقه ورابع هدافي الدوري في مرحلة الذهاب، وكان يحلم بالمنافسة على لقب هداف الدوري، لكن رصاص الاحتلال حرمه الإياب حين قتله أثناء اقتحام منطقة قبر يوسف بمدينة نابلس، وسط إطلاق نار كثيف.

لن يحرز دراغمة بعد اليوم أهدافًا، ولن يتحقق حلمه لا بلقب هدّاف الدوري ولا بالاحتراف الخارجي، فقد قتله الاحتلال بعد عدة أيام من انتهاء مباريات كأس العالم في قطر، ليختم العام 2022 صورة المشهد الرياضي بين دماء أحمد، وعلم فلسطين الذي رفرف في مونديال قطر.

نوى، تفتح الملف الرياضي خلال العام الماضي، والذي شهد نشاطًا رياضيًا ناجزًا في العديد من الأنشطة، وعلى رأسها "الساحرة المستديرة"، معشوقة الجماهير "كرة القدم"، وكرة السلة والطائرة والتنس، وغيرها من ألعابٍ حققت حضورًا كبيرًا على مدرّجات الأندية والملاعب، وتوثيق إنجازات رياضيين لمع نجمهم باسم فلسطين التي باتت تحتل مركزًا أفضل في ترتيب "فيفا".

إنجازات

البداية من المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم، حيث نجح "الفدائي" في التأهّل لبطولة أمم آسيا التي من المقرر إقامتها في العاصمة القطرية الدوحة 2023، بعد إحراز عدة انتصارات متتالية في التصفيات الآسيوية التي أقيمت بملعب المركز الرياضي في مدينة "ولانباتار" بمنغوليا، وبذلك تأهل الفدائي للبطولة الآسيوية بالعلامة الكاملة رافعًا رصيده إلى 9 نقاط.

وبهذه النتيجة يرتقي المنتخب الوطني إلى المركز 94 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" الصادر في 22/ ديسمبر 2022 بعد أن كان في الترتيب 99.

وجاء ارتقاء المنتخب إلى هذا الترتيب بعد نجاحه في التأهل لنهائيات كأس الأمم الآسيوية، كما عاد المنتخب الوطني إلى قائمة أفضل 15 منتخبًا على مستوى القارة الآسيوية.

أما على صعيد المنتخب الوطني لكرة الطائرة الشاطئية، حيث أحرز الميدالية البرونزية في بطولة غرب آسيا للعبة المقامة في العاصمة القطرية "الدوحة"، حيث واصل الثنائي المتألق إبراهيم قصيعة وعبد الله العرقان مشوارهما الناجح في البطولة، وتغلبا على ثنائي منتخب سوريا بشوطين نظيفين بواقع 21-13 و21-14.

وبهذا الإنجاز تعود الرياضة الفلسطينية بقوة إلى الواجهة؛ لتحقق إنجازا كبيرًا أولاً على مستوى الرياضة ككل، وثانيًا على مستوى مشاركة النساء الفلسطينيات وتصدر المشهد الرياضي الذي كان يقتصر على الرجال فقط.

حيث اختار الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" الحكم الدولي المساعد، الفلسطينية هبة سعدية؛ للمشاركة في قيادة مباريات كأس العالم للسيدات في أستراليا ونيوزيلندا، والتي ستقام في الفترة من 20 تموز/ يوليو إلى 20 آب/ أغسطس 2023.

ولأول مرة، يستطيع حكم فلسطيني المشاركة في تحكيم مباريات كأس العالم، وسبق أن شاركت سعدية في إدارة مباريات كأس آسيا للسيدات التي أقيمت في الهند خلال شهر شباط/ فبراير 2022، كما وجرى اختيارها ضمن طاقم الحكام لمباريات المجموعة التاسعة في كأس الاتحاد الآسيوي 2022، والتي قامت بنظام التجمع خلال الفترة من 24 إلى 30 حزيران/ يونيو الماضي في فيتنام.

كما اختار الاتحادان الدولي والآسيوي لكرة القدم الحكم سعدية، والتي افتتحت مشاركتها في تحكيم بطولة "موريس ريفيلو" للرجال تحت 21 عامًا، واستضافتها فرنسا خلال الفترة 29 أيار وحتى 13 حزيران 2022، وكان ذلك بمشاركة منتخبات من 12 دولةٍ حول العالم.

ونبقى في الإنجاز النسوي الرياضي، حيث شاركت الفارسة الفلسطينية ديانا الشاعر، كأول فارسة عربية في نهائي بطولة العالم للفروسية "دريساج" التي استضافتها فرنسا، واختتمت في 10 أغسطس 2022، وبهذه النتيجة تأهلت الشاعر لخوض مسابقتين دوليتين خلال السنتين القادمتين لتتأهل للمشاركة في ألعاب الأولمبياد التي تستضيفها باريس.

وفي إنجاز هو الأول من نوعه أيضًا في تاريخ اتحاد كمال الأجسام واللياقة البدنية، أعلن الاتحاد حصوله على كروت احتراف للاعبين الفلسطينيين، وتعد كروت الاحتراف مفتاحًا نحو تسهيل مشاركات اللاعبين الفلسطينيين في المحافل الدولية، وبهذا يضمن لهم التصنيف لدى الاتحاد الدولي.

وأكد رئيس اتحاد كمال الأجسام بشير سلامة في بيان له، أن هذا الإنجاز جاء نتاج لجهود ومراسلات مع الاتحاد الدولي الذي يرأسه "رفائيل سانتوجا"، الذي لم يتوان عن تقديم الدعم اللامحدود لهذه الرياضة في فلسطين.

الدوري والكأس

وبالحديث عن خزائن الأندية الرياضية لكرة القدم، وما حققته من إنجازات جعلتها تتربع على قمة الدوريات التي أقيمت هذا العام بحضور جماهيري كبير، فمن قطاع غزة تُوّج فريق شباب رفح بلقب دوري الدرجة الممتازة، للمرة الثانية على التوالي والرابعة في تاريخ المسابقة.

أما في الضفة الغربية، فقد توّج نادي "شباب الخليل" بلقب دوري المحترفين لكرة القدم؛ ليحافظ على اللقب في خزائنه للموسم الثاني على التوالي.

وعن بطولة كأس الشهيد أبو عمار، استطاع نادي جبل المكبر أن يفوز بالبطولة للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوزه بثلاثة أهداف مقابل هدف في المباراة النهائية التي أقيمت بينه وبين نادي ثقافي طولكرم على استاد الشهيد فيصل الحسيني بالرام شمال القدس المحتلة.

كما شهد العام 2022 إطلاق النسخة الأولى من بطولة "القدس والكرامة"، والتي توّج بها نادي "الوحدات" الأردني، بعد فوزه على نادي "جبل المكبر" المقدسي بأربعة أهداف مقابل هدفين، في المباراة النهائية التي جمعت بينهما.

وفي دوري الدرجة الأولى، تمكّن فريق "ترجي واد النيص" من الحصول على لقب الدوري، قبل جولة واحدة على نهاية الدوري، وبهذا تمكن "ترجي واد النيص" وأهلي الخليل" إلى الصعود لدوري المحترفين.

وفي بطولات الناشئين توج فريق اتحاد خان يونس للشباب بطلا لكأس "طوكيو 2" بعد فوزه الثمين على ثقافي طولكرم بثلاثة أهداف مقابل هدف، في المباراة التي جمعت بينهما على ملعب خانيونس البلدي.

كما وتوج فريق اتحاد خانيونس بطلاً لكأس الناشئين مواليد 2006 فما فوق، بعد فوزه في المباراة النهائية على نظيره نماء بهدفين نظيفين في اللقاء الذي جمع الفريقين على ملعب محمد الدرة وسط قطاع غزة.

أما في بطولة كرة القدم الشاطئية بقطاع غزة، تمكن فريق نماء من التتويج ببطولة الدوري بعد تغلبه على نظيره شباب خانيونس بسبعة أهداف مقابل أربعة، في المباراة النهائية التي جمعت بينهما على ملعب نماء الترابي شرق جباليا شمال القطاع.

رياضيون ملهمون

وبالحديث عن الرياضيين المُلهمين الذين تحدّوا الإعاقة واستطاعوا إبهار الجميع بقدراتهم وطاقاتهم الإبداعية، فقد حقق منتخب فلسطين للدراجات الهوائية "للأشخاص ذوي الإعاقة"، إنجازًا مميزًا وأحرز ميداليتين جديدتين فضية وبرونزية ضمن البطولة العربية المجمعة للدراجات في سباق فردي ضد الساعة مسافة 20 كم.

فقد أحرز الدراج البطل وحيد رباح الميدالية الفضية وأحرز الدراج البطل حسن أبو كرِّيم الميدالية البرونزية، وجدير بالذكر أن المنتخب الوطني الفلسطيني للدراجات الهوائية للأشخاص ذوي الإعاقة؛ وأحرز أيضًا المركزين الرابع والخامس في نفس السباق، وفي سباق الفردي العام بمسافة 66 كم، نجح المنتخب في إحراز ميداليتين فضية وبرونزية وحصد المركزين الرابع والخامس لنفس البطولة.

خلال حديثه لـ نوى قال "لاعب الدراجات الهوائية" للأشخاص ذوي الإعاقة ناجي ناجي من غزة، إنه استطاع وزملائه الثلاثة المشاركة في هذا السباق في ظل قلة الإمكانيات المادية التي من المفترض أن تضمن لهم مشاركة جيدة كباقي المنتخبات.

ويشير إلى أن اثنين من زملائه اللاعبين المُشاركين في البطولة لم يتمكنوا من شحن درجاتهم في الطائرة التي من المقرر أن تستقلهم إلى البلد المضيف، وفور وصولهم طلبوا من الاتحاد الإماراتي استلاف دراجتين؛ للتمكن من المشاركة في السباق.

وأضاف ناجي، أن رياضة الدراجات الهوائية جاء تشكيلها بمحض الصدفة، عندما كان يمارسها بمفرده أثناء فترة انتشار فيروس "كورونا"، حيث قرر في ذاك الوقت اقتناء دراجة هوائية والسير بها في الشوارع العامة، قبل أن ينضم إليه لاعبين آخرين، فتحولت الفكرة من أداة للتسلية والترفيه إلى رياضة رسمية تخوض غمار السباقات المحلية والعربية.

ونبقى في رياضة الأبطال المُلهمين بإنجازاتهم، فقد تُوّج المنتخب الوطني لكرة السلة للكراسي المتحركة، بلقب بطولة الهند الدولية للكراسي المتحركة، التي نُظمت برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد فوزه التاريخي على مستضيف البطولة المنتخب الهندي بنتيجة 49-40.

حلم توقّف

رغم إن الخروج من بطولات يعدّ خسارة، لكن حين يكون خصمك الاحتلال فالخسارة ستكون حتمًا من نوعٍ آخر، ففي هذه الحالة سيكون اللاعب الفلسطيني على أرضه وبين جمهوره، ولكن ستقتله رصاصة غادرة تحبط حلمه إلى الأبد.

أحمد دراغمة "أبو سياج "هكذا يعرفونه في مسقط رأسه طوباس، لاعب خط وسط نادي ثقافي طولكرم وأحد هدافي الدوري الفلسطيني، بواقع 6 أهداف، قتلته قوات الاحتلال في 22/ ديسمبر 2022، أثناء اقتحامها مقام النبي يوسف شرقي نابلس.

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، دعا حينها الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، بإدانة جريمة اغتيال اللاعب أحمد دراغمة، ومعاقبة الجناة، وطالب المؤسسات الحقوقية الدولية، بالوقوف عند مسؤولياتها، لوقف الإعدامات الميدانية بحق أبناء الشعب الفلسطيني ومعاقبة الجناة وتقديمهم للعدالة.

وتخليدًا لذكراه كهداف لفريق ثقافي طولكرم لموسم (2022-2023)، قررت الهيئة الإدارية للنادي، تجميد الرقم 77 من كشوفاته بشكل نهائي، وتسجيله باسم لاعبه الشهيد أحمد دراغمة.

إخفاقات

أما على صعيد الإخفاقات التي لحقت بالرياضة الفلسطينية، ففي 25 / يونيو، ودّع منتخب فلسطين منافسات كأس العرب لكرة الصالات، بعد خسارته أمام الكويت بركلات الترجيح (1-4)، إثر التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي (4-4)، لحساب دور الـ 16 من المسابقة.

وكذلك توقف الحلم الفلسطيني في بطولة كأس العرب للشباب تحت 20 سنة، عند المربع الذهبي، بعد خسارة منتخبنا الوطني بخماسية نظيفة أمام مستضيف البطولة المنتخب السعودي.

فلسطين في مونديال قطر

أما الحدث العالمي الأبرز لهذا العام عندما قامت دولة قطر باستضافة كأس العالم لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط، والذي شهد اهتمامًا قويًا وبارزًا لفلسطين التي كانت حاضرة في أجواء المونديال رغم عدم مشاركة المنتخب الفلسطيني لكرة القدم، لكن لم تمر مباراة أو فعالية إلا وكان علم فلسطين حاضرًا مرفرفًا بين أيدي الجماهير، حتى إن صحيفة "غلوبو" البرزيلية وصفت فلسطين بأنها الفريق غير الرسمي في بطولة كأس العالم.

وقد أحدث هذا التفاعل مع القضية الفلسطينية استياء الاحتلال الإسرائيلي خاصة في ظل عدم تقبّل الجماهير العربية والكثير من الجماهير الاجنبية للتواصل مع وسائل إعلام عبرية، ما عدّوه انتصارًا للفلسطينيين.

كما وشهدت البطولة حضور أكبر وفد فلسطيني (إعلامي ورياضي) في تاريخ البطولات الكبرى، بدعم من المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني.

وقال الصحفي علاء شمالي من غزة لـ نوى، إن تجربة تغطية المونديال بمثابة "الحلم" بالنسبة لأي صحفي في العالم؛ لأنها البطولة الأعرق في تاريخ كرة القدم العالمية، والحدث الذي يعد أكبر تجمع عالمي رياضي، فهذا هو الحلم الطبيعي لأي صحفي في العالم، لكن أن تكون صحفي فلسطيني ومن "غزة" فيزداد الحلم صعوبة في ظل المعيقات التي تحاصرنا حتى اللحظات الأخيرة.

وقال شمالي: "لم أصدق نفسي إلا عندما تحقق الحلم ووجدت نفسي في قطر"، فكان شعور لا يوصف، وتجربة تغطية المونديال كانت رائعة وممتعة على المستوى الشخصي والمهني، حيث أتاحت لي فرصة التعرف على ثقافات الشعوب المختلفة.

وتابع، أن المونديال يعد الحدث الأبرز لهذا العام على المستوى العالمي وخاصة على مستوى فلسطين التي كانت حاضرة رغم عدم مشاركتها، حتى أن الصحافة العالمية وتحديدًا البرازيلية كانت تقول بأن هناك 33 منتخبًا حاضرًا بدولة فلسطين، والبعض الآخر أطلق عليه مونديال فلسطين، لأن العلم الوطني والكوفية حضروا المونديال بشكل لافت.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أن الصحفي الفلسطيني، حسب الصحفي شمالي، أثبت حضورًا كبيرًا في القنوات ووسائل الإعلام العربية وكانت فرصة جيدة للتحدث عن معاناة الفلسطينيين بمختلف المكونات.

وثمن شمالي، جهود دولة قطر في تنظيم أفضل نسخة لبطولة كأس العالم منذ عام 1930، من الناحية الفنية والتنظيمية وتوفير مركز إعلامي رياضي يخدم ما يقارب 17 ألف صحفي من جميع دول العالم.

في المقابل لم تشهد البطولة أي تواجد للإعلاميات الفلسطينيات، ما جعل الأمر صادمًا بالنسبة لإعلاميات رياضيات، لهن باعٌ طويل في الميدان الرياضي.

من بين هؤلاء الإعلاميات، نيللي المصري، أول إعلامية رياضية في فلسطين، والتي تخطّت خبرتها 22 عامًا، لم تشفع لها تلك السنوات بالمشاركة في تحقيق حلمها وتغطية المونديال في قطر، رغم تسجيل اسمها في موقع "فيفا"، الذي قرر إرسال كودٍ خاص لكل اتحاد رياضي لم تعلم به نيللي، لكن الاتحاد فضّل اختيار 4 صحافيين من الضفة الغربية واستثناء قطاع غزة.

ومن قطاع غزة، حيث شارك العشرات من الإعلاميين والرياضيين الذين تم تسهيل وصولهم لحضور مونديال قطر وتغطيته، كانت نيللي وهي الأقدم من بينهم، لكن أيضًا لم تشارك، الأمر الذي أحدث ندبة في قلبها.

تقول المصري لنوى إن هناك تمييزًا ملموسًا بين الإعلاميين/ات من حيث تفضيل الرجال على النساء في التمثيل والمشاركة كموفدين إعلامين للبطولات الخارجية، فنحن نعيش في مجتمع يدَّعي حقوق المرأة وخاصة الوسط الإعلامي الرياضي.

وختامًا فإن الرياضة الفلسطينية تواجه العديد من المعيقات، وأبرزها منع الاحتلال تنقّل اللاعبين، واعتقالهم وقتلهم، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالأندية، الأمر الذي يؤثر على مستقبل الرياضة الفلسطينية.