جمانة تبدع في فن الماندالا وتصنع من الحجر حكاية
تاريخ النشر : 2022-12-27 10:27

الناصرة/ حنان مطير

على أطراف سهل مرج بن عامر قضاء مدينة الناصرة الفلسطينية، وتحديدًا في قرية نين الجميلة صنعت جمانة زعبي غرفتها الساحرة، ذات المناضد والأرفف والنوافذ والستائر البيضاء، هناك تُسمع موسيقى الحب الهادئة، وتُستنشَق رائحة العطور الزكية والقهوة المنعشة، فيتلون القلب بألوان الأمل والحياة المصفوفة بانتظام وتلك الملقاة على طاولة الرسم بعشوائية.

لم تتوقع جمانة أن تصبح تلك الغرفة البيضاء في بيتها الهادئ البعيد عن ضجيج المدينة مزارًا دائمًا لعاشقي فن المانديلا والرسم على الحجر، ليحظوا بالجميل من ورشات العمل الخاصة في هذا الفن الذي أتقنته وتميزت فيه، فباتت تلك الغرفة ستوديو فنيّاً ومصدرًا للطاقة الإيجابية بكل تفاصيله التي صنعتها بيديها وألوانها.

مذ تزوجت وهبت كل وقتها لأبنائها، تُربيهم وترعاهم وتعلمهم، لكن طاقةً بداخلها كانت تدفعها للبحث عن شيء جديد يضفي على حياتها رونقًا خاصًا.

وحول هذا تقول لنوى:" إلحاح بداخلي كان يلازمني بأنني أمتلك شيئًا مميزًا خاصًا ويجب أن يخرج إلى النور إلى جانب تربية أولادي".

وتضيف:" ذهبت لعالم التطريز فترةً من الزمن، ثم كتبت السيناريوهات، وبعدها قدمت برفقة أولادي فقرات فنية وقمت معهم بتمثيل أدوار مؤثرة، وسعيدة فكانت فترة مليئة بالإنجاز والتحدي والسعادة، لكن ذلك كله لم يكن هو الشغف الحقيقي بداخلي".

ذات يومٍ كانت جمانة تدور في محيط بيتها تاركةً لنفسها العنان في التفكير، لتتعثر بالحجر الذي شكّل صفحةً جديدة في حياتها، لقد وجدت ضالتها في الصغير والكبير من تلك الحجارة فصنعت منها الحكاية، وانبثق مشروعها "حكاية حجر".

 تعلق:" لقد ألقى بي القدر إلى الرسم على الحجر وعشقه وأنا التي لم أكن أمتلك أي موهبة أو خبرة سابقة فيه".

وتوضح:" شعرت أن الحجر كالإنسان، قوي وصلب لكنه يحتوي على الكثير من العيوب، وتلك العيوب يمكن إصلاحها إن قرّرنا ذلك وذلك الحجر يمكن تطويعه ليكون شيئًا رائعًا مبهجًا.

لم تكن تمتلك جمانة الألوان الخاصة بالرسم على الحجر، ولم يسعفها صبرُها بالانتظار للغد كي تشتري الألوان بأريحية ورويّة، فاستخدمت طلاء الأظافر، لتبدأ في أول لوحة حجرية.

تصف:" امتلأت بطاقة إيجابية لم أعهدها من قبل، تعرفت على أناس جدد، امتلكت الثقة الكبيرة، قضيت أوقاتًا ممتعة".

ولم تغفل مشاركة أبنائها في ذلك الفن فكانت ابنتها سلمى ذات الأربعة عشر عامًا ذواقة فيه مبدعةً كوالدتها التي لم تتوقف عن استشارتها وأخذ رأيها.

وتبين أن حبها للرسم على الحجر يكمن في كونه مصدراً لتثبيتها في موطنها فلسطين.

ولا يقتصر الفن الذي تصنعه جمانة على الرسم على الحجر إنما على الخشب أيضًا كما وتبدع في فن المانديلا المبهج الذي يعني الدائرة أو الاحتواء وتصميم نمط ونقوش متوازنة بصريًا تتكثف في المركز.

وتقطع جمانة مسافات طويلة كي تحصل على تلك الحجارة المناسبة للرسم، حيث تأتي بها من محلات خاصة من قلقيلية، فلم يعد أمر جمع تلك الحجارة مقتصرًا فقط على الدوران في حاكورة البيت وحوله للحصول عليها، خاصة بعد أن صار الإقبال على تعلم هذا الفن واسعًا، وبدأت بتقديم الدورات التدريبية فيه والذي شمل الأطفال والشباب وكذلك كبار السنّ ونساء مريضات أو متعافيات من أمراض صعبة".

الرسم على الحجر ليس مجرد تسلية وتلبية نداء داخلي ترفيهي لدى جمانة، إنما هو رسالة وقضية إنسانية ومجتمعية توصلها للعالم، فصورة الطفل المكلوم وهو يودع أباه الشهيد في غزة ويقول له "الله يسهل عليك يابا" لم تفارق خيال جمانة فوثقتها على الحجر، هي وغيرها من القضايا المهمة.

وتبين:" كثيرون ممكن حصلوا على دورات وورش تدريبية معي في مشروع "حكاية حجر" الذي أدرب فيه في الرسم على الحجر وفن المانديلا جعلوا من هذا الفن مصدر رزق لهم ومصدر سعادة وطاقة إيجابية وهذه رسالة عظيمة أسعد أنني شاركت فيها".

جمانة التي سافرت على عدة دولة أوروبية كانت تحمل معها لوحتها وألوانها وتقوم برسم جزء من اللوحة في كل دولة تمر فيها، فيما يقوم أبناؤها بتصويرها وصنع ألبوم صور لها لتكون ذكرى جميلة لها فهم يعلمون بشغفها في فن المانديلا ويقدرون جهودها وإنجازاتها.