عن "كانون النار".. وجلسات "الوناسة" تحت الحصار
تاريخ النشر : 2022-12-26 20:07

قطاع غزة:

يجمعهم البحر في الصيف، والدواوين المغلقة في الشتاء. هذا ما يفعله الفلسطينيون في قطاع غزة الذي يعيش حصاراً إسرائيلياً منذ 16 عاماً، يؤثر على كافة النواحي الحياتية، فالكهرباء لها جدول لوصلها والمياه كذلك، حتى لو تجمدت أطرافك في البرد القارس، فليس أمامك سوى "كانون النار".

ولكانون النار في القطاع معزّة خاصة، يشعر الناس بالحنين إلى "الزمن الجميل"، عندما كان إشعاله من باب الرفاهية، لحفلات الشواء أو جلسات الوناسة، وربما الأخيرة لا زالت قائمة لكنها مرتبطة بمفهوم "المواساة" أيضاً.

كيف ذلك؟ "صار الكانون ستراً لنا، يسترنا من البرد، يجمعنا أنا وأبنائي وأحفادي، الكل يشكي والكل مهموم، نواسي بعضنا، نتحدث بذكريات الحرب والموت والفقر والحصار وضيق الحال والحاجة والعوز" تقول الجدّة بركة سليم (84 عاماً).

صحيح أن الاحتلال قائم منذ عام 1948، لكن الحياة تزداد سوءاً كلما مرت إلى الأمام، إذ لا ينفك عن التغلغل بأبسط تفاصيل العيش للتضييق على الفلسطينيين، حتى وصل إلى "الكانون"، فغيّر منحنى التفاعل حوله بتبادل الهموم حتى راح ضحيته عدد من الأشخاص في العام الماضي كانوا قد أحكموا إغلاق الغرف دون انتباه لمخاطره. 

أمير الصغير ابن السبعة أعوام وهو حفيد الجدّة له نظره مختلفة، لا يزال يراه شيئاً ممتعاً، تعجبه الحلقة الدائرية التي يجلس فيها واخوته وأبناء عمه للتدفئة في البرد، كما يشتهي دائماً البطاطس المشوية والخبز المحمص، والبطاطا "الحلوة".

ويزيد "أنا أحب الشتاء لهذه الأجواء، الكانون يجمعنا. ويخبرني أصدقائي أنهم يفعلون الشيء نفسه مع عائلاتهم"، لكن الطفل لا يخفي خوفه أيضاً من اندلاع حريق ما، لم يكن بحسبان أحدهم عندما تكون الكهرباء مقطوعة فربما يسقط "حطب" دون إدراك أحدهم فتحصل كارثة! هذا ما يخيل له دوماً.

وأما أبيه زياد، فإنه الجلسات هذه تشعره بالحنين إلى "البلاد" قبل فرض الحصار، عندما كانت غزة مفتوحة على بقية الأراضي الفلسطينية، إلى ليالي العمل بمناطق الداخل الفلسطيني، وإلى إبريق الشاي الذي جمعه بعمال جمعت بينهم المأساة، مأساة العيش تحت الاحتلال.

تغني الجدّة بعض المواويل حين يجتمعون، تصنع الأمهات أباريق الشاي على نار الحطب في الكانون ويعدّون ساندويشات الزعتر المحمصة، يتناولها الأطفال أولا ويطلبون المزيد، تلمع عيون الآباء وقلوبهم تعجّ بالفوضى ويتساءلون "هل لو كنا في بلد آخر، سنعيش هذه الأجواء أيضاً؟".

من الجدير ذكره، أنه عند بداية الحصار الإسرائيلي، لم تكن نسبة البطالة في غزة تتجاوز 25 إلى 26 في المائة فيما قفزت لتصل إلى 47.8 بالمئة وفقاً لآخر الإحصائيات المسحية الصادرة عام 2021، في وقتٍ ترتفع بين صفوف الشباب إلى 60 بالمئة.